مقاه للكفاءات العراقية بعمَان ودمشق

صورة لمقهى ثقافي يمارس رواده لعبة الورق برفقة الأرغيلة

أحد مقاهي العاصمة السورية دمشق (الجزيرة نت-أرشيف)


الجزيرة نت-عمان
 
لا تتفاجأ إذا اكتشفت أن الجالسين إلى الطاولة المجاورة لك في مقاهي عمان أو دمشق هم من علماء الفيزياء والرياضيات والطاقة الذرية، أو من الأطباء وأساتذة الجامعات وربما أيضا من كبار ضباط الأركان في الجيش أو الخبراء في التصنيع العسكري.
 
أولئك ليسوا سوى عينة من آلاف الكفاءات العراقية التي اضطرت إلى الهروب إلى الأردن وسوريا، بعد أن عمت الفوضى العراق وتصاعدت عمليات الاستهداف التي بدأت في وقت مبكر بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
 
وتصدر قائمة المستهدفين كبار الضباط في سلاح الجو العراقي، الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، إضافة إلى العقول العراقية الأخرى وفي مختلف الاختصاصات.
 
ويقول الدكتور علي جاسم الزبيدي -المختص في التربية وعلم النفس، الذي يهتم بصورة شخصية بمتابعة الأدمغة العراقية الهاربة- إن جميع الكفاءات العراقية قد تم استهدافها من قبل عصابات منظمة ومليشيات وأجهزة استخباراتية.
 

"
جميع الكفاءات العراقية تم استهدافها من قبل عصابات منظمة ومليشيات وأجهزة استخباراتية
"
الزبيدي

حالة عزلة

ويؤكد الزبيدي في حديثه للجزيرة نت أن غالبية الكفاءات المتواجدة في الأردن هم من أساتذة الجامعات والأطباء. ويشير إلى أن هناك أكثر من ألفي طبيب عراقي وأكثر من سبعمائة أستاذ جامعي.
 
يذكر أن الغالبية العظمى من هذه العقول والكفاءات اضطرت إلى الانقطاع التام عن ممارسة تخصصاتها العلمية، ما تسبب بحصول حالة عزلة بينها وبين التطورات التي تشهدها الحقول المعرفية في كل يوم.
 
وإذا كانت مقاهي عمان مثل "السنترال" و"فوانيس" ومقاهي منطقة الشميساني هي الملتقى المفضل لهذه الكفاءات التي تمت إحالتها قسرا على التقاعد، فإن مقاهي دمشق الشهيرة تغص أيضا بالكفاءات العراقية.
 
ويرتاد مقاهي مثل "الحجاز" و"الروضة" و"الكمال" وسط دمشق كبار الضباط وقادة الجيش العراقي السابق والكوادر العليا في الأكاديميات العسكرية وعقول التصنيع العسكري وأساتذة الجامعات، يلتقون مع كوادر متقدمة من حزب البعث السوري وشخصيات أخرى.
 
لا يفكرون بالعودة
ويرصد الدكتور عمر الكبيسي -الأخصائي الشهير بالأمراض الباطنية والقلب والناشط السياسي خلال السنوات الأخيرة- جانبا آخر من معضلة فقدان العراق الآلاف من كفاءاته التي اضطرت لمغادرة العراق بعد الغزو الأميركي وحالة الفوضى التي يعيشها البلد.
 
الكبيسي: غالبية الكفاءات المهاجرة
الكبيسي: غالبية الكفاءات المهاجرة

ويقول الكبيسي للجزيرة نت إن "خسارة العراق لآلاف الكفاءات في مختلف الاختصاصات لا تقتصر على هذا الوضع لأن هناك آلافا آخرين وجدوا أماكن عمل في دول أوروبية وعربية، وغالبية هؤلاء لا يفكرون بالعودة إلى العراق، ما يعني أننا أمام خسارة هائلة في منظومة العلماء والكفاءات والخبراء بجميع الاختصاصات".

 
وأكد الكبيسي أن "العزلة تزداد بين العلماء واختصاصاتهم بعد أن اضطرت الظروف القاسية هؤلاء الخبرات إلى ترك العراق هروبا من جحيم تعددت أشكاله ومصادره" محذرا من خطورة ذلك على العراق لأن الكثير من كفاءاته معرضة للاندثار.
 
ومن المعروف أن غالبية الكفاءات ترغب بالعودة إلى العراق وممارسة تخصصاتها إلا أنهم يعتبرون أن الظروف القاسية التي يعيشها البلد والفوضى الأمنية وتصاعد العنف تقف عائقاً أمام عودة العراقيين جميعاً والذين يقدر عددهم بثلاثة ملايين مهجر.
المصدر : الجزيرة