ماذا تبقى من اعتصام الاتحادية بمصر؟

هدوء وظلام يخيمان على المكان
undefined

مصطفى رزق-القاهرة

ليس من الموضوعية أن يوصف ما يحدث الآن أمام قصر الرئاسة بالاتحادية في حي مصر الجديدة الراقي بالقاهرة بأنه اعتصام، ولا ما يطلق عليه معارضو الرئيس محمد مرسي بأنه موجة لاحقة لثورة 25 يناير/كانون الثاني التي أسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، فالأعداد قليلة جدا والمنطقة شبه خالية إلا من بعض الباعة الجائلين الذين جاؤوا أملا في الخروج بما يعينهم على معيشتهم التي تضررت كثيرا بما تشهده البلاد من أحداث.

شارع الميرغني الشهير -الذي يؤدي إلى قصر الاتحادية حيث مقر رئاسة الجمهورية- شبه خال من المارة والسيارات بعد أن أغلقته قوات الحرس الجمهوري بالحواجز، وأصحاب المحال التجارية في هذا الشارع -الذي يمتلئ في الأوقات العادية بالمواطنين الراغبين في التسوق- يجلسون في انتظار من يأتي للشراء في توقف شبه تام لحركة البيع والشراء.

غالبية سكان المنطقة منعزلون في منازلهم بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة وسقط فيها عدد من القتلى والجرحى خلال المظاهرات التي خرجت للتنديد بالإعلان الدستوري الجديد، هذا الهدوء القاتل يبعث في نفس من يأتي للمنطقة شعورا بالوحشة والخوف على مستقبل هذا البلد الذي طالما تغنى أهله بما يميزه من أمن وأمان وسط شرق أوسط يموج بالأحداث والصراعات.

يمكنك المرور عبر الحواجز التي وضعتها قوات الحرس الجمهوري دون تفتيش ودون سؤال عن هويتك وسبب مجيئك, الجنود يتواجدون فقط لتأمين المنطقة، ربما تحاشيا لعدم تكرار إراقة الدماء التي شهدتها المنطقة وتسببت في حالة من الغليان في الشارع المصري، ربما كان أحدث مظاهرها تلك الجنازة المهيبة التي خرجت الأربعاء من نقابة الصحفيين لتشييع الصحفي الحسيني أبو ضيف الذي قتل في الميدان برصاص مجهولين.

الظلام يخيم على المكان إلا من بعض الأضواء البعيدة التي تخرج من مكان كُتب عليه "متحف الثورة", عدد قليل من دبابات الحرس الجمهوري يطوق قصر الرئاسة، مجموعة من الأطفال يلهون ويلعبون بالقرب منها ويطلبون من كل عابر يحمل كاميرا تصوير أن يلتقط لهم صورا تذكارية أمام الدبابة وبين عجلاتها.

واجهة متحف الثورة الذي يضم صورا ولافتات تؤرخ للثورة (الجزيرة نت)
واجهة متحف الثورة الذي يضم صورا ولافتات تؤرخ للثورة (الجزيرة نت)

تراجع بالأخلاق
يغلب على الموجودين فئة الشباب من الطبقات الاقتصادية الدنيا في المجتمع, رسوم الجرافيتي على الطرق وسور القصر الرئاسي تكشف عن تراجع حاد ليس فقط في الموهبة الفنية، بل وأيضا في الأخلاق ولغة الاحتجاج عند البعض، مقارنة بأيام الثورة.

لم يكن هناك من يمكن أن تتحدث معه, المعتصمون داخل خيامهم التي نُصبت بشكل متناثر، والموجودون خارجها لا تتجاوز أعمارهم الـ15 عاما. بين الحين والآخر يهرول أحد هؤلاء حاملا علم مصر وهو يهتف بسقوط الرئيس محمد مرسي، ويتلفظ بألفاظ نابية يسب بها الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين.

في ركن جانبي من مقر الاعتصام مكان صغير رفعت عليه لافتة مكتوب عليها "متحف الثورة 2" وبه مجموعة كبيرة من الصور واللافتات التي تندد بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وأيضا الرئيس الحالي محمد مرسي، وبالنظر إلى اللوحات المرسومة والصور الفوتوغرافية نجد أن القائمين عليها حرصوا على رسم بانوراما مصورة للأحداث الدموية التي شهدتها مصر منذ موقعة الجمل، مرورا بأحداث محمد محمود وماسبيرو والقصر العيني ومسرح البالون، إلا أنه يلاحظ أن تلك الصور كانت تتخللها بين حين وأخر لوحات صغيرة ناقدة لجماعة الإخوان المسلمين، والرئيس مرسي.

جلس أحد الشباب داخل المتحف منهمكا في شيء يكتبه على لافتة تمهيدا لتوزيعه أو وضعه بجانب لافتات أخرى لربما تتصاعد الأحداث ويحتاج المتظاهرون إليه.

للوهلة الأولى تلاحظ غياب الحس الفكاهي الذي كان أحد سمات جداريات ولوحات ثورة 25 يناير/كانون الثاني، فاللوحات التي يبدو أنها جاءت مكتوبة على عجل ودون إعداد جيد حفلت بالعديد من الكلمات الجارحة، لم تشهدها ثورة يناير/كانون الثاني التي قامت ضد واحد من أكثر الأنظمة سلطوية في العالم.

يخرج الزائر للاتحادية في هذا التوقيت بانطباع قوي بأن الاحتجاجات آخذة في التراجع، ربما لفتور قوى المعارضة وعدم توحد مواقفها، وربما هي استراحة محارب تمهيدا لجولة أخرى من الصراع، وربما هي انتظار لنتيجة الاستفتاء على الدستور المقرر في الخامس عشر من الشهر الجاري، الذي قررت قوى المعارضة المشاركة فيه والحشد لرفضه.

المصدر : الجزيرة