ماذا بعد جمعة الغضب؟

epa02554124 An Egyptian military leave their armoured vehicle in thes Garden City area after demonstrations erupted following Friday prayers in Cairo, Egypt, 28 January 2011.
الجيش نزل إلى الشوارع لتطبيق حظر التجول (رويترز)
عدي جوني
 
أربكت الأحداث التي شهدتها مصر أمس الجمعة العديد من الجهات الدولية لا لحجم وشدة المصادمات في الشوارع فقط، وإنما للتداعيات المحتملة لسقوط نظام يعتبر في المفهوم الغربي تحديدا صمام أمان إقليميا على الصعيد الإستراتيجي.
 
من هذا المنطلق، تتركز الأنظار على المشهد المصري لقراءة تحولاته والاحتمالات التي ستفرزها مرحلة ما بعد "جمعة الغضب" على الصعيد الجيوسياسي في المنطقة برمتها، وهو الأمر الذي تقف عنده العواصم الفاعلة دوليا محرجة بين شعارات الديمقراطية والإصلاح وبين ضرورة الحفاظ على الأمر الواقع.
 
المؤسسة العسكرية
وفي قراءته للواقع الراهن في مصر، رأى معهد ستراتفور غلوبال أنتلجنس في الولايات المتحدة في مذكرة تحليلية أعدت اليوم السبت أن ما جرى في مصر قد لا يؤدي إلى تغيير النظام بل إلى تغيير داخل النظام.
 
وتشير الورقة إلى أن ما يجري الآن في مصر انقلاب يقوده جنرالات الجيش حرصا منهم على بقاء النظام وليس الرئيس، حيث ألمحت الورقة استنادا إلى معلومات خاصة إلى أن الرئيس حسني مبارك أبلغ المؤسسة العسكرية -التي جاء منها- بأنه لا ينوي الترشح مجددا، ويفضل أن يغادر السلطة معززا لا مطرودا كما حدث مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي.
 
وتقول الورقة إن جنرالات الجيش المصري يوقنون بأن استقالة مبارك بفعل الضغوط الشعبية قد تؤدي إلى إسقاط النظام كله، الأمر الذي يستدعي الإسراع في الحفاظ على بنية النظام ودعم استمراره حتى مع غياب الرئيس عن سدة الحكم.
 
بيد أن ورقة معهد ستراتفور تعود للسؤال عما إذا كان الجيش قادرا على ضبط الأوضاع لفترة محددة يمكن خلالها إحداث التغيير الذي يلقى قبول الشارع دون أن يعني سقوط النظام، وإلا فإن مصير نظام الشاه محمد رضا بهلوي قد يكرر نفسه ولكن هذه المرة باللهجة المصرية.
 

دبابة في أحد شوارع القاهرة (الجزيرة)
دبابة في أحد شوارع القاهرة (الجزيرة)

المعادلة الإقليمية

ويتفق مدير المعهد ومؤسسه الخبير الأمني الإستراتيجي جورج فريدمان مع هذه النظرية بالقول إن مبارك راحل لا محالة فضلا، عن أن الانتفاضة الشعبية ضد حكمه وضراوتها قطعت الطريق أيضا على أي محاولة لتوريث السلطة إلى نجله جمال.
 
ويعتقد بأن الوضع المصري بات مرتبطا بقدرة الجيش على ضبط الأوضاع، لا سيما أن أجهزة الأمن التقليدية خسرت معركتها وانسحبت من الشوارع، مرجحا أن تكتمل الصورة خلال الأيام المقبلة في إطار سيناريو تفرضه المعادلة الإقليمية أكثر مما تحدده المعادلة الداخلية على أساس إنقاذ النظام والتخلي عن الرئيس.
 
ويشدد فريدمان على أن النظام المصري ومنذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات بعد توقيع اتفاقية كامب ديفد التي حيدت مصر عن الصراع العربي الإسرائيلي كليا، بات مرتبطا بشكل وثيق بطبيعة وضرورات العلاقات الأميركية المصرية الإسرائيلية بغض النظر عن أي شعارات أخرى.
 
الحبل المشدود
وتختصر مجلة "سياسات خارجية" الأميركية توصيف الوضع المصري في مقالة بعنوان "احتجاجات القاهرة الدامية" قائلة إن "المشكلة في الإصلاحات الديمقراطية أنها قد تستدعي إلى السلطة قوى سياسية لا ترى على الأقل بوجود تقاطع حقيقي بين مصالحها ومصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية في المنطقة".
 
وتتساءل المجلة عن التداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن انهيار نظام مبارك ووصول نظام آخر يلغي مثلا اتفاقية كامب ديفد ويعيد القوات المصرية إلى سيناء جنوب إسرائيل.
 
ولفتت إلى الفوارق البنيوية الكبيرة بين ثورة الياسمين التونسية وجمعة الغضب المصرية، منوهة بوجود تيار إسلامي فاعل في الشارع المصري معروف لدى القيادة الأميركية بمواقفه المعادية لها ولإسرائيل.
 
ومن هذا المنطلق يرى مراقبون أن الحرج الذي أصاب الخطاب السياسي الأميركي منذ اللحظات الأولى لاندلاع المصادمات في المدن المصرية يعود -بحسب مدير مركز سابان للشرق الأوسط كينيث بولاك- أولا وأخيرا إلى حرص واشنطن على السير على حبل رفيع مشدود بين شعارات الديمقراطية ومتطلبات المصالح الإستراتيجية في الشرق الأوسط.
المصدر : الجزيرة + وكالات