الثورات تعدل تفكير إسرائيل الأمني

afp : Israeli soldiers take part in an army drill outside Kibbutz Kfar Azza, near the northern border with the Gaza Strip, on November 24, 2008. Israel allowed some basic supplies into

قوة إسرائيلية في مناورة قرب قطاع غزة في نوفمبر 2008 (الفرنسية-أرشيف)

كشف الكاتب صالح النعامي في دراسة نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ تفجّر ثورات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي قاد النّخب الأمنيّة الإسرائيلية إلى الاتجاه إلى زيادة موازنة الأمن، والتأكيد على ضرورة إحداث تغييرات جوهريّة في بنية جيشها.

ويشير الباحث في دراسته "نفقات الأمن الإسرائيلي في ظل الثورات العربية" إلى أنّ النخب الأمنيّة تعتبر أنّ تفجّر ثورات التحوّل الديمقراطي في العالم العربي، وإسقاطاتها المحتملة، تفرض على الكيان الصّهيوني إعادة صياغة عقيدته الأمنيّة من جديد، والمبادرة لإحداث تغييرات جوهريّة في بنية الجيش وطابع استعداداته، ممّا يستدعي زيادة موازنة الأمن وإعادة صياغة مركباتها لتستجيب للتّهديدات المتوقّعة.

ويستعرض النعامي في الدراسة المسوغات التي يقدّمها قادة جهاز الأمن لتبرير المطالبة بزيادة النفقات، والأوجه المحتملة التي تستوعب الزّيادة، علاوةً على تقييم الخبراء الاقتصاديّين وأرباب المرافق الاقتصاديّة الإسرائيلية لهذه المطالب ولتأثيراتها المتوقّعة على منعة إسرائيل الاقتصادية وحصانتها الاجتماعيّة.

وينطلق في ورقته من المعطيات الإسرائيلية التي تشير إلى الآثار الإيجابية التي نجمت عن توقيع إسرائيل لمعاهدتيْ السلام (كامب ديفد، ووادي عربة) مع مصر والأردن، حيث ساهمت في تحقيق الكيان الصهيوني طفرة اقتصادية هائلة.

اقتصاد بالموارد
ومكّن تراجعُ مستوى التهديدات الأمنيّة على الجبهتين الجنوبية والشّرقية صنّاع القرار من تقليص النّفقات الأمنيّة كثيرا، بحيث وجّهت الموارد المخصّصة للأمن إلى الاستثمار في مجال البنى التحتيّة المدنيّة والتقنيات المتقدّمة، وغيرها من مجالات.

وأدّى هذا الواقع إلى تراجعٍ كبير في حجْم الحصّة التي تشغلها موازنة الأمن في الموازنة العامّة للدولة والناتج المحلّي الإجمالي، كما وجّه جزء من التقليص إلى الصحّة والتعليم والإسكان، أي إنّ "السّلام" والاستقرار ساهما في تمكين صنّاع القرار في تل أبيب، من اتّباع سياسة اقتصادية اجتماعية ضمنت تكريس أسس دولة الرّفاه الاجتماعي، لتكون إسرائيل بيئةً جاذبة للهجرة اليهوديّة.

هناك مخاوف من أن تمثّل التحوّلات النّاجمة عن الثورات تهديداً لكلّ الإنجازات التي حقّقتها إسرائيل بفعل التّسوية

ويضيف النعامي أنّ الثورات العربية أثارت المخاوف -لدى صنّاع القرار وأرباب المرافق- من أن تمثّل التحوّلات النّاجمة عنها تهديداً لكلّ الإنجازات التي حقّقتها إسرائيل بفعل عوائد التّسوية. فقد اعتبرت النّخب الإسرائيليّة أنّ ما حدث تهديد لاتّفاقيّة كامب ديفد التي أتاحتْ للكيان الصّهيوني تقليص نفقات الأمن، ومضاعفة الاستثمار في المجالات المدنيّة التي تبعد شبح الرّكود الاقتصادي.

التجارة الإسرائيلية
وأكد الباحث أنّ ما يقضّ مضاجع النّخبة السياسيّة والاقتصاديّة المخاوف من أن تُسفر الثورات عن فرْضِ قيودٍ على تجارة إسرائيل الخارجيّة، ذلك أنّ 98% منها ينقل عبْر البحار، وثلث الاستيراد والتّصدير الإسرائيليّين يوجَّه نحو الشرق عبر قناة السويس.

ولا يتخوف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فقط من إغلاق القناة أمام السّفن التجاريّة الإسرائيلية، بل يخشى إقدام المصريين على إغلاق مضائق تيران وتهديد الملاحة البحرية عبر ميناء إيلات، ممّا يعني خنْق إسرائيل تماماً.

ويستدرك في فصل من دراسته بالقول إنه رغم الجدل الدّاخلي، لا يوجد إجماعٌ على وجود مسوّغ ملحّ لزيادة موازنة الأمن في أعقاب الثورات العربية، ويستند في ذلك إلى رأي محلّلين يعتبرون أنّ الظروف الموضوعيّة تلزم مصر تحديداً بالحفاظ على معاهدة كامب ديفد، بغضّ النظر عن طابع نظام الحكم القادم وخلفيته الأيديولوجية، استناداً لاعتبارات اقتصاديّة محْضة. وعلى اعتبار أنّ أوضاع مصر الداخليّة ستمنع النظام القادم من وضع مواجهة إسرائيل ضمن أولويّاته.

خزانة مرهقة
ويؤكّد النعامي في الختام أنه على الرغم من تحفّظات أرباب المرافق الاقتصادية وبعض الخبراء على الاتّجاه الرّسمي العام بشأن زيادة موازنة الأمن، ومع أنه من السّابق لأوانه الحكم على مآل الثّورات العربية وتداعياتها على إسرائيل، يمكن القول إنّ حالة الضّبابيّة وانعدام اليقين التي أسفرت عنها الثورات، ستدفع إسرائيل للقيام باحتياطات أمنيّة كبيرة تُرْهق خزانة الكيان الصهيوني.

من هنا، فإنّ إسرائيل ستحاول الاعتماد على المساعدات الأميركية الإضافيّة لتغطية النّفقات العاجلة حتّى لا تتأثّر السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي تضمن مستوى رفاهٍ عالٍ للإسرائيليّين.

ويستخلص أنه إذا تحقّقت التوقّعات السوْداوية بشأن مآل الثورات العربية، وباتت الجبهات الحدوديّة جنوبا وشرقا وشمالا، ساحات مواجهة، فإنّ النّفقات الأمنيّة ستكون كبيرة إلى حدّ لن يُجديَ معه الاكتفاء بالمساعدات الأميركية الإضافيّة. 

المصدر : الجزيرة