القضاء التونسي متهم بالتقاعس

القضاء التونسي لم يتغير بعد الثورة

القضاء التونسي لم يتغير بعد الثورة (الجزيرة نت)

خميس بن بريك-تونس

يواجه القضاء التونسي انتقادات لاذعة من قبل بعض المحامين الذين يتهمونه بالتقاعس في القيام بواجبه في الكشف عن التجاوزات والمبادرة إلى فتح أبحاث مع كل المتورطين في الفساد.

فرغم الآمال التي يعلقها التونسيون على استقلال القضاء لمحاسبة رموز النظام السابق والمسؤولين عن عمليات القتل أو اختلاس المال العام، فإنّ "دار لقمان بقيت على حالها".

 ودفع "تلكؤ" القضاء في التحقيق مع المسؤولين السابقين، مجموعة من المحامين لتحريك دعاوى قضائية من تلقاء أنفسهم ضدّ العديد من المستشارين والوزراء والكوادر السابقين.

وكانت أحدث الشكاوى القضائية موجهة ضدّ محافظ البنك المركزي السابق توفيق بكار بتهمة المشاركة في الاستيلاء على المال العام مع الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

التركي اتهم القضاء بالتقاعس (الجزيرة نت)
التركي اتهم القضاء بالتقاعس (الجزيرة نت)

تقاعس
ويقول منعم التركي –أحد المحامين الذين رفعوا القضية منذ أيام- "كان يجدر بالنيابة العمومية أن تفتح أبحاثها بمفردها وتثير هذه القضايا بصفة مباشرة"، مشيرا إلى أن "هذا التقاعس يعزز القناعة بأنّ القضاء ما زال خاضعا للسلطة كما كان في السابق".

وترتكز الشكاية ضدّ توفيق بكار على تقرير بثته التلفزة التونسية، الشهر الماضي، يكشف وجود مبالغ مالية داخل خزانات حائطية، عليها ختم البنك المركزي، بقصر الرئيس السابق بسيدي الظريف بالعاصمة.

ويقول التركي "لقد كان توفيق بكار المسؤول الأول بالبنك المركزي وكان على علم بوجهة تلك الأموال، وبالتالي يعتبر مشاركا في جريمة الاستيلاء على المال العام مع الرئيس السابق".

ويضيف "إنه مقرب من بن علي الذي منحه الوسام الأكبر للجمهورية". وتولى توفيق بكار منصب محافظ البنك المركزي عام 2004 واستمر فيه حتى 17 يناير/كانون الثاني الماضي، تاريخ إقالته إثر فرار الرئيس السابق إلى السعودية.

وكان 25 محاميا  قد بادروا بتحريك شكاية ضدّ 15 قياديا من الحزب الحاكم المنحل، ومن بينهم مستشارَا الرئيس عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله ورئيس مجلس المستشارين عبد الله القلال، الذين ما زالوا قيد التحقيق.

 بن عثمان: القضاء لم يتغير بعد الثورة (الجزيرة نت)
 بن عثمان: القضاء لم يتغير بعد الثورة (الجزيرة نت)

طمس الجرائم
ويطرح التونسيون تساؤلات عديدة بشأن التباطؤ في إصدار أحكام ضدّ المسؤولين السابقين وأفراد عائلة الطرابلسي (أصهار الرئيس المخلوع) وعدم محاسبة القناصة والمتورطين في قتل الشهداء، مما عزز الشعور بأنّ القضاء والسلطة "يعملان بانسجام لطمس جرائم النظام السابق".

ويرى المحامي سليم بن عثمان أنّ "القضاء لم يتغير بعد الثورة وأنّ الفساد ما زال قائما"، ويقول إنّ "عددا من رؤساء المحاكم والقضاة ووكلاء الجمهورية ما زالوا يباشرون مهامهم إلى الآن، رغم تورطهم في قضايا رشوة مع أصهار الرئيس المخلوع".

كما ينتقد بن عثمان إحداث ما يعرف بلجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، قائلا إنها "غير شرعية لأنها تتدخل في مهام القضاء ولا تحترم استقلاليته"، وأنها "قد تتلف أدلة تورط النظام السابق" خلال أبحاثها.

وينوب بن عثمان عن محامين آخرين رفعوا قضية لحلّ هذه اللجنة، التي أعلن عن إحداثها بن علي قبل سقوطه، ثمّ أصدر الرئيس المؤقت مرسوما لإحداثها. وتأجل النظر في هذه القضية إلى يوم 5 أبريل/نيسان المقبل، رغم أنّ المحكمة سبق أن أصدرت مؤخرا حكما استعجاليا بتجميد نشاطها.

بن عثمان: القضاء التونسي عانى منذ الزمن البورقيبي من احتكار السلطة التنفيذية، وتفاقمت  معاناته أكثر مع الانقلاب الأبيض الذي قام به الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عام 1987

احتكار السلطة
من جهة أخرى، أشار بن عثمان إلى أنّ "فساد القضاء لا تمكن رؤيته بمعزل عن مراحله التاريخية". ويرى أنّ القضاء التونسي عانى منذ الزمن البورقيبي من احتكار السلطة التنفيذية، وأن معاناته تفاقمت أكثر مع الانقلاب الأبيض الذي قام به الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عام 1987.

ويقول بن عثمان للجزيرة نت, "لقد كان بورقيبة أكثر حرصا من بن علي على القضاء"، مذكرا بأنّ "بورقيبة خصص جهرا محكمة أمن الدولة للمحاكمات السياسية الاستثنائية".

ويضيف "بعد انقلاب 1987، ألغى بن علي محكمة أمن الدولة بدعوى إلغاء المحاكمات السياسية، لكن حقبته شهدت أسوأ المحاكمات السياسية المتسترة وراء قناع محاكمات الحق العام".

ويتابع "بن علي لم يفصل السلط وكان رئيسا للمجلس الأعلى للقضاة وكان يعين القضاة بنفسه"، مشيرا إلى أنّ "القضاة كانوا يعملون تحت تهديد نقلتهم إلى أماكن عمل بعيدة وأن الكثير منهم كان منسجما مع سياسة الرئيس السابق من أجل الانتفاع بالترقيات".

المصدر : الجزيرة