بلجيكا وشبح الانقسام

الانقسام الاجتماعي في بلجيكا بين العرقين الفرنكفوني والفلاماني

سيدي أحمد ولد أحمد سالم-الجزيرة نت

تجمع بلجيكا ثنائية متناقضة، فخارجيا تعكس التآلف والتوحد إذ تستضيف مقر الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، وداخليا تعكس الصراع الاجتماعي والدعوة إلى الانفصال بين الفلامنكيين في الشمال والوالونيين في الجنوب. 

وقد وجدت بلجيكا نفسها منذ استقلالها عن هولندا سنة 1830 مقسمة اجتماعيا وسياسيا إلى عنصرين، الوالونيون وهم سكان منطقة والونيا جنوب بلجيكا والفلامنك سكان منطقة الفلاندر بشمال البلاد.

يضاف إليهما سكان بروكسل وهم مزيج من الوالونيين والفلامنكيين غير أن الغلبة السكانية واللسانية فيها للوالونيين. مع وجود أقلية ناطقة بالألمانية شرق البلاد.

ويتجلى الصراع القطبي لغويا: فالجنوبيون (حدود 40%) يتكلمون الفرنسية. والشماليون (حدود 60%) ولغتهم الفلامنكية قريبة من الهولندية. وتتحدث أقلية في الشرق، الألمانية (أقل من 1% من السكان).

"
قد لا تعترف الدول الأوروبية بانفصال مناطق بلجيكا فإسبانيا وإيطاليا مثلا تعيشان حالات من الصراع المناطقي وليس في صالحها أن يتطور الوضع في بلجيكا إلى الانفصال
"

وظل صراع الفرانكفونيين والفلامنكيين مؤثرا في السياسة، ففي سنة 1968 وقع ما يعرف بأحداث جامعة لوفان، وأدى إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء حينها فاندن بوينانتس فانشقت الأحزاب السياسية كالاشتراكي المسيحي والحزب الليبرالي وغيرهما.

وعرف المشهد الحزبي ظهور الأحزاب القومية كفلكسوني ذي التوجه الفلامنكي والتكتل الوالوني والجبهة الديمقراطية الفراكفونيين.

وتكاثرت التيارات القومية ومن أبرزها فلامس بلوك (Vlaams Blok) وهو من أقصى اليمين الذي حل سنة 2004 وتشكل بدلا عنه حزب فلامس بلانغ.

وفي سنة 1970 تم التفاهم بين الطائفتين على دستور اتحادي كرس سيطرة الجنوبيين على والونيا وعلى بروكسل التي تعتبر جغرافيا جزيرة فراكفونية وسط محيط فلامانكي وسيطر الفلامنك على منطقتهم الغنية الفلاندر.

وقد علت أصوات السياسيين الفلامنكيين المطالبة بإصلاحات تحد من صلاحيات الدولة الاتحادية وتؤول بالتدريج إلى منح إقليمهم استقلالا ذاتيا.

وتتوقع مجلة (لوفيف أكسبريس) البلجيكية أن أولى نتائج الانفصال ستكون توقف التحويلات المالية للمناطق حيث ستفقد منطقة والونيا 4% من إيراداتها المالية وسيرتفع رصيد الفلاندر بنسبة 7%.

وستفقد المعاشات والمخصصات الاجتماعية نسبة 20% بوالونيا مما يعني على أرض الواقع أن كل شخص في هذه المنطقة سيفقد 1000 يورو من دخله السنوي.

وفي الجنوب سترتفع نسبة الفقر من 13 إلى 18%. ولن تسلم العاصمة بروكسل من تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي. في حين ستشهد الفلاندر رخاء اقتصاديا.

كما ترى صحيفة لوسوار البلجيكية في استطلاع لها أن 40% من الفلامنكيين يرغبون في انفصال جزئهم الشمالي عن جنوب بلجيكا وضم بروكسل إلي منطقتهم بحكم وجودها داخل الجزء الفلامنكي وبإنهاء أي تضامن مع الجنوبيين الذين يستنزفون مال منطقة الفلاندر حسب رأيهم.

الباحث البلجيكي وأستاذ القانون في سان لويس ببروكسل سيباستيان دون دروغنبروك يرى أن انقسام بلجيكا لو تم فسيكون من طرف واحد. فلو أعلنت الفلاندر أو والونيا انفصالها فإن هذا الإجراء سيواجه ثلاثة تحديات جسيمة:

  • فهو أولا مخالف للدستور الاتحادي.
  • ومن جهة ثانية ستطرح الكيانات الجديدة بعد الانفصال مشكلة تقسيم الدين البلجيكي الخارجي الذي يتجاوز الحدود المنصوص عليها في اتفاقية ماستريخت.
  • وثالثا ستكون وضعية العاصمة بروكسل محل إشكال. هل ستتبع والونيا بحكم فرانكفونيتها أو ستتبع الفلاندر بحكم وضعها الجغرافي أو دولة مستقلة؟

ويبقى السؤال هل ستقبل الدول الأوروبية بأن يقع في بلجيكا ما وقع في تشيكوسلوفاكيا أو يوغسلافيا وتعترف بوالونيا أو الفلاندر، خاصة وأن هذا الانفصال قد يصيبها بالعدوى.

فإسبانيا وإيطاليا مثلا تعيشان حالات من الصراع المناطقي وليس في صالحها أن يتطور الوضع في بلجيكا إلى الانفصال.

المصدر : الجزيرة