المناظرات.. تقليد أميركي لتسويق الرئيس

Debate moderator Jim Lehrer (C) speaks to Democratic presidential candidate, U.S. President Barack Obama (R) and Republican presidential candidate, former Massachusetts Gov. Mitt Romney (L) during the Presidential Debate at the University of Denver on October 3, 2012 in Denver, Colorado. The first of four debates for the 2012 Election, three Presidential and one Vice Presidential, is moderated by PBS's Jim Lehrer and focuses on domestic issues: the economy, health care, and the role of government. Win McNamee/Getty Images/AFP== FOR NEWSPAPERS, INTERNET, TELCOS & TELEVISION USE ONLY ==
undefined
الجزيرة نت
 
اعتاد الناخب الأميركي انتظار المناظرة التلفزيونية بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الانتخابات الرئاسية في بلاده كل أربع سنوات، وذلك مع احتدام المعركة الانتخابية بين المرشحين الرئيسيين، وكذلك بين نائبيهما. وبات هذا التقليد العتبة الرئيسية في دخول البيت الأبيض والجلوس على كرسي الرئاسة، كما أصبح أحد الثوابت الفاصلة في الحملات الانتخابية الأميركية منذ 52 عاما.

تعدى الاهتمام بالمناظرات الولايات المتحدة والناخب الأميركي -المعني في المقام الأول بالقضايا الداخلية والضرائب والتأمين الصحي- إلى بقية دول العالم المعنية بمتابعة قضاياها على خريطة الاهتمامات الأميركية، وانتقلت عدوى التقليد إلى دول أوروبية، وأخيرا وجدناها في الانتخابات الرئاسية المصرية بين اثنين من المرشحين الـ13 لم ينجح أي منهما فيها.

وتتيح المناظرات لكل مرشح أن يقول ما يشاء ويظهر نفسه بأبهى صورة، كما تسمح له بالتركيز والاستطراد في خططه وسياساته المستقبلية والإجابة عن تساؤلات لم يقدم إجابة عنها بعد، ومن ثم تعتبر لحظة فارقة في مسار الحملات الانتخابية وفرصة أخيرة لكلا المرشحين لترجيح كفته على الآخر، لكن التأثير الأهم لها هو توجيه الذين لم يحسموا أمرهم في انتخاب مرشح بعينه.

وشهدت المناظرات -التي بلغ عددها حتى الآن في الانتخابات الأميركية 28 مناظرة آخرها بين الرئيس باراك أوباما ومنافسه الجمهوري مت رومني أمس- في حالات عدة لجوء أحد المرشحين أو كلاهما إلى المبالغة وأحيانا إلى الكذب، وتحولت في حالات أخرى إلى تراشق بالاتهامات بين الطرفين دون التركيز على برنامج كل منهما.

وكما أن المناظرات تظهر إيجابيات المرشحين فهي تظهر أيضا العيوب والسلبيات، فكل حركة وإشارة لها دلالات، وكل ابتسامة أو نبرة قلق لها أبعاد، حتى شكل ربطة العنق قد تفقد المرشح الكثير من الأصوات، ومهما تحلى المرشح بالرزانة والجَلَد، فإن زلة لسان عابرة قد تقصيه بعيداً عن الرئاسة. 

وللظهور في أبهى صورة يتلقى المتناظران تدريبات على مواجهة الجمهور على يد خبراء في العلاقات العامة حتى لا يقع أي منهما في الهاوية أمام الملايين التي تتابع المناظرات التي يفاوض بشأن تفاصيلها  والموضوعات المثارة فيها مندوبان عن كل مرشح قبل إجرائها أمام عدسات الكاميرا.

‪أوباما خلال مناظرته منافسَه الجمهوري جون ماكين التي سبقت الانتخابات الرئاسية الماضية‬ (رويترز-أرشيف)
‪أوباما خلال مناظرته منافسَه الجمهوري جون ماكين التي سبقت الانتخابات الرئاسية الماضية‬ (رويترز-أرشيف)

البدايات
أصبح لهذا التقليد لجنة خاصة بها يطلق عليها لجنة المناظرات الرئاسية (CPD)، وهي مؤسسة غير ربحية، يرأسها رؤساء سابقون وسياسيون وإعلاميون يحددون معايير وأماكن محددة لهذه المناظرات، وتنقلها كل وسائل الإعلام على اختلافها، لأنها حدث قومي.

ويؤرخ لبدء المناظرات الأميركية بعام 1858، الذي شهد سبع مناظرات بين إبراهام لنكولن من الحزب الجمهوري والنائب الديمقراطي ستيف دوغلاس، الذي قرر أن يخوض الانتخابات منافساً على مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوي.

عقدت تلك المناظرات في مواجهة جمهور المرشحين بلا كاميرات أو فضائيات أو ميكروفونات إذاعة -حيث لم يكن أي من تلك الوسائل الإعلامية متاحا في ذلك الوقت- وتم الاتفاق على أن تكون المناظرات في سبع مدن في ولاية إيلينوي، حيث تحدث لينكولن لمدة ساعة، في حين تحدث خصمه ساعة ونصف الساعة، ثم عاد الأول وتحدث لمدة نصف الساعة.

استمرت المناظرات من أغسطس/آب حتى أكتوبر/تشرين الأول، وكان موضوعها الرئيسي هو قضية العبودية، وكان رأي لينكولين هو القضاء على العبودية، في حين رأى دوغلاس أن الأمر سيؤدي إلى حرب أهلية، وفي النهاية فاز دوغلاس وحافظ على مقعده في مجلس الشيوخ، غير أن لينكولين عاد بعد أربعة أعوام للساحة بعد أن انتخب للترشيح للرئاسة عن الحزب الجمهوري أمام نفس المنافس، وأسفرت المناظرات هذه المرة عن فوز لينكولين بمنصب الرئيس رقم 16 في تاريخ الولايات المتحدة.

تأثير الصورة
استمرت فكرة مواجهة المرشحين أمام الناخبين على مدى تاريخ الانتخابات الرئاسية، لكن أول استخدام للتلفزيون في بث وقائعها للجمهور جرى في انتخابات عام 1960 بين جون كينيدي عضو مجلس الشيوخ الشاب وبين السياسي المخضرم ريتشارد نيكسون نائب الرئيس الأميركي مرتين في عهد دوايت إيزنهاور.

ورسخت المناظرات الأربع التي جرت بين الاثنين صورة كينيدي في أذهان الناخبين، وكان جزء من خسارة نيكسون يرجع إلى أنه بدا سيئًا للغاية أمام كاميرات التلفزيون، رغم أنه كان واثقاً من الفوز لكنه ذهب إلى المناظرة منهكا بعد لقاءات مع مؤيديه ورفض وضع الماكياج المناسب على وجهه، وعندما بدأ يتصبب عرقاً، بدا في شكل المرتبك والمرهق جداً على شاشات التلفزيون الأبيض والأسود أيامها. وفي المقابل بدا كينيدي -الذي كان عائدا من إجازة- هادئا ومتماسكا وأنيقا ووسيما بعد أن لفحت الشمس وجهه فزادته وسامة وبدا نشيطا للغاية.

والمفارقة أن نتيجة المناظرة بالنسبة للذين استمعوا إليها عبر الراديو ولم يشاهدوها على التلفزيون كانت لصالح نيكسون، كما حدث مع حكام الولايات الذين كانوا مجتمعين يومها في ولاية أركانسو، والذين اعتبروا أن نيكسون كسب المواجهة، إلا أن استطلاعات الرأي جاءت لصالح كينيدي، وكان التأثير الأكبر في ذلك للصورة التلفزيونية وليس للصوت الذي سمعه البعض عبر الراديو.

وبعد ذلك عقدت ثلاث مناظرات، وفي النهاية أصبح كينيدي الرئيس الأميركي الجديد، وعانى نيكسون من حالة من الإحباط، ورفض بعد ذلك أن يدخل في مناظرة في الانتخابات الرئاسية في عامي 1968 و1972، حيث أصبح رئيسا للولايات المتحدة من دون مناظرات.

لقطات
لا تخلو المناظرات الانتخابية من المفارقات، فلقد حاول مدير مناظرة الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان والمرشح المنافس له ولتر مونديل خلال حملة الانتخابات الرئاسية عام 1984 أن يحرج ريغان بسؤاله عن قضية العمر وعلاقته بذاكرة ريغان.

وظف ريغان السؤال لصالحه قائلا "أنا لن أستغل مسألة العمر هذه في حملتي الانتخابية، ولن أتدنى إلى مستوى يجعلني أشعر بصغر سن منافسي وقلة خبرته من أجل مكسب سياسي رخيص". فغرق الجمهور في الضحك بمن فيهم منافسه والتر مونديل، فخسر الأخير واكتسح ريغان الانتخابات بأكبر فوز في تاريخ الانتخابات الأميركية، إذ حصل على 525 من أصوات المجمع الانتخابي بينما حصل منافسه على 13 صوتاً فقط.

وفي المناظرة التي جرت عام 1988 بين المرشح الجمهوري ونائب الرئيس جورج بوش، والمرشح الديمقراطي مايكل دوكاكيس، تم سؤال دوكاكيس هل تؤيد عقوبة الإعدام إذا تم اغتصاب سيدة وقتلها؟ وتسبب السؤال في موقف محرج للمرشح الديمقراطي، الذي تعافى للتو من نزلة برد حادة وأدى إلى الإطاحة به في استطلاعات الرأي، بعد أن رد "ما فائدة عقوبة الإعدام؟".

وشهد عام 1992 أول مناظرة يشارك فيها مرشح من حزب ثالث إلى جوار المرشح الديمقراطي بيل كلينتون حاكم أركانسو، وبين المرشح الجمهوري جورج بوش الأب. وقد أجريت ثلاث مناظرات في أسبوع واحد من شهر أكتوبر/تشرين الأول، حيث كان جورج بوش رئيسا يسعى لفترة ثانية، في حين انضم إلى المناظرة الملياردير روس برو المرشح المستقل. وفي هذه الانتخابات كان عامل الخبرة يشكل فارقا كبيرا، وكان المشهد الغالب لبوش الأب، وهو ينظر إلى ساعته كل حين. 

والمناظرات هي جزء من عملية ضخمة لتسويق الرئيس، يتولاها فريق ضخم يعمل لسنوات ويتوج عمله بالمناظرات الثلاث، مدة الواحدة منها ساعة ونصف الساعة، وهي مناظرات استعراضية أمام الجمهور.

وتعطي المناظرتان الأولى والثانية انطباعا بقدرة هذا المرشح أو ذلك على الدفاع عن وجهة نظره والتمسك بآرائه وإقناع الجمهور بها، وتوضيح صفات القيادة لدى المرشح، أما المناظرة الثالثة فهدفها إيضاح قدرة هذا المرشح أو ذلك على عرض آرائه بشكل يجعل منه إنساناً عادياً ومقبولاً من قبل الجمهور.

المصدر : الجزيرة + وكالات