معاناة المرأة في جنوبي الصومال

محلات تجارية لبيع المواد الغذائية المحلية 07، والمرأة هي التي تهيمن عليه

محال تجارية لبيع المواد الغذائية المحلية في كيسمايو (الجزيرة نت)

عبد الرحمن سهل يوسف-كيسمايو

تعيش المرأة الصومالية في جنوبي البلاد تحت ضغوط نفسية، واقتصادية واجتماعية قاهرة نتيجة تحملها العبء الأكبر لشؤون الأسرة، مع غياب شبه كامل لدور الرجل في تحسين مستوى المعيشة لعائلته، كما تعاني المرأة الحرمان من أبسط متطلبات الحياة، بسبب الظروف المعيشية القاسية في بيئة تكاد تنعدم فيها سبل العيش الكريم.

السيدة فاطمة عمر واحدة منهن، وهي أم لثمانية أولاد، وتحكي قصة معاناتها للجزيرة نت قائلة "أعمل بكد ومشقة من الصباح إلى المساء بأعمال بسيطة لإنقاذ حياة أولادي من الضياع". وتكسب فاطمة ما يقدر بستين ألف شلن صومالي، وهو ما يعادل دولارين فقط.

وتعرض فاطمة كغيرها من السيدات البائسات، الفقيرات، بضاعتها في الهواء الطلق في سوق الخضراوات بكيسمايو، مشيرة إلى أن ما تكسبه في اليوم لا يكفي الاحتياجات الأساسية لأطفالها، فالأسرة تعتمد كليا عليها، لكونها المصدر الوحيد لهم، إلا أنها لا تستطيع توفير ثمن شراء وجبة كاملة تشمل اللحوم.

وتواصل فاطمة حديثها للجزيرة نت "اللحوم ملغاة في قائمة طعامنا، وكذا اللبن غير الصناعي"، مؤكدة بذلها جهودا كبيرة لإطعام أطفالها الثمانية مرتين في اليوم والليلة.

فاطمة عمر تبيع الخضراوات في الهواء الطلق(الجزيرة نت) 
فاطمة عمر تبيع الخضراوات في الهواء الطلق(الجزيرة نت) 

أما زوجها محمد إبراهيم فهو عاطل عن العمل، وما يكسبه أحيانا من الأعمال الحرة لا يتجاوز سوى دولار واحد.

وتروي فاطمة حكاية عن زوجها وتقول إنه عاجز عن فعل أي شيء لانعدام سبل كسب الأموال، غير أنها تحمد الله على شظف العيش، والحالة البائسة التي تعيش فيها، مؤكدة عدم استسلامها للفقر المدقع الذي يقرع أبوابهم صباح مساء، ومتوقعة بتغير أحوالهم إلى الأحسن بفضل عملها البسيط المستمر من أجل إنقاذ أطفالها، وسلاحها الصبر والعزيمة وعدم اليأس.

أما السيدة حواء علي حسين فقصتها لا تختلف عن قصة فاطمة، فهي أم لثمانية أولاد أيضا، وتقول للجزيرة نت إن أسرتها تعتمد عليها منذ انهيار الحكومة الصومالية 1991.

وتملك حواء محلا تجاريا صغيرا في السوق الشعبي بكيسمايو، لبيع المواد الغذائية المحلية، غير أن الدخل الذي لا يتجاوز ثلاثة دولارات، لا يستجيب لأدنى متطلبات الحياة البسيطة، حالها كحال السيدة فاطمة، حيث تكافح طول اليوم لكسب قوت عيالها، وتقول حواء "ويعيش في بيتي أيضا أقرباء لي، وعددهم تسعة".

وتضطر حواء علي غالبا إلى أخذ الدين من الأغنياء لشراء الأدوية، وتسديد الرسوم الدراسية للأولاد، مشيرة إلى أن كابوس ضنك العيش لا ينفك يلاحقها في كل حين.

أما عدرة إبراهيم خليف فهي أم لتسعة أطفال، وهي أرملة قد مات زوجها، وتعمل في بيع الأقمشة متنقلة مشيا على الأقدام، وتلك عملية شاقة بالنسبة للمرأة، إلا أنها مضطرة للخروج من البيت، للبحث عن لقمة العيش لأطفالها الذين يتضورون جوعا وفق تعبيرها.

وتقول عدرة للجزيرة نت "أنا مجبورة على ممارسة هذه المهنة لكسب شيء من النقود، لشراء الطعام للأطفال"، مؤكدة عجزها عن تحمل تكاليف الدراسة، والأدوية لأطفالها، وتشتكي عدرة من قسوة الحياة بغلاء أسعار المواد الغذائية، وتكاليف الأدوية المرتفعة، ورسوم التعليم.

وما يجمع هؤلاء النسوة -عدا الضائقة المعيشية- مشكلة تربية أولادهن نتيجة غيابهن عن البيوت بالنهار بسبب ظروف عملهن، هذا الإهمال غير المقصود لتربية الأولاد يشكل خطورة حقيقية لمستقبل الأطفال وفق رواياتهن.

تستدين حواء لشراء الأدوية وتسديد الرسوم الدراسية للأولاد (الجزيرة نت)
تستدين حواء لشراء الأدوية وتسديد الرسوم الدراسية للأولاد (الجزيرة نت)

ومما يضاعف معاناتهن غياب جهات رسمية أو أهلية تتشارك معهن المعاناة، وتخفف عنهن بتقديم مساعدات غذائية، أو صحية، أو تعليمية إلى الأسر الفقيرة المعتمدة على المرأة.

أما الحديث عن تعليم المرأة في جنوبي الصومال، فهو ضرب من الخيال، إذ تشكل الأمية فيهن أكثر من 90% وفق ما قاله الأستاذ عبد الشكور محمد المتابع لشؤون التعليم الأهلي في جنوبي الصومال.

الطبقة السفلى
وتشكل نسبة المرأة العاملة في سوق كيسمايو حوالي 80% وفق رواية التاجرة حواء محمد سياد، غير أن أغلبهن يعملن في الطبقة السفلى، كبيع القهوة، والشاي، والمشروبات المحلية، والأغذية التقليدية، ومحال تجارية صغيرة كثيرة.

إذاً هو صراع بين وسائل ضعيفة تحاول المرأة المحرومة كسب قليل من المال، وأخرى طبيعية، وبشرية كالفقر والجوع والحرمان والمرض والجهل والاضطرابات الأمنية.

ومن الواضح جليا هيمنة الأسباب الأخيرة على المشهد الصومالي برمته، مما يهدد مستقبل وحياة الأسر الفقيرة التي تعتمد على الجنس اللطيف في بيئة لا مكان فيها إلا للأقوياء والأغنياء.

المصدر : الجزيرة