صحراء النقب.. موطن المشاريع العسكرية والأمنية الإستراتيجية لإسرائيل

تقع في الجزء الجنوبي من فلسطين المحتلة، وتشكل ما يقرب من نصف مساحتها التاريخية، وتمثل أهمية بالغة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، إذ تغطي نحو 60% من مساحتها، وتوفر بذلك فضاء واسعا لتوطين المهاجرين اليهود، وإقامة مشاريع اقتصادية تنموية واسعة، يتيحها غنى النقب بالثروات المعدنية وامتلاكها إمكانات زراعية.

أقام الاحتلال في صحراء النقب أهم مشاريعه الإستراتيجية، وعلى رأسها مفاعل "ديمونا" النووي وقواعد عسكرية وأمنية وقواعد جوية ومراكز التدريب والكليات العسكرية وسجون ومحطات تجسس هي الأضخم في الشرق الأوسط.

تم حصر 60% من البدو (السكان الأصليون للنقب) في 7 بلدات و11 قرية، تفتقر للبنى التحتية والخدمات الأساسية، ويعاني سكانها من تدمير الثقافة التقليدية الخاصة بهم، وارتفاع معدل الفقر والبطالة، بينما ينتشر 40% منهم في 35 قرية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها، وتحرم سكانها تبعا لذلك من حقوقهم الأساسية كالمياه والكهرباء والنقل والصحة والتعليم، ويواجهون تهديدا مستمرا بالإخلاء أو التهجير القسري وعمليات الهدم.

الموقع والمساحة

تقع صحراء النقب في الجزء الجنوبي من فلسطين المحتلة، ويحدها وادي عربة من الشرق، وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة من الغرب، وجبال الخليل وبرية الخليل من الشمال.

ويتخذ النقب شكل مثلث مقلوب، رأسه إلى الجنوب عند خليج العقبة، وقاعدته في الشمال، تمتد من عسقلان غربا حتى البحر الميت شرقا. ويمتد شرقا من الجزء الجنوبي للبحر الميت حتى خليج العقبة، وغربا من غزة حتى طابا.

وتقدر مساحتها بأكثر من 12.5 ألف كيلومتر مربع، بحيث تشكّل ما يقارب نصف مساحة فلسطين التاريخية (27 ألف كيلو متر مربع)، وحوالي 60% من مساحة دولة الاحتلال الإسرائيلي. وتبلغ أطول مسافة في النقب نحو 190 كيلومترا، وأعرضها نحو 80 كيلومترا.

صورة لعمال فلسطينيين مع آثار تم اكتشافها في النقب (الفرنسية)

التضاريس

تعد منطقة النقب امتدادا لصحراء سيناء، وتتكون من مظاهر طبيعية متباينة، وتشمل هذه المظاهر التضاريس التالية:

  • مرتفعات شمال خليج العقبة (النقب الجنوبي): تقع جنوب النقب، وتعرف أيضا باسم "مرتفعات أم الرشراش"، ويصل ارتفاع سطحها إلى 700 متر، وتتميز بوجود الصخور النارية والمتحولة التي تعود إلى ما قبل الزمن الجيولوجي الأول، وتكاد تخلو من التربة والغطاء النباتي.
  • سهول وسط النقب: تكوَّنت عن طريق التعرية النهرية في العصور المطيرة، ويبلغ ارتفاعها بين 300 إلى 600 متر فوق مستوى سـطح البحر، وتنتشر فيها الصخور الجيرية والرملية، وتتواجد فيها بعض قمم الجبال مثل قمة عبده وسيتاف، وهي منطقة تفتقر للنباتات.
  • مرتفعات وسط النقب: تقع شمال سهول وسط النقب، وتعود في نشأتها إلى الزمن الجيولوجي الثالث، ويتراوح ارتفاع سطحها بين 500 و1000 متر فوق مستوى سطح البحر، ومن جبالها: الجرافي وحرشه ولوزة والخروف والدبة. وهي منطقة صخرية جرداء، تتعدد فيها الالتواءات المحدبة والمقعرة، مثل محدب الحظيرة والحثيرة والكرنب وغادول وقطفان، ومقعر حوض بئر السبع.
  • حوض السبع: مقعر يتبع مرتفعات النقب، ويقع أقصى شمالها، هو حوض يضيق في الشرق ويتسع في الغرب والشمال الغربي، ويتراوح ارتفاع سطحه بين 150 و450 مترا فوق سطح البحر. وتغطي أرضيته رسوبيات رملية.
  • وادي العربة: وهو جزء من الصدع الأفريقي، ويمتد من خليج العقبة إلى البحر الميت بطول يقارب 179 كيلو مترا، ويستمر مستوى سطحه بالانخفاض تدريجيا كلما اتجهنا شمالا، إذ يبلغ في منطقة إيلات نحو 230 مترا فوق سطح البحر، بينما ينخفض في البحر الميت إلى 210 أمتار تحت مستوى سطح البحر. ويحتفظ وادي عربة بغطاء من الطمي (الرمال والحصى وغيرها) الذي يحجب أساساته الصخرية.
أقام الاحتلال في صحراء النقب أهم مشاريعه الإستراتيجية، وعلى رأسها مفاعل "ديمونا" النووي (الفرنسية)

المناخ

تقع منطقة النقب ضمن الحزام الصحراوي، ويعتبر مناخها من النوع "القاري"، وله خاصيتان بارزتان: الاختلافات الحادة في درجات الحرارة بين النهار والليل، والصيف والشتاء، والجفاف جرّاء سقوط كميات محدودة للغاية من الأمطار.

ويزيد المتوسط العام لدرجة الحرارة فيها عـن 20 درجة مئوية، وتختلف معدلات هطول الأمطار، ويبلغ المتوسط العام لها أقل من 200 ملم في السنة، وتتناقص كلما اتجهنا من الحافة الشمالية الغربية للمنطقة نحو وادي عربة ومنطقة إيلات جنوبا، فتصل في الشمال إلى 300 ملم تقريبا، بينما تتناقص لتبلغ بين 50 و200 ملم في الوسط والجنوب.

السكان

يعد البدو الفلسطينيون سكان النقب الأصليين، لكن مع قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، تم تهجير معظمهم، ولم يتبق من حوالي ما يزيد عن 92 ألفا سوى 11 ألف بدوي، فرضت عليهم سلطات الاحتلال ظروفا قاسية، واستولت على أراضيهم.

يبلغ عدد سكان النقب 770 ألف نسمة، يشكل البدو منهم 36٪، بواقع 300 ألف نسمة، ويعيش 50% منهم في مدينة رهط و6 بلدات حضرية، و10% في 11 قرية معترف بها، موزعة على مجلسين إقليميين. بينما ينتشر 40% منهم في 35 قرية غير معترف بها. (المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب).

ويشغل البدو 3.5% فقط من مساحة النقب الكلية، لذلك ترتفع الكثافة السكانية في تلك المناطق أكثر مما هي عليه في مثيلاتها بمناطق الإسرائيليين، إذ تبلغ الكثافة السكانية في المناطق العربية 371.5 نسمة لكل كيلومتر مربع، بينما في مناطق الاحتلال تبلغ 21.4 نسمة لكل كيلو متر مربع.

An Israeli soldier stands next to concrete barriers near Israel's border fence with Egypt's Sinai peninsula, in Israel's Negev Desert
جندي إسرائيلي يقف بجوار حواجز خرسانية بالقرب من السياج الحدودي الإسرائيلي مع شبه جزيرة سيناء المصرية في صحراء النقب (رويترز)

الاقتصاد

تشكل المعادن الأساس الرئيسي لمشاريع التنمية الصناعية في النقب، والتي تتركز أهمها في مدينة بئر السبع ومدينة ديمونا ومدينة عراد.

وصحراء النقب غنية بالعديد من الثروات المعدنية، أهمها اليورانيوم والفوسفات، والغاز الطبيعي، وكذلك تتوفر أراضي النقب على البوتاس والبروم والمغنيسيوم التي تستخرج في سدوم، في الطرف الجنوبي للبحر الميت، ويتم استخراج النحاس في تمناع، كما توجد رواسب كبيرة من المعادن الطينية والرمل الزجاجي لصناعة السيراميك والزجاج.

بالرغم من كون منطقة النقب من المناطق الجافة، إلا أنها تمتلك إمكانيات زراعية إذا توفرت مياه الري، لكن قامت إسرائيل بنقل المياه إليها من مناطق الشمال، من خلال عدد من المشاريع، ويتم نقل المياه بشكل رئيسي من بحيرة طبرية عبر عدد من الأنابيب إلى وسـط النقب، الأمر الذي أكسب المنطقة أهمية اقتصادية كبيرة.

تنتج النقب محاصيل جيدة من الحبوب والفواكه والخضروات والقطن، ومحاصيل الأعلاف، وبنجر السكر والزهور. وتشتهر المنطقة كذلك بالسياحة، إذ تحتوي على العديد من العجائب الطبيعية وطرق المشي والمعالم السياحية.

التاريخ

وكانت قبائل الكنعانيين والعمالقة والأدوميين أول من استقر في صحراء النقب، ثم انتقلوا من نمط الحياة البدوي إلى نمط الحياة المستقر.

كما أظهرت الحفريات وجود آثار بشرية في المنطقة منذ العصر الحجري المتأخر (حوالي 7000 قبل الميلاد)، كما عُثر على أدوات من العصر النحاسي والبرونزي (حوالي 4000-1400 قبل الميلاد) على هضبة النقب الوسطى.

اكتشاف "عقار ريفي فاخر"، يعود للفترة الإسلامية المبكرة في منطقة النقب (وكالة الأناضول)

ويمكن إرجاع الحياة في صحراء النقب إلى القبائل البدوية التي مرت في المنطقة منذ أكثر من 4000 عام.

تأثرت المستوطنات المبكرة بشكل كبير بمصر، التي كانت أول من أدخل التعدين والصهر إلى المنطقة، وازدهرت صناعة التعدين في صحراء النقب لتصبح قوة اقتصادية كبرى بالتزامن مع صعود الإمبراطورية الآشورية في الأردن.

وأصبحت النقب تمثل طريق عبور رئيسيا للتجار وغيرهم من الباحثين عن مكاسب اقتصادية، وكانت المراكز الحضرية فيها مدعومة بأنظمة الري والحفاظ على أمطار الشتاء، التي تم اقتباسها من الأنباط، الأمر الذي جعل النقب أيضا منطقة زراعية مزدهرة.

مارس الأنباط في تلك الحقبة سيطرة سياسية على النقب، وكانت لهم مكانة بارزة في التجارة الدولية، واستغلوا طرق التجارة التي تمر بالمنطقة لنقل التوابل بين مدينة البتراء وغزة، وازدهرت مع حكمهم المستوطنات على الطريق التجاري الذي عُرف باسم "طريق البخور"، واشتهرت مدن النقب مثل عبدة وممشيت والخلصة آنذاك بمراكزها التجارية المهمة.

وفي عام 106 ميلادي وقعت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وشهدت تراجعا في أهميتها، ولكن على الرغم من ذلك بقيت مصدرا مهما للحبوب في ذلك العصر، وفي منتصف القرن الثالث الميلادي عادت للانتعاش من جديد، إبان العهد البيزنطي، وفي القرن السابع دخلها الفتح الإسلامي، وازداد التطور الزراعي، الذي أدى إلى استقرار القبائل شبه البدوية المتبقية في المنطقة.

معبر ترقوميا الفاصل ما بين بلدة الخليل وضواحيها ومنقطة النقب بالداخل الفلسطيني، غذ يتم عبر المعبر الذي يسيطر عليه الجيش الإسرائيلي تبادل البضائع والتنقل التجاري والمدني للفلسطينيين، التقطت الصورة شهر يوليو – تموز 2013.
معبر ترقوميا الفاصل ما بين بلدة الخليل وضواحيها ومنقطة النقب بالداخل الفلسطيني. (الجزيرة)

شهدت النقب أكثر عصورها ازدهارا خلال العهدين البيزنطي والأموي، إذ تطورت المدن التجارية وانتشرت المستوطنات الزراعية على مساحات واسعة في المنطقة.

في عام 1900 أقام العثمانيون أول مدينة في النقب، وهي مدينة بئر السبع، إذ اشترت السلطات العثمانية حوالي 2000 دونم من عشيرة العزازمة، وبنت عليها المدينة في محاولة لدفع العائلات نحو الاستقرار.

وتأسس مركز إداري لجنوب فلسطين في بئر السبع وتم بناء المدارس وإنشاء محطة السكك الحديدية، واعترفت الدولة بسلطة زعماء القبائل على المنطقة، وقدرت الأراضي المزروعة عام 1920 بنحو 3.750.000 دونمات.

بدو النقب

البدو هم عرب فلسطينيون، واستُخدم مصطلح "البدو" للإشارة إلى أسلوب حياتهم البدوي، وقد عرفوا تاريخيا بتربية الحيوانات والرعي والزراعة.

كان عدد سكان النقب من البدو عام 1947 أكثر من 92 ألف بدوي، وكانوا يمتلكون الأراضي بموجب نظام "تقليدي" متفق عليه وواضح، يتعلق بحقوق ملكية الأراضي الفردية والجماعية. (مؤشرات المجموعة الدولية لحقوق الأقليات).

وكان معظم الأراضي في النقب قد امتلكها البدو بالوراثة، من دون أي مستند خطي، وفي عام 1858 سن الأتراك قانونا يقضي بتسجيل الأراضي رسميا بأسماء أصحابها، ولكن بدو النقب لم يسجلوا أراضيهم، بسبب عدم الرغبة في أن يكونوا رعايا لدولة أجنبية، وما يترتب عليه من دفع الضرائب والخدمة في الجيش.

وفي عام 1921 أصدرت حكومة الانتداب البريطاني أمرا يدعو سكّان النقب لتسجيل أراضيهم، غير أنهم لم يستجيبوا، وبقيت غير مسجلة.

ومع إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، هُجر معظم البدو من أراضيهم، وانتقلوا للعيش في الأردن وسوريا والضفة الغربية وغزة، ونتيجة لذلك؛ تقلص عددهم في النقب، ولم يبق منهم سوى 11 ألف نسمة، وهو ما يمثل 19 قبيلة فقط من أصل 95 قبيلة كانت تعيش في المنطقة. (مؤشرات المجموعة الدولية لحقوق الأقليات).

وتمت معاملة البدو الباقيين بقسوة، واستولت حكومة الاحتلال على أراضيهم، وأجبرتهم على العيش في منطقة صغيرة في النقب، كانت بعض العائلات البدوية تعيش فيها بالفعل، وتُعرف باسم "السياج"، وتبلغ حوالي 1.5 مليون دونم، مقارنة بمساحة 13 مليون دونم كان يعيش فيها البدو في الأصل.

صودرت معظم أراضي البدو بموجب قانون امتلاك الأراضي للعام 1953، والذي نص على أنّ أي أراض لم تكن بملكية أصحابها في أبريل/نيسان 1952 يمكن تسجيلها تحت بند أملاك الدولة.

وفي عام 1965 وضعت السلطات الإسرائيلية مخططا لتطوير النقب، وضمت معظم أراضي البدو واعتبرتها أملاكا للدولة، واعتبرت المنازل أو المباني الأخرى المبنية على هذه الأراضي غير قانونية، كما نص القانون على عدم جواز ربط المباني غير المرخصة بمرافق مثل الماء والكهرباء.

وخلال ستينيات القرن العشرين، قررت الحكومة توطين البدو، وبنت بلدات مخططة في النقب، وكانت "تل السبع" أول مدينة تأسست، وذلك عام 1969، ثم تلتها مدينة "رهط" عام 1972، وبعد 10 سنوات تم بناء "كسيف" و"عرعرة"، وحتى عام 1990 بنيت ثلاث بلدات أخرى: "شقيب السلام" و"حورة" و"لقية".

تعد هذه البلدات السبع الأفقر في إسرائيل، وتفتقر للبنية التحتيّة من صحة وطرق وتعليم وكهرباء وماء وغيرها، وعلى الرغم من ذلك قامت سلطات الاحتلال بمحاصرة نحو 50% من بدو النقب فيها.

ويعيش حوالي 100 ألف نسمة من بدو النقب في 35 قرية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها (المجموعة الدولية لحقوق الأقليات/ 2018)، ونتيجة لذلك، تحرم سكانها من حقوقهم الأساسية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي والخدمات الصحية والتعليم والنقل. كما يعمد الاحتلال إلى رشّ الحقول الزراعية لإتلاف المحاصيل واقتلاع الأشجار ومصادرة المواشي.

ويعاني البدو بفعل الظروف القاسية المفروضة عليهم زيادة في مستويات الفقر وارتفاعا في مستوى البطالة، كما يتم محو وطمس الثقافة التقليدية الخاصة بهم، ويواجهون تهديدا مستمرا بالإخلاء أو التهجير القسري من قبل سلطات الاحتلال. وعلى مر السنين تم تهجير عشرات الآلاف منهم وتم الاستيلاء على أراضيهم.

كما يتعرضون لعمليات هدم متكررة لمنازلهم، وقد بلغ عدد المنازل التي هدمت بين العامين 2015 و2020 نحو 10 آلاف مبنى في البلدات العربية بالنقب. (المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها في النقب).

تدعم الحكومة الإسرائيلية توسيع المستوطنات في أراضي البدو في النقب، ولا يواجه المستوطنون أي قيود بشأن كيفية وأماكن عيشهم، وتمتنع السلطات الإسرائيلية عن تطوير وتوسيع مسطحات بناء 11 قرية اعترفت بها منذ أكثر من 16 عاما، تفتقر للبنية التحتية والخدمات الأساسية، ويواجه سكان منطقة "السياج" خطر التهجير والتشريد، عبر تكثيف مشاريع البنى التحتية الإسرائيلية.

التجمعات السكنية العربية بالنقب رهينة للمخاطر البيئية والصحية التي يشكلها المفاعل النووي ديمونا، قرى عربية غير معترف بها بالنقب يقطنها قرابة مائة ألف عربي أقيم المفاعل ومجمعات النفايات النووية ومناجم الفوسفات الملوثة والمتسبب بالإشعاعات بتخومها.
التجمعات السكنية العربية بالنقب رهينة للمخاطر البيئية والصحية التي يشكلها المفاعل النووي ديمونا (الجزيرة)

قبائل بدو النقب

يتألف بدو النقب من أربع قبائل عربية كبيرة، ذات بطون وعشائر كثيرة العدد، كانت تمتلك صحراء النقب وقضاء بئر السبع كاملا، وهذه القبائل هي:

  • قبيلة الجبارات: كانت تمتلك جميع الأراضي الواقعة في الشمال الشرقي من مدينة بئر السبع، وتمتد أراضيها إلى الفالوجة وبرير. وتتألف الجبارات من 14 عشيرة، بلغ عدد أفرادها في صيف 1946 نحو 528 نسمة، وبعد 1948 لم يبق في فلسطين المحتلة أيّ من هذه العشائر، بل هاجر معظمها إلى الأردن، وقليل منها إلى قطاع غزة.
  • قبيلة العزازمة: تمتد أراضيها من مدينة بئر السبع حتى وادي عربة شرقا وصحراء سيناء غربا، وتتألف من 11 عشيرة، بلغ عدد أفرادها وفقا لتعداد 1946 نحو 370 نسمة.
  • قبيلة التياهة: تنتشر في الشمال الشرقي والشرق من بئر السبع، وتمتد أراضيها في الجزء الجنوبي من برية الخليل بين جبال الخليل والبحر الميت. وتتفرع هذه القبيلة إلى 22 عشيرة، بلغ عدد أفرادها عام 1946 نحو 153 نسمة. وقد هاجر معظم أفراد هذه العشائر إلى الأردن عام 1948، وهاجر قليل منها إلى قطاع غزة، وبقي قسم منها في النقب.
  • قبيلة الترابين: تنتشر ما بين بئر السبع شرقا حتى الحدود المصرية غربا، ويوجد قسم مستقر منها في النقب الغربي المطل على البحر المتوسط في جنوب شرقي غزة وحول خان يونس. وتتألف هذه القبيلة من 24 عشيرة، بلغ عدد أفرادها عام 1946 نحو 381 نسمة.
صورة 8 السلطات الإسرائيلية صادرة مئات آلاف الدونمات بالنقب بموجب قانون "الغائب الحاضر".
 السلطات الإسرائيلية صادرة مئات آلاف الدونمات بالنقب بموجب قانون "الغائب الحاضر" (الجزيرة)

أهم المدن

تضم منطقة النقب العديد من المدن المهمة، منها ما يحمل تاريخا ضاربا في القدم، ومنها المدن الحديثة التي أسسها الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المسلوبة، لتستوعب أعداد المهاجرين الإسرائيليين القادمين من جميع أصقاع الأرض، وتم تأسيس مدن صناعية ومستوطنات حضرية بمثابة مراكز إقليمية للمناطق الزراعية. ومن أهم مدن النقب:

مدينة بئر السبع

تقع على بعد 71 كيلومترا جنوب غرب مدينة القدس المحتلة، وتُعدّ أكبر مدينة في صحراء النقب، وأحد أقدم وأهم المدن الفلسطينية، وغالبا ما يُشار إليها باسم "عاصمة النقب"، كونها من المدن الأكثر اكتظاظا بالسكان. وتعتبر مركزا للتجارة والتواصل بين تجار القدس والخليل وغزة والمجدل والقبائل البدوية، وتنشط فيها الزراعة وتضم العديد من المراكز الصناعية.

وكان سكان بئر السبع قبل النكبة مجموعة من القبائل البدوية، وبعد عام 1948 استولت إسرائيل على المدينة وبنت بؤرا استيطانية حولها، وهدمت معظم بيوت سكانها العرب، وتم تهجير معظم سكانها الأصليين، وتوطين المهاجرين اليهود بدلا منهم.

مدينة ديمونا

تقع على بعد 35 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من بئر السبع، تأسست عام 1955 بهدف توطين المهاجرين الإسرائيليين، ومعظمهم من اليهود الشرقيين القادمين من شمالي أفريقيا، وتم تشغيلهم في مصانع الفوسفات والأملاح في البحر الميت وشمال النقب. وأُقيم إلى جانب المدينة المفاعل النووي الإسرائيلي في أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات، ويحمل اسم المدينة. مدينة إيلات: ميناء قديم ومنتجع سياحي يقع في الطرف الجنوبي من النقب على رأس خليج العقبة.

علامة طريق متجهة نحو مدينة ديمونا، بالقرب من محطة الطاقة النووية في صحراء النقب (الفرنسية)

وقد تأسست المدينة عام 1950 على أراضي المدينة العربية "أم رشراش"، وخلال الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين تم استقطاب مئات العائلات اليهودية للعيش فيها، وقليل من العائلات العربية.

تقع المدينة على الطريق الموصلة للجزيرة العربية، والمعروفة بـ(درب الحج) نسبة لقوافل الحجاج من فلسطين ومن مصر باتجاه الحجاز. كما تتمتع بأهمية إستراتيجية، إذ استُخدمت على مر العصور قاعدة عسكرية مهمة.

ويعتمد سكان إيلات على الأعمال المتعلقة بالميناء، والخدمات المرتبطة بالمنشآت السياحية والاستجمامية التي أُقيمت فيها، مثل: الفنادق والمسابح ومعارض الأسماك والمرجان والميناء السياحي.

مدينة رهط

تقع في النقب الشمالي، وتتبع لقضاء بئر السبع، وتفصل صحراء النقب عن سائر المناطق في فلسطين، تأسست سنة 1972، وكانت المنطقة قبل الاحتلال مملوكة لقبيلة التياها (الهزيل) ويُطلق عليها "الهزيل".

وتعتبر أكبر مركز للبدو في صحراء النقب، وتغلب على أهلها التقاليد والعادات العشائرية. وتضم منطقة صناعية، بالإضافة إلى سوق كبير يقع في مركز المدينة ويعمل به الكثير من الباعة الفلسطينيين.

مدينة تل عراد

تقع شرق بئر السبع، وقد تأسست كبلدة عام 1962 على أراضي قرية "تل عراد" الفلسطينية وأراض مجاورة لها. وزاد عدد سكانها بعد هجرة اليهود في التسعينيات من القرن العشرين، وأصبح يسكنها طيف واسع من المجتمع الإسرائيلي: الأشكناز والسفارديم والعلمانيون والمتدينون والعبرانيون السود والإسرائيليون المولودون في البلاد والمهاجرون الجدد، بالإضافة إلى السكان العرب الأصليين الذين بقوا بعد حرب 1948.

الاستيطان الإسرائيلي

في نهاية الثلاثينيات قام الصندوق القومي اليهودي بتوسيع الممتلكات المتفرقة في النقب، والتي كان قد حصل عليها أفراد من اليهود مسبقا، وهكذا تم إنشاء ثلاثة كيبوتسات (مستوطنات جماعية) عام 1943، وهي: جيفولوت وبيت إيشيل ورفيفيم.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تم إنشاء 11 مستوطنة أخرى، وذلك مع حلول عام 1946، و4 مستوطنات عام 1947، وتم تزويد جميع البؤر الاستيطانية بالمياه، عبر خطي أنابيب، لجلب الماء من السهل الساحلي الجنوبي.

وبعد قيام دولة الاحتلال عام 1948، تم إدراك أهمية تنمية هذا الجزء الكبير من البلاد، ووفق خطة المياه الوطنية، بدأت خطوط الأنابيب والقنوات بنقل المياه من شمال ووسط إسرائيل إلى مناطق النقب. وفي اتفاقيات الهدنة مع مصر والأردن عام 1949، تمت الموافقة على سيطرة إسرائيل على كامل النقب، باستثناء قطاع غزة.

وخلال التسعينيات من القرن العشرين استوعبت المنطقة عددا كبيرا من المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق، وهي عملية أدت بشكل رئيسي إلى زيادة المستوطنات الحضرية في النقب، وزاد الاهتمام بالمنطقة على مدى السنوات اللاحقة، وتم إنشاء العديد من المستوطنات والمناطق الحضرية وتطوير البنى التحتية لها، وشجعت الدولة اليهود على الاستقرار فيها.

وفي عام 2005 أقرت الحكومة الإسرائيلية ما يسمى بـ"الخطة القومية الإستراتيجية لتطوير النقب"، التي تتلخص في زيادة عدد اليهود بحيث يصلون عام 2015 إلى قرابة مليون نسمة، على ألا يزيد عدد العرب على 200 ألف نسمة، وخصصت 17 مليار شيكل لتطبيق الخطة (أكثر من 4 مليارات دولار).

blogs سجن النقب
سجن النقب (مواقع التواصل الاجتماعي)

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2010 رصدت الحكومة الإسرائيلية ميزانية قيمتها 25 مليون دولار للشروع في تنفيذ مخطط "طريق النبيذ"، الذي يقضي بإقامة مزارع فردية لليهود على حساب الأراضي العربية بالنقب، وينص المخطط على إقامة 100 مزرعة جديدة، إضافة إلى 41 مزرعة فردية أقامها اليهود بشكل غير قانوني، وتخصيص مساحة مقدارها 80 دونما مجانا لكل عائلة يهودية توافق على الاستيطان.

وفي عام 2013 أقرت سلطات الاحتلال قانون "بيغن – برافر" ضمن مخطط لعسكرة صحراء النقب وتهويدها بالاستيطان والقضاء على الوجود الفلسطيني، ويقضي القانون بوضع اليد ومصادرة 850 ألف دونم من أراضي البدو الفلسطينيين، وهدم 35 قرية لا تعترف بها إسرائيل، وتهجير نحو 100 ألف من سكانها.

أقام الاحتلال في النقب أهم مشاريعه الإستراتيجية، وعلى رأسها مفاعل "ديمونا" النووي وقواعد عسكرية وأمنية وقواعد جوية ومراكز التدريب والكليات العسكرية لجيش الاحتلال وسجون ومحطات تجسس هي الأضخم في الشرق الأوسط.

مستوطنات النقب

تقوم سلطات الاحتلال بتشجيع الشباب والنخب الأمنية والعسكرية للقدوم للنقب وتمنحهم مسطحات الأراضي المجانية للمزارع الفردية، إضافة إلى التحفيزات والامتيازات والتسهيلات المالية والضريبية.

منظر عام لقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، حيث تخطط السلطات الإسرائيلية لهدم 35 قرية وتهجير سكاناه البلغ تعدادهم 150 ألف نسمة
منظر عام لقرى مسلوبة الاعتراف في النقب، حيث تخطط السلطات الإسرائيلية لهدم 35 قرية وتهجير سكاناه البلغ تعدادهم 150 ألف نسمة (الجزيرة)

وقد تم بناء العديد من المستوطنات في النقب، ضمت أكثر من 70 مستوطنة، يمكن تقسيمها على ثلاث مجموعات:

  • مستوطنات شمال غرب النقب: وتمثل الجزء الأكبر من مستوطنات النقب، ومعظمها من الموشاف، ونُظمت ضمن مشاريع إقليمية (مناطق بني شمعون، مرحافيم، أشكول).
  • المستوطنات الأمنية: وتقع على طول حدود قطاع غزة، وأغلبها كيبوتسات.
  • المستوطنات الاستيطانية: ويقع معظمها في وادي عربة، وهي من نوع الكيبوتسات والموشاف، وتجمع بين مهمة الدفاع عن الحدود وأساليب جديدة في الزراعة الصحراوية والواحات.

أبرز المعالم

تشكل صحراء النقب منظرا طبيعيا لافتا، وتشتمل على العديد من المناطق المميزة ذات الجذب السياحي والمواقع الأثرية المهمة عالميا، وأبرزها:

مدن صحراء النقب على طريق البخور

وهي عبارة عن أربع مدن ازدهرت في عهد الأنباط: عبدة والخلصة وممشيت وشبطا، وكانت هذه المدن تقع على طريق عبور تجارة البَخور والتوابل، التي ازدهرت من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الثاني الميلادي، بين جنوب شبه الجزيرة العربية ومنطقة المتوسط.

تضم المدن سلسلة من الحصون والمناظر الزراعية المتنوعة، وتظهر فيها آثار أنظمة الري المتطورة وأبنية المدن والحصون وخانات القوافل، التي تشهد على أسلوب استيطان الصحراء لصالح التجارة والزراعة. وقد أدرجت المدن على لائحة اليونسكو للتراث العالمي عام 2005.

أطلال مدينة بئر السبع

وهي عبارة عن منطقة كانت مأهولة قديما، تعود إلى حقبة ما قبل التاريخ، وتضم آثارا هامة لمدن ذات مرجع توراتي. وقد أدرجت على لائحة اليونسكو للتراث العالمي عام 2005. منتزه تمناع الوطني: يقع في صحراء النقب شمال مدينة إيلات، وهو واد تحيط به المنحدرات الحمراء والأرجوانية والبنية، ويشتهر بمناظره الطبيعية المتعرجة التي حفرتها الرياح والمياه على مدى آلاف السنين، وهو واحد من أكبر مناطق الجذب في النقب، يأتيه السياح للاستمتاع بالتكوينات الصخرية التي تشبه الفطر العملاق والأعمدة الأنيقة والأقواس الدقيقة في بيئة صحراوية رائعة.

وقد كانت الحديقة أحد أقدم مراكز إنتاج النحاس في العالم، وتكشف الكهوف والأعمدة الموجودة في جميع أنحاء المتنزه عن آلاف السنين من تاريخ التعدين، وقد تم العثور على أدلة تربط هذه المناجم بمملكة مصر القديمة، والتي كانت موجودة من القرن السادس عشر حتى أوائل القرن الحادي عشر قبل الميلاد.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية