كيف مارس الإعلام الغربي التضليل في مسيرة العودة بغزة؟

Palestinians attend a tent city protest along the Israel border with Gaza, demanding the right to return to their homeland, east of Gaza City March 30, 2018. REUTERS/Mohammed Salem
الفلسطينيون بغزة انطلقوا في الجمعة الأولى من مسيرة العودة الكبرى تجاه السياج الإسرائيلي في 30 مارس/آذار الماضي (رويترز)
نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالا للبروفيسور الأميركي ساري مقدسي المتخصص في الأدب الإنجليزي بجامعة كاليفورنيا قال فيه إن الحقائق الواضحة على الأرض عن مسيرة العودة الكبرى في غزة صحيحة، ولكن وسائل الإعلام تشوهها باستعمال صياغات لغوية مضللة.

ويعتزم الفلسطينيون في غزة الاستمرار بالخروج في أيام جُمع متتالية حتى 15 مايو/أيار القادم، إذ تحل ذكرى النكبة، وتتزامن المناسبة أيضا مع عزم الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس.

ويتحدث مقدسي عن التغطية الإعلامية للمذبحة التي اقترفتها إسرائيل بحق المحتجين الفلسطينيين في الجمعة الأولى من هذه المسيرة التي بدأت بذكرى يوم الأرض، فيقول إنها قدمت أمثلة كتابية لأسلوب صياغة الجُمل والمفردات، بل وحتى لطرق التشويه في تصوير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

فحتى لو حددت الحقائق بدقة، فإن طرق بناء الجُمل والتفاصيل في سياقها يمكن أن تضلل القراء.

ويضرب الكاتب أمثلة على طرق بعض وسائل الإعلام في استعمال عبارات مضللة أو حقائق مجتزأة لنقل الوقائع على الأرض في غزة.

‪القوات الإسرائيلية تلقي النيران على الفلسطينيين في المسيرة السلمية في غزة‬ (رويترز)
‪القوات الإسرائيلية تلقي النيران على الفلسطينيين في المسيرة السلمية في غزة‬ (رويترز)

صياغات مضللة
ويقول مقدسي إن صحيفة ذي غارديان البريطانية كتبت في أحد عناوينها المبكرة أنه "يموت ما لا يقل عن 15 فلسطينيا بينما ترد إسرائيل على الاحتجاج"، وأنها كتبت في عنوان آخر على صفحتها الأولى "15 قتيلا في مظاهرات غزة"، وإن صحيفة نيويورك تايمز الأميركية كان لها صياغة مماثلة، حيث كتبت "المواجهات عند سياج غزة تسفر عن 15 قتيلا".

ويرى الكاتب أن هذه الصياغة مضللة للحقائق الواضحة، فالفلسطينيون لم يسقطوا قتلى، بل لقد أطلق النار عليهم عن عمد، وحذف الفاعل أو فصله عن الفعل قد يؤدي إلى حجب أو إخفاء من قام به وتحت أي ظروف كان قد تم.

ويرى الكاتب أن الأصل أن تبادر وسائل الإعلام إلى القول إن "القوات الإسرائيلية تقتل 15 فلسطينيا في احتجاجات غزة"، موضحا أن هذه الجملة تخبر عن قصة مختلفة، وأنه قد تكون لها استجابة مختلفة من جانب القراء.

ويمكن أن يقال هذا مع استخدام كلمات مثل "الصدامات" و"المواجهات" في وصف ما حدث، فصحيفة لوس أنجلوس تايمز بدأت إحدى القصص بهذا السياق في اليوم التالي بقولها "يوم من الاشتباكات بين الجنود الإسرائيليين والمتظاهرين يخلف 16 قتيلا فلسطينيا".

سحق ومقاومة
ويوضح الكاتب أن كلمة "اشتباك" تعني التكافؤ والمساواة بين ما يقوم به الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني، أو المساواة بين مسيرة سلمية من 30 ألف متظاهر وجنود إسرائيليين مدججين بالسلاح يديرون مواقع محصنة، فضلا عن قناصة للجيش الإسرائيلي يختارون أهدافهم من مسافة مريحة.

والأدهى أن جيش الاحتلال والشعب الواقع عليه الاحتلال لا "يتصادمان"، لكن الجيش هو الذي يحاول أن يسحق، بينما الطرف الآخر يحاول أن يقاوم، أو يحاول أن يظل ثابتا على أقل تقدير.

وكان هناك الكثير من الإشارات إلى "الحدود" بين إسرائيل وغزة، مما يشير إلى أن ما حدث وكأنه على الحدود بين دولتين.

لكن إسرائيل ترفض إعلان حدودها، وغزة ليست دولة بل هي أرض محتلة. واستدرك الكاتب بأن صحيفة تايمز البريطانية عنونت للحدث بوضوح.

ويشير الكاتب إلى أن الكاتب الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد سبق أن قال إن الحقائق لا تتحدث عن نفسها، بل إنها تتطلب رواية من أجل استيعابها وإدامتها.

ويقول مقدسي إن المفقود في معظم التغطية الإعلامية السائدة لم يكن الوقائع بحد ذاتها، ولكن الرواية الفلسطينية بشأن النفي القسري وإزاء النضال من أجل العودة، التي تجعل هذه الحقائق مفهومة سياسيا وعاطفيا.

ويرى أن الفلسطينيين ليسوا مجرد مجموعة من اللاجئين، بل إن جيش الاحتلال هو الذي شردهم وأجبرهم على الخروج من أرضهم وديارهم.

المصدر : الجزيرة + لوس أنجلوس تايمز