هل تعالج كردستان أزمة بغداد؟

أربيل منشغلة بمشاورات تشكيل حكومة جديدة للاقليم

أربيل منشغلة بمشاورات تشكيل حكومة جديدة للإقليم (الجزيرة نت)

لقاء مكي-أربيل


ينشغل الجميع في إقليم كردستان العراق بتشكيل حكومة الإقليم الجديدة، لكن الأزمة السياسية المستمرة في بغداد يتردد صداها بقوة في الإقليم، ويؤكد لك قادته أن الكرد أصبحوا منذ أول تشكيلات سياسية في البلاد عقب الغزو الأميركي عنصر توازن دقيق في عملية سياسية يطغى عليها انعدام الثقة والشك بين الشركاء، وتسيطر عليها نوازع الطائفية وأجندات خارجية،  ويشيرون إلى أن العراقيين كانوا يتجهون بأنظارهم إلى أربيل أو السليمانية كلما دخلت البلاد في أزمة بين أطراف الحكم منتظرين من الإقليم حلولا ومبادرات أو مواقف مع هذا الطرف أو ذاك ترجح الكفة أو تحسم الخلاف.

ويمكنك أن تجد انشغالا من الكرد بالأوضاع في بغداد، لكن ذلك لا يشمل الجميع بنفس المقدار، فالناس العاديون لا يعرفون من بقية أنحاء العراق غير الزائرين القادمين بغرض الاصطياف أو العمل والاستثمار أو البحث عن ملاذ آمن، بل إن غالبية أجيال الكرد الشابة لا تعرف أي كلمة عربية، والسياسيون لديهم بدورهم حياة  كاملة في الإقليم تشغلهم عما سواها في بغداد، فهناك حكومة وبرلمان الإقليم، والصراعات التقليدية للأحزاب، ونزوع قوي جدا نحو التحديث والانفتاح على الخارج، ورغبة في التعامل مع انشغالات العراق كما ينبغي، لكن بالنظر أولا إلى مصالح كردستان، ومن غير أن يصيب الإقليم شرر متطاير من بقية الأنحاء.

وحينما تستمع إلى شخصية كردية مميزة مثل عدنان المفتي عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني والرئيس السابق لبرلمان الإقليم تجد اهتماما ملحوظا بالأزمة السياسية الراهنة في العراق، وقدرة جيدة على تحليلها، لكنك ستلحظ مباشرة نزوعا نحو الحياد ومسك العصا من الوسط والحذر الشديد من الانزلاق نحو تأييد أحد الأطراف المتصارعة في بغداد.

عدنان المفتي: لن يكون الكرد طرفا في أي صراع أهلي بالعراق (الجزيرة نت)
عدنان المفتي: لن يكون الكرد طرفا في أي صراع أهلي بالعراق (الجزيرة نت)

أزمة خطيرة
وبرغم أن لإقليم كردستان خلافات اتسعت مؤخرا مع حكومة نوري المالكي في بغداد فإن ذلك لم يجنح بالكرد إلى اتخاذ موقف مباشر مؤيد لخصوم المالكي، بل واصلوا حذرهم الشديد في التعامل مع الأطراف المختلفة، كما أقروا بأن الأزمة الراهنة هي الأخطر في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003.

يقول عدنان المفتي أحد أبرز معاوني الرئيس جلال الطالباني في الاتحاد الوطني الكردستاني، إن مبعث هذه الخطورة يعود إلى سبين، الأول هو انسحاب القوات الأميركية التي كان الجميع يحسب لها حسابا، ويدركون أن هناك خطوطا لا ينبغي تجاوزها في إطار الصراع السياسي، والثاني هو الأحداث الراهنة في المنطقة سواء تطورات الربيع العربي وما بات يصاحبها من بعد طائفي، أو تجليات الصراع الأميركي الإيراني المرشح للتطور والاتساع.

ويضيف المفتي أن العراق يجد نفسه وسط كل هذه الأحداث وامتداداتها، السياسية والطائفية والميدانية، وهو يشير إلى أن اتفاقية أربيل التي رعاها الكرد كانت سببا في عبور أزمة حادة قبل أكثر من عام حيث جرى بالفعل اختيار رؤساء للجمهورية والبرلمان والوزراء، لكن الحكومة في بغداد لم تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاقية فوصلنا اليوم إلى هذه الأزمة.

حكومة ائتلافية
وأبدى المفتي تأييده لمقترح قدمه رئيس قائمة العراقية إياد علاوي مؤخرا ضمن ثلاث خيارات لحل الأزمة، ويتعلق بتشكيل حكومة ائتلافية تقوم على مبدأ الشراكة الحقيقية في اتخاذ القرارات، مشيرا إلى أن مفهوم الشراكة ضروري للعراق، وأن "الديمقراطية فيه ينبغي أن تكون توافقية في هذه المرحلة"، مؤكدا أن التوافق موجود في الدستور لكنه غائب عن الثقافة واللاوعي الذي يحمل عقد الماضي في الممارسة السياسية.

ولم يشر القيادي الكردي إلى موقف الرئيس جلال الطالباني من المقترح الذي قدمه علاوي، لكنه أكد في حديث للجزيرة نت أن  الطالباني يعمل من أجل المصالحة التي تقوم على مبدأ الشراكة والتوافقية، وهو يواصل جهوده لحل الأزمة والتحضير للمؤتمر الوطني مؤكدا أن الطالباني يعمل "كراع لدستور" بحكم منصبه.

وكرر المفتي تصريحات سابقة لرئيس الإقليم مسعود البرزاني، وأكد أن الكرد سيكونون خارج أي صراع أهلي قد ينشب في العراق في حال الفشل في حل الأزمة الحالية، كما أشار إلى أن الكرد مصممون على البقاء بعيدين عن أية تطورات محتملة في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران.

أما عن قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي التي أصبح الكرد طرفا فيها بعد استضافته في كردستان ورفضهم تسليمه لبغداد لخضوعه للمحاكمة حول تهم تتعلق بالإرهاب، فقال المفتي إن هذه القضية أخذت بعدا سياسيا خطيرا، وعلينا الآن أن نفصل بين السياسي والقضائي، مشيرا إلى أن القضية ينبغي أن توضع ضمن إطار الحل الشامل للأزمة في البلاد، من خلال بناء الثقة بين الأطراف، وإيجاد آلية لتنفيذ اتفاقية أربيل، حينها سيمكن للقضاء أن يعمل بلا تشكيك، وذلك لأن الاتهامات خطيرة ولا يجوز غلق القضية دون تدخل القضاء، وأكد أنه في ظل الأجواء الحالية سيكون أي قرار، سواء بتبرئة الهاشمي أو الحكم عليه محاطا بالتشكيك والرفض.

المصدر : الجزيرة