عين زبيدة.. مشروع روى الحجيج أكثر من 1200 عام

عين زبيدة تحولت إلى منطقة أثرية بعد أن شحت المياه فيها واندثرت أغلب قنواتها (الفرنسية-أرشيف)

شبكة تاريخية من قنوات المياه في مكة المكرمة أمرت ببنائها زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد عام 194 للهجرة، وظلت تمدّ الحجيج والمعتمرين بالماء عدة قرون على طريق الحج بين العراق ومكة.

الموقع

تقع عين زبيدة في وادي نعمان على الطريق بين الطائف ومكة، وتمتد معالمها وقنواتها إلى منطقة المشاعر المقدسة (منى وعرفات ومزدلفة).

وهناك فرق بين درب زبيدة وعين زبيدة، فالدرب عبارة عن برك تنتشر في مواضع معينة، وتمتد من بلاد العراق إلى مكة المكرمة، ويتم فيها تجميع مياه الأمطار ليستفيد منها الحجاج والمسافرون، أما العين فهي القناة التي شقت من وادي نعمان شرق مكة إلى منطقة المشاعر.

يتجاوز طول مسارات عين زبيدة التاريخية في محيط المناسك بمكة 30 كلم، وتتضمن العديد من الخزانات، ويبلغ عددها 132 خرزة، تبدأ من وادي نعمان وتتجه صوب مكة المكرمة، عبر عرفات مرورا ببطن وادي عرنة فمنطقة القطانية، ثم السفوح الجنوبية والغربية لجبال المنطقة بين عرفات ومزدلفة، وتنتهي في عدة أماكن بحي العزيزية في مكة.

من المعالم المتبقية من مشروع عين زبيدة (الفرنسية-أرشيف)

التاريخ

كانت الآبار في القديم هي المصدر الرئيسي للماء في مكة وكذا في الطرق المؤدية إليها، وكان الحجاج والمعتمرون وزوار مكة عموما يعتمدون على هذه الآبار في توفير حاجياتهم من الماء.

وفي موسم الحج، كان الحجاج يجدون عنَتا ومشقة في الحصول على الماء من هذه الآبار، فلما علمت بذلك الأميرة زبيدة بنت جعفر المنصور، زوجة الخليفة هارون الرشيد، أثناء حجها عام 186 هجرية، أمرت بأن تحفر على طول طريق الحج من بغداد إلى مكة المكرمة قنوات تعمل على تجميع مياه الأمطار، كما أمرت بحفر آبار وبناء مساجد ومساكن.

وهكذا سمي الجزء الواقع من هذا المشروع الضخم في مكة بعين زبيدة، نسبة إلى زوجة هارون الرشيد التي اشترت أراضي واسعة على طول طريق الحج وأمرت بشق قنوات للمياه في الجبال.

اعتمد هذا المشروع -الذي استغرق بناؤه 10 سنوات- على تصاميم هندسية فريدة لسحب المياه مسافات طويلة وعبر مرتفعات ومنخفضات جبلية وأودية وصحار، حتى وصلت إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، مرورا بمناطق المشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة.

ولا تزال آثار القنوات المائية قائمة في سفوح الجبال، حيث حرص منفذو المشروع على وضع فتحات لقنوات فرعية في المواضع التي يكون من المتوقع تجمع مياه السيول فيها، لتكون هذه القنوات مصدرا من مصادر تجميع المياه عبر القناة الرئيسية.

يصل عمق هذه القنوات في بعض المناطق إلى 40 مترا تحت الأرض، وتعتمد في تجميع المياه على خزانات تحت الأرض تسمى "بازانات".

عين زبيدة في السعودية
جانب من البنايات المتبقية من مشروع عين زبيدة (مواقع التواصل)

إصلاحات وترميمات

خضعت عين زبيدة لإصلاحات وترميمات على مرّ العصور، إلى أن تمّ في عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إنشاء إدارة خاصة لإدارتها، تشرف عليها وعلى الآبار الخاصة بها، وتم فيما بعد نقل اختصاصات عين زبيدة إلى الهيئة العامة للأوقاف بموجب قرار لمجلس الوزراء.

وقد استمرت هذه العين أكثر من 1200 عام، إلى أن شحت المياه فيها واندثرت أغلب قنواتها بسبب التطوّر العمراني في مكة المكرمة، فاستُعيض عنها بمياه البحار الناتجة عن محطات التحلية الضخمة.

وكان بعض سكان مكة أيضا يعتمدون على هذه القناة في سقي المزارع والحقول، حتى تحولت أطرافها إلى مزار سياحي ومتنفس للتنزه والاستجمام، خصوصا في مكة والطائف.

ويبلغ طول القناة 26 كيلومترا، وتشتمل على جزأين: الأول منهما غير ظاهر (تحت سطح الأرض) يبلغ طوله نحو 16 كيلومترا، والآخر ظاهر فوق سطح الأرض يبلغ طوله نحو 9.5 كيلومترات.

وقد زحف التوسع العمراني في مكة على أجزاء كثيرة من مسار قناة عين زبيدة، حتى اختفت في بعض المناطق.

وأمرت زبيدة أيضا بعدد من الأوقاف الإسلامية في مكة المكرمة، من أجل ضمان استمرارية عطائها في سقي الحجاج والمعتمرين بعد وفاتها، وهذه الأوقاف لا تزال موجودة.

وبلغ عدد عقارات أوقاف عين زبيدة 35 عقارا (32 مؤجرة + 3 خالية) في مكة المكرمة، و20 عقارا (3 مؤجرة + 17 خالية) في الطائف، بينما بلغ إيرادها السنوي عام 2016 أكثر من 13 مليون ريال.

المصدر : الفرنسية + مواقع إلكترونية