أسباب صعود "العدالة والتنمية" بالمغرب

المقر المركزي لحزب العدالة والتنمية بالعاصمة الرباط

 
 

الجزيرة نت-خاص

سجلت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب فوزا لافتا لحزب العدالة والتنمية، الحزب الإسلامي المعارض، بحصوله على 107 مقاعد متقدما على جميع المنافسين.

وقد لفت هذا الفوز أنظار وسائل الإعلام الدولية والسياسيين في العالم واهتمام الباحثين المتخصصين في العلوم الاجتماعية والسياسية.

ويكاد يجمع الملاحظون على أن ما يعرفه المغرب من تحولات عميقة ومتسارعة لم يكن إلا نتيجة حتمية لرياح ربيع الثورات العربية التي أسقطت أنظمة عتيدة في تونس ومصر وليبيا.

ويرى الباحثون أنه بفوز حزب حركة النهضة الإسلامي في تونس وصعود الإسلاميين في المغرب إلى السلطة وهيمنة الأحزاب الإسلامية على المشهد السياسي بمصر، بدأت بوادر واضحة تشكل خريطة جديدة للعالم العربي يلونها الإسلاميون بلون "أخضر".

 أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط منار السليمي (الجزيرة)
 أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط منار السليمي (الجزيرة)

مناخ إقليمي
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط منار السليمي في حديثه للجزيرة نت إن ربيع الإسلاميين وصل إلى المغرب بسبب تأثير المناخ الإقليمي أو ما يسمى بربيع الثورات العربي على المغرب، لكن بدرجة أقل وبطريقة مغايرة.

ويوضح بالإشارة إلى أن رياح الثورة القادمة من العالم العربي ليست كافية وحدها لإحداث التغيير بالمغرب، فهناك عوامل ذاتية وموضوعية جعلت المغاربة يمنحون أصواتهم لحزب العدالة والتنمية.

ويتابع السليمي القول "إننا أمام حزب منظم مارس المعارضة أكثر من 14 سنة، أعطته قاعدة شعبية، ونجح في إعادة إنتاج ما يسمى بالطبقة المتوسطة التي كان يملكها اليسار في السنوات الماضية في المغرب".

ويؤكد الأستاذ الجامعي أن رغبة المغرب، وهو ينظر إلى تساقط دول الجوار تباعا، في إجراء انتخابات نزيهة لأول مرة في تاريخه قادت حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وهي رسالة يريد النظام السياسي توجيهها إلى المجتمع "ليكون لها وقع سيكولوجي لدى جميع المغاربة".

ولا يخفي الباحث تخوفه من المستقبل لأن الحكومة القادمة التي سيقودها الإسلاميون ستجد نفسها في مواجهة الشارع الذي تتحكم في إيقاعه حركة 20 فبراير.

كما أنها ستجد نفسها وجها لوجه أمام معارضة شرسة تقودها جماعة العدل والإحسان المحظورة، التي فتح لها المجال للانتشار في المساحات التمثيلية الشعبية التي كان يمثلها حزب العدالة والتنمية.

لحسن الداودي: في سنة 2007 كان تواصل الحزب مع العالم القروي ضعيفا جدا، أما الآن فلم يعد هناك فرق بين العالم القروي والمدينة، ومنحت المرأة في أعالي الجبال صوتها لصالح العدالة والتنمية

اتساع الدعم
من جهته يشير لحسن الداودي نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى سبب آخر لم ينتبه إليه الباحثون وهو تغلغل الإسلاميين لأول مرة في البوادي والقرى.

ويلفت الداودي إلى أنه في سنة 2007 "كان تواصل الحزب مع العالم القروي ضعيفا جدا، أما الآن فلم يعد هناك فرق بين العالم القروي والمدينة، ومنحت المرأة في أعالي الجبال صوتها لصالح العدالة والتنمية".

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية محمد ضريف فيعود إلى انتخابات 2007 ويقول إنه كان من المفروض أن يفوز حزب العدالة والتنمية فيها لو التزمت الإدارة المغربية "الحياد الإيجابي"، وكان من الممكن أن يهيمن على مقاعد البرلمان والحكومة، لكن الرياح لم تكن في صالحه وقتها وهي الآن تسير في اتجاه السفينة التي يركبها.

وهناك سبب آخر لفوز الإسلاميين المغاربة، ينبه إليه الباحث المتخصص في الأحزاب المغربية، وهو الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها أحزاب مغربية أعلنت عداءها الواضح لحزب العدالة والتنمية.

ويشير هنا إلى حزب الأصالة والمعاصرة (أسسه فؤاد عالي الهمة صديق الملك محمد السادس صيف 2008)، ويرى أن هذا السلوك جعل المغاربة يتعاطفون مع الإسلاميين وينتصرون له.
 
ويؤكد ضريف أن حركة 20 فبراير، وهي حركة احتجاجية شعبية من ثمار ربيع الثورات، لعبت دورا كبيرا في فوز العدالة والتنمية وقدمت له خدمة كبيرة لأنها استهدفت حزب الأصالة والمعاصرة وأضعفته لصالح الإسلاميين، وجعلت جزءا من الرأي العام يذهب في اتجاه آخر.

كما أن الحزب، حسب الباحث، استفاد من تدني المشاركة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي بلغت نسبتها 45%، لأنه يتوفر على كتلة ناخبة منضبطة في حين فشلت الأحزاب الأخرى في تعبئة الجماهير.

 إدريس هاني:
"حزب العدالة والتنمية ظل مدركا لأهمية الحفاظ على هيئة دعوية دينية تمنحه المصداقية في حراكه السياسي عند جمهور عريض من المتدينين"

تفسير ديني
وهناك تفسير ديني لما يحدث في المغرب يذهب إليه إدريس هاني، وهو كاتب ومثقف مغربي، عندما كتب حول أسباب نجاح العدالة والتنمية بأن هذا الحزب "ظل مدركا لأهمية الحفاظ على هيئة دعوية دينية تمنحه المصداقية في حراكه السياسي عند جمهور عريض من المتدينين"، ومارس تعددية في الخطاب وتفوّق على غيره في الدفاع عن أفكاره.

ويقول الباحث إنه في الوقت الذي تراجعت فيه شعبية الأحزاب السياسية كان الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران يقود حملة انتخابية "بشعبوية فاقت نظراءه بامتياز"، وكان يلفت بها الأنظار إلى حزبه وهي عملية إعلامية ناجحة بامتياز.

وأيا كانت الأسباب التي أدت إلى فوز العدالة والتنمية، فالسؤال الذي ينبغي أن يطرح بحدة -في نظر الباحث محمد ضريف- ليس لماذا صوت المغاربة لصالح الإسلاميين؟ ولكن ينبغي أن ننظر إلى التحديات والرهانات الصعبة التي تواجه الإسلاميين أمام توقعات المغاربة الكثيرة.

المصدر : الجزيرة