نيويورك تايمز: ما مدى شر التكنولوجيا؟

وسائل التواصل الاجتماعي Social Media (سكرين شوت من هاتف رماح، مع مونتاج على فوتوشوب)
وسائل التواصل الاجتماعي تؤدي في الواقع إلى زيادة في العزلة (الجزيرة-أرشيف)

منذ وقت ليس ببعيد كان عالم التكنولوجيا أروع مجال وكانت أمنية كل شخص العمل في أماكن عملاقة مثل غوغل وفيسبوك وآبل، لكن هذه الحالة المزاجية قد تغيرت خلال العام الماضي.

ويعتقد البعض الآن أن صناعة التكنولوجيا مثل صناعة التبغ؛ فالشركات تجني مليارات الدولارات من بيع إدمان مدمر. ويعتقد آخرون أنها مثل كرة القدم الأميركية، التي يعشقها الملايين، لكن الجميع يعرفون أنها تترك أثرا من الحطام الإنساني في أعقابها.

وبالتأكيد لا يريد العاملون في مجال التكنولوجيا، الذين يريدون جعل العالم مكانا أفضل، أن يسلكوا هذا الدرب، لذلك من المهم معرفة ما إذا كان بإمكانهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع شركاتهم من أن تصبح منبوذة اجتماعيا.

ويرى ديفد بروكس، كاتب هذا المقال بصحيفة نيويورك تايمز، أن هناك ثلاث انتقادات رئيسية للتكنولوجيا الكبيرة:

الأول هو أنها تدمر الشباب؛ فوسائل التواصل الاجتماعي تعد بإنهاء الشعور بالوحدة لكنها تؤدي في الواقع إلى زيادة في العزلة وتلقين مكثف للتهميش الاجتماعي. وفي حين أن الرسائل النصية والتقنيات الأخرى تتيح لك المزيد من التحكم في تفاعلاتك الاجتماعية لكنها تؤدي إلى تفاعلات أضعف ومشاركة واقعية أقل مع العالم.

المراهقون الذين يقضون يوميا ثلاث ساعات أو أكثر على الأجهزة الإلكترونية تصل لديهم عوامل خطر الانتحار إلى 35%

وكما أوضحت عالمة النفس الأميركية جين توينج في كتاب لها بأنه منذ انتشار الهواتف الذكية قل بشكل كبير احتمال خروج المراهقين مع أصدقائهم وصار احتمال الانخراط في العمل أقل. وبالنسبة لتلاميذ الصف الثامن الدراسي الذين يقضون 10 ساعات أو أكثر أسبوعيا على وسائل التواصل الاجتماعي فإن 56% منهم معرضون لأن يكونوا تعساء أكثر من الذين يقضون وقتا أقل، وهذه الفئة من التلاميذ أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة 27%.

شركات شبه احتكارية
والمراهقون الذين يقضون ثلاث ساعات أو أكثر يوميا على الأجهزة الإلكترونية فإنه تتولد لديهم عوامل خطر الانتحار بنسبة 35%. أما الفتيات فأكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب بنسبة 50%.

والنقد الثاني لهذه الصناعة هو أنها تسبب إدمان جني المال عمدا. فشركات التكنولوجيا تدرك ما يسببه ارتفاع مادة الدوبامين في المخ، ولذلك تزين منتجاتها بـ"تقنيات الاختطاف" التي تغرينا وتوقعنا في "حبائل الإكراه". ومثال ذلك طريقة "سنابستريك" من سنابتشات التي تكافئ الأصدقاء الذين يصورون بعضهم البعض كل يوم، ومن ثم يتولد لديهم سلوك إدماني.

والنقد الثالث هو أن آبل وأمازون وغوغل وفيسبوك هي الشركات شبه الاحتكارية التي تستخدم قوتها السوقية لغزو الحياة الخاصة لمستخدميها وفرض شروط مجحفة على مبدعي المحتوى والمنافسين الأصغر حجما. ويزداد الهجوم السياسي على هذه الجبهة؛ فاليساريون يهاجمون شركات التكنولوجيا لتغولها واليمينيون يهاجمونها لتقدميتها الثقافية، ومن ثم سيقل عدد المدافعين عن التكنولوجيا على الساحة الوطنية.

ويرى الكاتب أن الخطوة الصحيحة لكي تصلح صناعة التكنولوجيا مسارها هو الخروج إلى العلن وتطهير التلوث الذي أحدثته. ويشير إلى وجود نشطاء يحاولون نقل عالم التكنولوجيا في الاتجاهات الصحيحة، وضرب لذلك مثلا بتطبيق اسمه "Moment" يتعقب ويتحكم في استخدام الهاتف.

وعلقت الصحيفة بأن الإنجاز الكبير سيأتي عندما يعترف المديرون التنفيذيون للتكنولوجيا بوضوح بالحقيقة الجوهرية، وهي أن تقنياتهم تكون مفيدة جدا للمهام والملذات التي تتطلب أشكالا ضحلة من الوعي، ولكنها غالبا ما تحشد وتدمر الأشكال الأعمق من الوعي الذي يحتاجه الناس للنجاح؛ فالإنترنت مكان للاتصال البشري وليس للحميمية وهي مكان للمعلومات وليس للتأمل، وهي مكان للتنقيب والبحث وليس لتثبيط الهمم.

المصدر : نيويورك تايمز