الجزائر تتذكر مفقوديها

تصميم عن العمليات الإرهابية في الجزائر
 
في وقت تستعد فيه الجزائر نفسيا للإعلان المحتمل عن تنظيم استفتاء حول عفو جديد قد يشمل هذه المرة المسلحين "ممن لم تلطخ أيديهم" بالدماء ورجال الأمن في آن معا, ما زال ملف المفقودين ملفا شائكا وحجر عثرة في طريق المصالحة الشاملة.
 
الثابت الوحيد أن الحديث عنه علنا لم يصبح من المحرمات كما كان الشأن قبل بضع سنوات, بما في ذلك اتهام قوات الأمن علنا بالوقوف وراء العدد الأكبر من حالات الاختفاء في الجزائر.
 
فاطمة الزهراء بوشارف واحدة من آلاف الجزائريات ممن فجعن في أبنائهن, فقد اختفى ابنها منذ تسع سنوات وهي تؤكد أن رجال الأمن هم من اختطفوه, وقد بحثت عنه وعن المسؤولين عن اختفائه تسع سنوات كاملة, لكنها كانت في كل مرة تعود "كسيرة الخاطر وفارغة اليدين".
 
وما زالت فاطمة الزهراء تذكر كيف اختفى ابنها عام 1995 مع اثنين من الجيران اشتبه في تقديمهم الدعم للجماعات المسلحة في ذروة الأزمة الدامية, غير أن الجارين عادا ولم يعد ابنها رياض.
 
ورغم مضي تسع سنوات على اختفائه ما زالت فاطمة الزهراء تتعلق ببصيص أمل في أن يكون على قيد الحياة, وهو ما جعلها تنضوي في جمعية تسمى "أنقذوا المفقودين" _SOS  DISPARUS) تعنى بشؤون المختطفين والمفقودين الذين تقدرهم بثمانية آلاف.

 

undefined

نعم ولكن!
مجيء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة غير الكثير من الأشياء في السياسة الجزائرية, فقد أراد التخلص من إرث المفقودين الثقيل الذي كان في صلب وعوده الانتخابية, بينما رأى بعض المراقبين في تركيزه على الملف محاولة لإزعاج المؤسسة العسكرية التي يعتقد أنها تقيد حركاته.
 
وقد كان استفتاء العفو في 1999 أول خطوة في هذا الاتجاه, أعقبته السلطة بإنشاء مؤسسة رسمية تتكفل بقضية المفقودين في وجه عدد من الجمعيات لا تتردد في تحميلها الجزء الأكبر من المسؤولية.
 
هكذا ولدت اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان التي يرأسها فاروق قسنطيني والتي أوكلت لها الحكومة التحقيق في كامل حالات الاختفاء ورفع تقرير إلى الرئيس شهر مارس/ آذار القادم.
 
إلا أن قسنطيني لا يخالف فقط الجمعيات "غير الرسمية" في عدد المفقودين بل كذلك في تقدير حجم مسؤولية السلطات التي يؤكد أنها غير مذنبة وأن "حالات الاختطاف ناتجة عن تصرفات فردية" لبعض رجال الأمن "كانوا يحاربون الإرهاب بالإرهاب".
 
وقد اقترحت جمعيته تقديم تعويضات للعائلات ورأى بعضها في ذلك محاولة لدفن الموضوع, غير أن قسنطيني يؤكد مع ذلك أن الملفات ستكون تحت تصرف العائلات التي تريد نقل القضية إلى المحاكم.
 

undefinedاستفتاء العفو
ويرى قسنطيني في الاستفتاء الذي يعتقد أن الرئيس عبد العزير بوتفليقة يزمع تنظيمه في مارس/ آذار القادم والذي يقول إنه سيشمل المسلحين ورجال الأمن "فرصة لطي صفحة الماضي"، لأن الجزائريين "لا يبحثون عن الانتقام".
 
غير أن الكثير من أنصار الطرفين أي ممن تعاطفوا مع التيار الإسلامي أو ممن وقفوا ضده مع التيار الموصوف بالاستئصالي يعارضون أن "تقلب الصفحة قبل قراءتها".
 
ولا يتوقف الأمر عند بعض الشخصيات النافذة في السلطة التي نقل عنها وقوفها ضد عفو شامل كرئيس الوزراء أحمد أويحيى, بل يشمل بعض ضحايا الأزمة الدامية التي خلفت ما بين مائة ألف ومائتي ألف قتيل.
 
كلثوم لارباس واحدة من هؤلاء, وقد قتل زوجها الصحفي علي يد من تقول إنهم مسلحون إسلاميون, وكانت تريد أن يحاكم من تسميهم بالمجرمين حتى "تستطيع أن تواصل حياتها", لكنها تقول إن ذلك لم يتم وهي لا ترى كيف ستؤيد استفتاء عفو جديدا.
 
كلثوم ليست إلا واحدة من آلاف الجزائريين ضحايا ممن فقدوا أحبة لهم في الأزمة الدامية يتفقون جميعهم على ضرورة طي صفحة الماضي لكنهم لم يتفقوا بعد كيف ستطوى, ولا ما إذا كان من حق الأغلبية أن تقرر العفو مكانهم حتى لو كان حكم الأغلبية في الأقلية من صميم المبادئ الديمقراطية.
المصدر : الجزيرة + رويترز