حلب.. مشاهد دمار لا يميز

مدرسة ابتدائية في الهلّك
undefined

فراس نموس-حلب

ليس منظرا من الحرب العالمية الثانية ولا صورة من سراييفو أثناء حصارها والهجوم عليها، ولا هي كذلك لقطة من غروزني التي دمرها الروس في حرب طاحنة، إنها مبان ومساكن في أحياء كرم الجبل وبستان الباشا ومساكن هنانو في حلب دمرها الجيش السوري على رؤوس أهلها بسلاح روسي.

صور ماثلة للدمار وللهمجية وهي تعتدي على بيوت الآمنين فتحيلها ركاما وتحيلهم أشلاء، دون ذنب جنوه، قدرهم أنهم كانوا في الموقع الذي سقط عليه برميل متفجر ألقاه دون توجيه جنود أقسموا يوما على حماية سوريا، ليحط دون ميعاد على مبنى كان واقفا وكان به عشرات الأسر.

الدمار لم يصب مساكن المدنيين فقط، بل وصل إلى المساجد والمستشفيات ومدارس الأطفال، ولم يعد بالإمكان وصف محل دون غيره بأنه آمن، فالقذائف العشوائية والبراميل الهاوية تحل حيث ألقيت دون مبالاة بقدسية أو حرمة أو تراث.

مبنى سكني في حي بستان الباشا سقط عليه برميل متفجرات (الجزيرة نت)
مبنى سكني في حي بستان الباشا سقط عليه برميل متفجرات (الجزيرة نت)

الجزيرة نت تجولت في أحياء حلب المتضررة ووثقت الدمار فيها، وهو دمار سيبقى على حاله لحين انتهاء الثورة، كما يقول الناشط في المجلس الثوري صلاح الدين، إذ إن إزالته وإعادة الإعمار أكبر من إمكانية الجيش السوري الحر ومؤسسات الإغاثة، وجل ما يقدرون على عمله هو إيجاد مأوى بديل لمن بقي حيا من هذه الغارات.

في حي بستان الباشا قصف مسجد الفتح وهو أكبر مسجد، حيث أصابته قذيفة مباشرة في المحراب وتناثرت شظاياها في المسجد وعصفت بما فيه من أثاث، وقد بقي على حاله شاهدا على قذيفة دخلت المسجد من المحراب، وعطلت الصلاة فيه حتى اليوم.

وعلى مقربة من المسجد تقع مبان سقط عليها برميل متفجر فتحول نصفها إلى ركام ونصفها الآخر شاهد على حياة كانت فيه، فهناك صورة لأسرة ما زالت معلقة على جدار وثلاجة تكاد تهوي، ومشجب عليه بقايا ثياب.

معاقبة الأحياء
يمكن للصورة أن تكون أكثر وضوحا لو أخذت من قرب أو من زوايا أخرى، لكن قناصا يستريح على رأس عمارة في أقصى الشارع ويتسلى باصطياد المارة يمنع من المغامرة بالاقتراب أكثر.

نفس المشهد في حي كرم الجبل وكأن البرميل عندما يهوي يقص العمارات بمنشار فيأخذ نصفها ويبقى الآخر في مشهد غريب، نصف حمام ونصف مطبخ وأوان لا تزال معلقة على زواياه وأبواب تفتح للفضاء لا أرض تحتها، وكتل إسمنتية مشدودة بحديد البناء تنتظر أن يلكز العمارة أحد لتهوي.

أما في مساكن هنانو فقد سقط البرميل في وسط العمارة على ما يبدو فلم يبق منها رسما أو معلما، وهوت ركاما بالكامل ودفنت معها من كان فيها، في رد ثأري على خسارة النظام لثكنة هنانو التي سيطر عليها الثوار واستولوا فيها على عتاد كثير.

وليس بعيدا عنها حي الشعار الذي كان على موعد مع برميل هوى على مستشفى الشفاء، وأحدث مجزرة بالعشرات، ومستشفى الشفاء الذي أصبح أطلالا كان يقدم خدماته الطبية لأكثر من نصف السكان في الأحياء المحررة بالإضافة إلى جرحى الجيش الحر. 
 مستشفى الشفاء أصبح أطلالا (الجزيرة نت)
 مستشفى الشفاء أصبح أطلالا (الجزيرة نت)

لم يكن مستشفى الشفاء الوحيد الذي قصف في حي الشعار، فقد استهدف مسجد نور الشهداء وقصفت عدة بيوت، ولكن الذي أثار الاستياء الأكبر أن يستهدف مشفى يقدم خدمات طبية وبه جرحى ومرضى، في تصرف يخالف أعراف البشر وقوانين الحرب.

في حي الهلك كذلك كانت مدرسة ابتدائية على موعد مع صاروخ من طائرة حربية دفع ثمنها وثمنه الشعب، أحدث دمارا هائلا فيها وفتح فجوة في أرضها فوق القبو، والمفرح أن الأطفال لم يكونوا في المدرسة عند الهجوم، لكننا وجدناهم اليوم وهم يجمعون خشب كراسي الدراسة للتدفئة.

صور كثيرة يمكنها أن تتحدث بأفصح لغة عما تعرضت له هذه الأحياء من قصف لم يفرق بين مدني وعسكري وإنما كان هدفه، كما يقول صلاح الدين، معاقبة الأحياء التي وقفت مع الجيش الحر والتنكيل بها، وإيذاء الثوار بأكبر قدر ممكن وهم يرون أهلهم وأبناءهم أشلاء ولا يملكون لرد ما أصابهم سبيلا.

المصدر : الجزيرة