الوثائق السرية لوزارة الخارجية الفرنسية

epa000356634 Quai d'Orsay palace, the French foreign ministery in Paris, Thursday 18 December 2003. France's government plans to shift its diplomatic service from the palace by the Seine River, where it has been based for 150 years. The proposal Thursday from Prime Minister Jean-Pierre Raffarin would see the foreign minister and more than 3,000 other ministry officials at the Quai d'Orsay and nearly a dozen other locations around Paris grouped together on a single site in the 13th district in the south of the French capital. EPA/HOSLET OLIVIER
163 سفارة لفرنسا عبر العالم (الأوروبية)

كيف كان سفراء فرنسا يعيشون ويحللون الأحداث الرئيسية في النصف الثاني من القرن العشرين؟ هذا ما كشفته البرقيات الدبلوماسية التي نشرت بعضها مجلة فرنسية تحت إشراف المؤرخ موريس فايس.

تقول لوفيغارو مكازين إن البرقيات التي اطلعت عليها تعكس انخراط فرنسا في الشؤون الدولية بين الثامن من مايو/أيار 1945 و11 سبتمبر/أيلول 2011.

وتضيف أنها فوجئت بوضوح التحليلات ودقة المعلومات وملاءمتها للظروف، ناهيك عن مرونة الأسلوب الكتابي الذي شمل البيئة المحيطة والرجال المؤثرين فيها، فهذه البرقيات الدبلوماسية المشفرة غنية بالرموز التي تعطي إشارات عن حدث قد يكون بعيدا، إذ إن الدبلوماسي يجمع بين من يستشرف المستقبل والخبير الإستراتيجي والصحفي وأمين الخزانة.

وعلى الرغم من تراجعها الاقتصادي والعسكري، فإنه لا يزال لفرنسا اليوم ممثلون رسميون في 163 سفارة عبر العالم (الثالثة من حيث عدد الممثليات بعد الولايات المتحدة والصين)؛ مما يجعل منها وسيطا نشطا في مفاوضات دولية لا حصر لها، حسب المجلة.

برقيات معبرة:
وفي ما يلي بعض البرقيات التي كشفت معلومات مهمة، والتي كان لبعضها أثر في مجريات الأحداث:

ففي عام 1956، وبعد إعلان الرئيس المصري تأميم شركة قناة السويس، بعث السفير الفرنسي بالقاهرة برقية عبر فيها عن دهشته وغضبه مما قام به "الدكتاتور المصري"، مطالبا "برد قوي" "وحصار فوري" لمصر.

وفي عام 1962 بعث السفير الفرنسي بكوبا برقية أكد فيها أن الروس أدخلوا إلى كوبا ألفي شاب جزائري وألفي شاب صيني، وهي المعلومات التي أرسلتها فرنسا إلى واشنطن، وكانت كافية لتنبيهها إلى المحاولة الروسية لنشر صواريخ في كوبا.

وفي عام 1975، كانت برقية السفير الفرنسي بتايلاند كافية للتحذير من أن الخمير الحمر الذين احتلوا العاصمة الكمبودية لتوهم بدؤوا ما لا يمكن أن يوصف إلا بأنه "إبادة جماعية".

ويورد السفير شهادة جنرال -وصفه بالدقيق في وصفه- استطاع الهروب بجلده وجاب البلاد بحثا عن مخرج، فرأى بأم عينه ما حل بالعاصمة من ترحيل سكان العاصمة ومذبحة للضباط وإجبار على العمل القسري.

واستغربت الصحيفة في تعليقها على هذه البرقية عدم نشر الحكومة الفرنسية هذه المعلومات آنذاك، خاصة أن العديد من المثقفين والصحفيين ظلوا يضفون على ما حدث بكامبوديا صفة "حرب التحرير من نير الإمبريالية"، ولم يدركوا إلا متأخرين أن ما حصل لم يكن سوى إبادة جماعية مبنية على عقيدة ماوية للثورة الثقافية والكراهية الطبقية؛ نتج عنها مقتل مليون وسبعمئة شخص.

وعلق السفير الفرنسي بواشنطن على أحداث 11 سبتمبر 2001 بقوله "إن كانت هذه حربا فكيف نشنها؟ وكيف ننتصر فيها؟ وكيف ننهيها؟" وعلقت المجلة على ذلك بقولها "بعد 16 عاما لا يزال السؤال مطروحا".

كما علق السفراء على تحولات لاحظوها لدى بعض الشعوب، فها هو السفير الفرنسي بأنقرة أرنولد ووبلر يلاحظ في برقية بعثها في 26 يناير 1971 أن ثمة صحوة إسلامية متنامية في المجتمع التركي.

‪عرفات بدا أكثر بشاشة من رابين‬ (رويترز)
‪عرفات بدا أكثر بشاشة من رابين‬ (رويترز)

ويعدد السفير في برقيته الكثير من المعطيات التي تبرر ما ذهب إليه، وكان ذلك قبل عشر سنوات من بدء بعض الجامعات الغربية تحاليل تتحدث عن بداية ظهور قوة إسلامية يحسب لها حساب بتركيا.

ويؤكد السفير في برقيته هشاشة حركة التحديث القسري التي فرضها مصطفى كمال أتاتورك بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية.

وتعلق المجلة على ذلك بقولها كثيرا ما انتقدت النخبة التركية العلمانية الأوروبيين لعدم تسريع انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي لإنقاذها من هؤلاء الشياطين (الإسلاميين).

والغريب في الأمر، أنه لم تمض سوى أسابيع على برقية ووبلر حتى وقع انقلاب أطاح برئيس الوزراء التركي سليمان ديمريل الذي اعتبرت سياسته القائمة على "العودة إلى الإسلام" مستفزة بشكل لا يمكن تقبله.

وفي عام 1979 تنبأ كل من سفيري فرنسا بموسكو وكابول بالتدخل الروسي المباشر في أفغانستان لإنقاذ حليفهم في الحكم الذي كان مهددا بمعارضة إسلامية متنامية.

ولم يخف الدبلوماسيون الفرنسيون عدم رضاهم عن الدور الثانوي الذي خصص لهم في اتفاقيات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ كانوا فقط بين ثلاثة آلاف مدعو لحضور توقيع ذلك الاتفاق، وقد مكن ذلك السفير الفرنسي بواشنطن جاك أدرياني من وصف الجو وأخذ ملاحظات دقيقة على كل من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين خلال إلقاء كل منهما كلمته وقت التوقيع.

يقول أدرياني كان عرفات متهلل الوجه وألقى "خطابا رصينا رائعا". وعلى النقيض من ذلك، بدا رابين هزيلا "يراوح بين رجليه تارة يحرك واحدة وتارة الأخرى، لقد فاضت كلمات هذا الرجل -المعروف بصلابته- بالعاطفة، وإن لم يسعف ذلك ارتجاف صوته وتعابير وجهه".

وتعلق المجلة على ذلك بقولها "نعم لقد كان الزعيم الإسرائيلي يدرك أنه يخسر الكثير من هذا الاعتراف الذي كان بالنسبة لعرفات انتصارا سياسيا في حد ذاته، نعم لقد كانت خسارة رابين كبيرة وكانت نهايته الاغتيال لتجرئه على توقيع مثل تلك الاتفاقيات".

ونشرت هذه البرقيات وغيرها بتفاصيلها وصورها في كتاب من 480 صفحة، يصدر عن اليونوكلاست في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2017.

المصدر : لوفيغارو