المرزوقي حقوقي بدوي في قصر قرطاج

الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي: الحكومة تجني الثمار المرة لأفعال الدكتاتورية وأفعال الثورة (الجزيرة نت)
المرزوقي رفض أن يدعى فخامة الرئيس وتردد في الأخ الرئيس (الجزيرة نت)
المرزوقي رفض أن يدعى فخامة الرئيس وتردد في الأخ الرئيس (الجزيرة نت)

محمد المختار – قرطاج

كان ترتيب الموعد لإجراء مقابلة مع الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي سهلا ميسرا، كما كانت الإجراءات الأمنية والبروتوكولية عادية ودون الكثير من الترتيبات التي يجريها مسؤولون أقل شأنا في طول العالم وعرضه.

الرجل الأسمر النحيف (المولود في 7 يوليو/تموز 1945) لم تتغير ملامحه، فما إن تراه حتى تظنه قدم توا من عمق الجنوب التونسي.

التحقنا -فريق الجزيرة- بقصر قرطاج قبيل الموعد، فدخلنا في حدائق غناء ذات بهجة، بنى فيها الفرنسيون قصرا على الطراز العربي الأندلسي يطل على البحر ليقيم فيه الأمين العام للحكومة التونسية في عهد البايات وتواصل فيه الحكم في العصر الجمهوري بتونس.

تفاجئك صراحة الرجل المخالفة لقواعد التخفي والتنقب بالبروتوكول حين يقول "أنا بصراحة إلى حد الآن ما زلت لم أكتشف هذا القصر".

كان ذلك ردا على سؤال أخير للجزيرة نت، بعد مقابلة مطولة جزم الرجل فيها بأنه بقي على قناعاته وهي: أن يقوم "كل يوم بالعمل الذي علي أن أقوم به لإعانة الناس وإعانة البشر.. أما الديكور أيا كان فأنا لا أهتم به".

أنا طبيب أعرف أن الصحة هي قدرة الجسم على إعادة التوازنات التي اختلت بعد المرض، بالنسبة لي السياسة وحقوق الإنسان هي إعادة هذه التوازنات التي اختلت بين المناطق، بين الجهات، بين الأمة العربية والأمم الأخرى

عزوف عن الألقاب
رفض أن ندعوه فخامة الرئيس وتردد في الأخ الرئيس متذكرا ألقاب القذافي، واقترح أن يدعى باسمه وإن كان لا بد فتكفي "السيد الرئيس"، إذ إن "صاحب الفخامة هو الشعب فقط، وأنا أكره هذه الألقاب".

يوم دخل القصر كان يلبس ملابس تونسية أصيلة (البرنس) ومن دون ربطة عنق كعادته، في حين كان مودعه فؤاد المبزع في آخر الشياكة الأوروبية، وهي صورة رأى فيها كثير من المراقبين انتقال السلطة بين مفهومين ونمطين متغايرين تماما رغم البساطة.

هنا لا ينفي المرزوقي روح الجنوب المهمش والمعارضة الحدية وتوثب الحقوقيين في نفَس ممارسة السلطة لديه، فـ"أنا لا أستطيع أن أتنكر لا لأصولي البدوية ولا لانتمائي للطبقة الفقيرة ولا لأنني جئت من منطقة مهمشة، وكل هذا سيبقى موجودا في داخلي".

بيد أنه -وهو الرئيس لكل التونسيين بمقتضى العهد والانتخاب والممارسة- لا يهرب من تأكيد ذلك حتى لا يفهم ذلك الكلام في سياق آخر، "أنا لست مدفوعا بأي رغبة ثأر من جهة، أنا أريد رد الاعتبار للمناطق التي جئت منها، أريد رد الاعتبار لتونس ككل وأريد رد الاعتبار للأمة".

يؤكد الرجل الذي قاد الرابطة التونسية لحقوق الإنسان ردحا من الزمن أن تلك قضيته، فـ"في عملية رد الاعتبار ليس هناك أي إرادة ثأر وإنما إرادة تعديل توازنات اختلت".

ولا ينسى الطبيب استدعاء خبراته هنا، "أنا طبيب أعرف أن الصحة هي قدرة الجسم على إعادة التوازنات التي اختلت بعد المرض، بالنسبة لي السياسة وحقوق الإنسان هي إعادة هذه التوازنات التي اختلت بين المناطق، بين الجهات، بين الأمة العربية والأمم الأخرى، هناك انعدام توازن غير مقبول والآن تجب إعادة التوازن".

أنا خريج الثقافة الفرنسية وكتبت بها أربعة كتب، لكن لا تقدم لأي أمة لا تحترم نفسها ولا تقدر لغتها

حنين إلى الكتابة
يأسف المرزوقي لانشغاله عن القراءة والكتابة اللتين كان يعتبرهما حياته، (12 كتابا باللغتين العربية والفرنسية في الطب وحقوق الإنسان والديمقراطية)، فمهام القصر تصادر العواطف، لكنه يعد بالعودة للكتابة وأن يكون موقع الجزيرة نت أول من يكتب له من جديد متى ساعدته الظروف، فهو يعترف ويقدر دور الموقع في إشهار آرائه.

من أشهر كتبه مجلد فلسفي عنوانه "الرحلة-مذكرات آدمي"، افتتحه ببيت المعري:
وهون ما نلقى من البؤس أننا … على سفر أو عابرون على جسر

قلت له هل تعدل البيت اليوم ليكون:
وهون ما نلقى من البؤس أننا … على سفر أو عابرون "إلى قصر"

فضحك قائلا "عشت في السجون والمنافي والبيوت الفقيرة والآن أعيش في هذا القصر، ولم يكن يوما للديكور أهمية في حياتي".

يستذكر آخر ما كتب في الموقع، ويؤكد أنه سيعمل على الانفتاح اللغوي المحافظ على العربية ذخرا وأساسا لثقافة التونسيين بعيدا عن أي روح شوفينية، "فأنا خريج الثقافة الفرنسية وكتبت بها أربعة كتب"، لكن لا تقدم لأي أمة لا تحترم نفسها ولا تقدر لغتها.

المصدر : الجزيرة