الجدل الموريتاني يتجدد بشأن الرق

من المؤتمر الصحفي لممثلين عن منظمات حقوق الإنسان بمقر تجمع منظمات حقوق الإنسان الموريتانية في العاصمة نواكشوط.

بيرام ولد اعبيدي (يسار) دعا الأرقاء السابقين إلى العصيان وتكوين مليشيا (الجزيرة-أرشيف)

أمين محمد-نواكشوط

لا يفتأ ملف الرق يفجر الصراع كلما هدأت الساحة الموريتانية أو يثير على الأقل لغطا بين أطراف تتسع الشقة بينها يوما بعد يوم، ويتمسك كل منها بموقف لا يرى الصواب سواه، بين ناف لا يرى للرق وجودا ومثبت يراه في كل مكان.

فلا يرى الفريق الأول في المتحدثين عن الرق سوى متاجرين بسمعة البلد وباحثين عن أقوات وأرزاق من معاناة إنسانية لم يعد لها وجود على أرض الواقع، في حين لا يرى الثاني في الأول إلا شيطانا أخرس صامتا عن الحق جاحدا للحقيقة، يستغل ويسترق إخوة في الدين والوطن ويكابر من بعدُ في الاعتراف بمعاناتهم.

هذه الأيام عاد الجدل من جديد ولكن على خلفية تصريحات أطلقها الناشط في مجال محاربة الرق بيرام ولد اعبيدي، طالب فيها الأرقاء السابقين العاملين في الجيش بالعصيان والإعلان عن استقالة جماعية من الجيش بوصفه "جيشا فئويا بعيدا عن قيم الجمهورية"، متعهدا بوضع حد لهذا "النظام الفئوي".

وذهب ولد اعبيدي إلى أكثر من ذلك، فطالب الأرقاء السابقين (لحراطين) بتشكيل مليشيا مسلحة للدفاع عن أنفسهم، ورد الاعتبار إليهم في ظل إصرار الطرف الآخر على استمرار انتهاك حقوقهم وتكريس عبوديتهم، على حد قوله.

وفي نفس التصريحات أيضا هاجم ولد اعبيدي من وصفهم بالأئمة المغلبين لمصالح فئاتهم والمنحازين للعرق على حساب قضايا المظلومين، قائلا إنهم يرفعون شعار التفسيق والتكفير ضد المناهضين للرق، وطالب "لحراطين" بعدم الصلاة خلفهم لأنهم "يقبلون منا بلالا مؤذنا، ثم يحتكرون لأنفسهم صفة الإمام والقائد والرسول".

ثم عاد أيضا في مقال يوم أمس لمهاجمة التيار الإسلامي وزعيمه الروحي الشيخ محمد الحسن ولد الددو بعدما هاجم الأنظمة المتعاقبة بما فيها نظام ولد الطايع الذي كان أحد المدافعين عنه.


 ولد مسعود: سياسة الحكومة في التعتيم والتستر تؤدي إلى إثارة النعرات (الجزيرة نت)
 ولد مسعود: سياسة الحكومة في التعتيم والتستر تؤدي إلى إثارة النعرات (الجزيرة نت)

خطب موحدة
ورغم أن الناشط ولد اعبيدي دأب في الآونة الأخيرة على إصدار تصريحات مماثلة، فإن وزارة الشؤون الإسلامية تصدت له هذه المرة، إذ قام اتحاد الأئمة التابع لها بتعميم خطب موحدة على الأئمة لأول مرة في تاريخ موريتانيا، يرد فيها على تصريحات ولد اعبيدي المثيرة للجدل.

وقال الإمام اداده ولد عبد الله للجزيرة نت إن خطبة الاتحاد الموحدة ركزت على ضرورة تعزيز الوحدة بين أبناء الشعب، والتحذير من مغبة بث خطاب التفرقة بين الناس ومن دعاة العنصرية والتفرقة الذين ظهروا في الآونة الأخيرة، ووصف ذلك بأنه من كبريات المعاصي والذنوب.


تستر ضار
وفي تعليقه على هذا الجدل قال رئيس منظمة نجدة العبيد بوبكر ولد مسعود -الذي يعتبر أبا روحيا لمناهضي الرق بموريتانيا- إنه كان على الأئمة الذين يشنون حملة على بيرام أن ينتقدوا ويحذروا من مغبة استمرار ظاهرة الرق في البلاد، لأنهم مسؤولون بنفس القوة عن منع التطاحن والتصارع بين فئات الشعب.

ولكنه مع ذلك أكد في حديثه للجزيرة نت أنهم ضد العنف وحمل السلاح وإيقاظ الفتنة النائمة، مع أنه شدد على أن سياسة التعتيم والتستر التي تنتهجها الحكومة على ممارسات ظاهرة تؤدي بلا شك إلى الاحتكاك وإثارة النعرات، وأشار إلى أن منظمته قدمت عشرات من حالات الاسترقاق إلى السلطات، فلم يحاكم أحد بسبب ارتكابه لهذا الجرم الجسيم.


ويعيد المحلل السياسي أحمدو ولد الوديعة أسباب تصاعد الجدل حول هذا الموضوع إلى فشل كل المقاربات ومحاولات الحل المقدمة منذ نشأة الدولة بسبب شدة الانقسام وسخونة النقاش.

ورأى في تصريحه للجزيرة نت أن تصاعد النقاش حاليا يمكن أن يشكل خطرا على الوحدة إذا استمرت حالة التشنج والتخوين وكيل الشتائم بين الأطرف، وأنه يمكن أن يكون خادما للوحدة وعامل قوة إذا فهم كل طرف أن الحل ليس بيده وحده، وتم البحث في الإطار الوطني عن حل إجماعي وفاقي يرتكز على الاعتراف بوجود المشكلة وبالظلم الحاصل على فئة خاصة، مع تنشيط المسطرة القانونية المجرمة للاستعباد.

المصدر : الجزيرة