إسرائيل "تشيطن" الربيع العربي

الدعاء الجماعي بقيادة العلماء.

إسرائيل اعتبرت أن ثورة مصر "النسخة السنية للجمهورية الإسلامية في إيران"(الجزيرة نت-أرشيف)

يتطرق الباحث صالح النعامي في دراسة حديثة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي يتخذ من الدوحة مقرا له، إلى المخاوف التي تحاول دوائر إسرائيليّة التّرويج لها بالتّخويف من الإسلاميّين الذين صعد نجمهم مؤخّرًا عقب الحَراك الذي تشهده أقطار عربية.

وأشار الباحث في دراسة "إسرائيل وفزاعة الإسلاميين في أعقاب الثّورات العربية" إلى أن المؤسسة الحاكمة في إسرائيل والنّخب المرتبطة بها عكفت على التّشكيك في طابع ثورات التحول الديمقراطي في الوطن العربي وتحذير العالم من مآلاتِها، زاعمة أنها ستفضي إلى هيمنة الحركات الإسلامية على مقاليد الأمور في الدول العربية.

وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عمل على إثارة مخاوف العالم عبر تحذيره من تكرار تجاربَ يبدي الغرب تجاهها حساسيةً خاصة، لاسيما تجربة الثورة الإسلامية في إيران التي انطلقت حركة احتجاج ضدّ نظام الشاه وانتهت إلى إقامة الجمهورية الإسلامية. ولم يفته التحذير من أن مصر تنتظر مصيرًا مشابهًا في حال صعود الإسلاميين إلى الحكم فيها كنتاج للثّورة.

ولم يكتف نتنياهو بالتحذير من مخاطر وصول الإسلاميين إلى الحكم، بل إنّه حاول إعطاء الانطباع بأنه حريص على بروز تيّار "ديمقراطي" منافس لهم، فدعا إلى تأسيس صندوق دولي لدعم خصوم الإسلاميين في العالم العربي، ممن أسماهم "ذوي التوجهات الليبرالية"، مشبّهًا هذه الخطّة بخطة "مارشال" التي نفّذتها الولايات المتّحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية لدعم أوروبا الغربية. وقد أرسل نتنياهو عيران ليرمان مساعد مستشاره للأمن القومي إلى الولايات المتحدة لبحث هذا المقترح مع قادة الكونغرس الأميركي.

حرص إسرائيل على إثارة الفزع من الثّورات العربيّة عبر التّحذير من صعود الإسلاميّين، يأتي تعبيرًا عن المرارة من خسارتها مزايا الأنظمة الدكتاتورية التي كانت ترتبط بها في العالم العربي

مخاوف استنساخ
ويضيف النعامي أنه في سعيها "لشيطنة" ثورات التحول الديمقراطي في العالم العربي وتأليب العالم عليها، اقتفت النخب الإسرائيليّة أثر نتنياهو، وحرصت على استدعاء متلازمتيْ إيران وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والإيحاء بأن العالم بات على موعد مع تكرار هاتين التّجربتين.

فهناك من اعتبر أن ما حدث في مصر "انقلاب وليس ثورة"، لأن هذه الأحداث ستنتهي بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، وأنّهم سيُقيمونَ في مصر "النّسخة السنّيّة للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران". وشدَّدوا على أنّه لا يوجد في مصر أيّ ميل نحو التحول الديمقراطي والحريات، بل العكس تماما.

كما حذّر يوسي بيلين من أن تسليم العالم بنقل مقاليد الأمور للإسلاميّين في أعقاب الثورات العربية يمثل "عملاً غيرَ مسؤولٍ"، مدعيًا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما عاد إلى "الخطأ" نفسه الذي وقع فيه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الذي "تخلّى" عن الشّاه، مما أدى في النهاية ليس فقط إلى سقوط الحكم الإمبراطوريّ في طهران، ولكن أيضا إلى تغيير جذريٍّ في المنطقة بأسرها.

تناقض في المواقف
ويشدّد الباحث على أنه إزاء المواقف العلنيّة التي تحاول تحريض العالم على الثّورات العربيّة من خلال إثارة فزّاعة الإسلاميّين، نجد أن المسؤولين الإسرائيليين يُبدون في الغرفِ المغلقة ارتياحًا لسيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزّة، مع العلم بأنّهم في العلن يواصلون الدّعوة لإسقاط حكم الحركة.

ويشير الباحث إلى أن هناك الكثير من المؤشّرات الواضحة التي تدلّ على أن حرص إسرائيل على إثارة الفزع من الثورات العربيّة عبر التحذير من صعود الإسلاميّين، يأتي تعبيرًا عن المرارة من خسارة إسرائيل "مزايا" الأنظمة الدكتاتورية التي كانت ترتبط بها في العالم العربي.

وفي سياق تأكيده لوجهة نظره، يشير الباحث إلى أن أحد أبرز مظاهر التشكيك في الثورات العربية تمثل في حرص المستويات الإسرائيلية الحاكمة والنخب المرتبطة بها على وصف ثورات التحول الديمقراطي في العالم العربي "بالانقلاب" (هفيخاه)، وليس ثورة (مهفخاه)، فكثرت في الصحف الإسرائيليّة المقالات التي حملت عنوان "انقلاب وليس ثورة".

ويتوصّل صالح النعامي في دراسته إلى أنّ إسرائيل أدركت أنّ ثورات التّحوّل الدّيمقراطيّ التي تجتاح العالم العربيّ تمثّل نهاية مرحلة من مراحل الصّراع مع العرب.

وتعي النّخبة الحاكمة في إسرائيل أنّ هذه الثّورات قد أبطلت الكثير من المسلّمات التي مثّلت منطلقاتٍ للسّياسة الإسرائيليّة تجاه العالم العربيّ، ممّا دفعها إلى محاربة الثّورات العربيّة عبر التّشكيك في مآلاتها، ولم تجد وسيلة أفضل من توظيف فزاعة الحركات الإسلامية.

المصدر : الجزيرة