العودة إلى المربع الأول في مصر

Caption:A graffiti depicting a ruling military puppeteer manipulating Egypt's presidential candidates Ahmed Shafiq (R) and Mohammed Mursi (L) appears on a wall in Tahrir square on June 15, 2012. Egyptian parties and activists have accused the ruling military council of staging a 'counter-revolution,' after a series of measures that consolidated its power ahead of polls to choose a new president.
undefined
 تصدر حكمان بحل برلمان مصر، وبطلان قانون العزل السياسي في مصر اهتمام الصحف الإسرائيلية، فتحدثت إسرائيل هايوم عن قرارات أعادت الصراع على السلطة إلى مربعه الأول، وهآرتس عن معضلة الإخوان الممزقين بين خيار شن ثورة جديدة، وخيار التمسك بخطوة دستورية محفوفة بالمخاطر، فيما اشتمت معاريف رائحة انقلاب وراءه جيش يخشى على مصالحه.

وفي مقال بعنوان "مصر عادت إلى المربع الأول"، كتب إيال زيسر في إسرائيل هايوم أن الأحزاب الإسلامية بدت قبل ستة أشهر كمن كسب بالضربة القاضية الصراع على مستقبل هذا البلد بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، وأثبتت بذلك أن "الإسلام هو مستقبل مصر"، وها قد تبين الآن أن فرحة الفائزين وأيضا الخوف الذي سيطر على الغرب وإسرائيل كان مبكرا بعض الشيء.

الصراع في مصر -كما يرى زيسر- هو بين إسلاميين يريدون تحويل مصر إلى دولة ثيوقراطية وأصحاب التيار المدني الذين يريدون الحفاظ على وضع قائم على فصل الدين عن الدولة، التي يريدون منع وقوعها في يد الإخوان وحلفائهم.

في هذا الصراع -يضيف- حقق أمس أنصار التيار المدني مكسبين هامين، بعد أن قضت المحكمة الدستورية -التي تعج بأنصار النظام القديم- ببطلان قانون العزل السياسي الذي أقره برلمان يسيطر عليه الإخوان -ما سمح لأحمد شفيق بالاستمرار في السباق الرئاسي- وأيضا ببطلان برلمان فاز الإسلاميون بأغلب مقاعده.

أحكام المحكمة تعيد الصراع إلى مربعه الأول

المربع الأول
أحكام المحكمة -التي استندت إلى أدلة فنية- تعيد الصراع إلى مربعه الأول، لكنه سيجري هذه المرة في ثلاثة مواقع: في ميدان التحرير حيث سيحاول الإخوان تعبئة أنصارهم ضد الأحكام، وفي جولة الإعادة، ثم أخيرا في الانتخابات التشريعية المعادة، حيث سيحاولون استعادة مكتسباتهم، لتكون المعركة بذلك قد عادت لمربعها الأول، بحيث من الصعب بمكان الآن التكهن بتاريخ نهايتها أو بنتائجها.

وفي مقال آخر في الصحيفة نفسها تحدث إيلي ليئون عن قرارات جاءت يومين قبل جولة الإعادة، وضعت مصر على حافة الفوضى، وفاجأت الطبقة السياسية، بمن فيها الإخوان الذين كانت الأحكام بمثابة كارثة عليهم.

لم يكن بطلان قانون العزل -الذي أقره برلمان يسيطرون عليه مع حلفائهم من الإسلاميين- الحبة الكريهة الوحيدة التي أجبروا على تجرعها، فبعد زمن قصير قضت المحكمة أيضا ببطلان البرلمان نفسه.

انقلاب ناعم
الحكمان -اللذان أهلا أيضا أحمد شفيق لخوض جولة الإعادة -أثارا مخاوف الإخوان من أن يكون البساط يسحب من تحت أقدامهم، فقد "انقلبت الأوضاع رأسا على عقب" حسب تعبير قيادي الجماعة محمد البلتاجي، الذي اتهم المجلس العكسري وأنصار حسني مبارك بهندسة انقلاب مستغلين في ذلك النظام القضائي، قائلا "إنها مصر التي يريدها شفيق والمجلس العسكري والتي لن أقبل بها بأي ثمن".

غضب من القرار أيضا الناشطون الليبيراليون الذين قادوا الثورة، والذين يرون فيما حدث "انقلابا عسكريا ناعما" كما قال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

بالمقابل، فضل مرشح حزب الإخوان محمد مرسي تهدئة الخواطر، قائلا إنه سيحترم قرار المحكمة الذي وصفه غريمه شفيق بـ"التاريخي".

يقول ليئون إن شفيق حق له أن يسر بالحكم، الذي لم يمهد له فقط طريق العودة إلى السباق الرئاسي، بل وعزز أيضا فرص فوزه إذا كانت نسبة المشاركة كبيرة.

السؤال الآن هو ماذا سيفعل المجلس العسكري الذي منح نفسه السلطات التشريعية -التي كانت للبرلمان المنحل- وأعلن حل اللجنة التأسيسية التي كان منوطا بها صياغة الدستور؟

قرارات المحكمة ليست أقل من ثورة على الثورة بالنسبة لحركات الاحتجاج والإخوان
"
تسيبي بارئيل

لم تكن هناك قرارات المحكمة فحسب، بل أيضا مرسوم منح الجيش سلطات واسعة في توقيف المدنيين، تشمل محاكمتهم في محاكم عسكرية، بحجة محاولة منع أحداث الشغب خلال انتخابات الرئاسة.

ثورة على الثورة
هذه القرارات يقول تسيفي بارئيل في مقال في هآرتس "ليست أقل من ثورة على الثورة" في نظر حركات الاحتجاج وجماعة الإخوان الخاسر الأكبر فيما جرى، والتي ستضطر للتنافس مجددا على ثلث مقاعد برلمان -لا يمكنه الانعقاد الآن- في أجواء تشهد تراجعا في شعبيتها.

يؤشر على هذا التراجع كما يرى بارئيل فوز مرشح الإخوان محمد مرسي بـ 25% فقط من أصوات الجولة الأولى للرئاسيات، مقابل أكثر من 50% لثلاثة مرشحين علمانيين.

لذا يرى بارئيل أن الانتخابات التشريعية الجديدة ستقوض أكثر قوة الإخوان، في ضوء وجود اعتراف شعبي بأن معالجة المشاكل الاقتصادية أولى من ثورة على النظام، وأن مرشحا محنكا كشفيق أقدر من الإخوان على حل هذه المشاكل.

ويرى بارئيل أن الإخوان أمام معضلة: ثورة جديدة بميدان التحرير، أو التمسك بالخطوة الدستورية والتنافس على الرئاسة والمخاطرة بفقدان منصب الرئيس والتأثير البرلماني. فهم إن مضوا قدما في الرئاسيات لن يتمكنوا من الثورة على نتائجها لأنهم سيخسرون مصداقيتهم، وإن خرجوا إلى الشوارع فلا شيء يضمن لهم انضمام الرأي العام إليهم.

مفارقات الثورة
وهكذا انتقلت مقاليد القوة إلى المجلس العسكري الذي سيؤدي الرئيس القادم اليمين أمامه لا أمام البرلمان، والذي سيشكل لجنة صياغة الدستور، ويمكنه التأثير مجددا على نتائج التشريعيات، وكل ذلك يجعله هدفا لانتقادات مكونات الحراك السياسي باستثناء الموالين لشفيق والنظام القديم.

لكن بارئيل يسجل المفارقة التالية: قرارات المحكمة هي ثمرة تغييرات حملتها الثورة، فقد اتخذت بالاستناد إلى تفسير قضائي ملموس أساسه أن حركات سياسية تنافست في التشريعيات على أماكن مخصصة للمرشحين المستقلين بما يناقض قانون الانتخابات الجديد المجاز هذا العام، فيما قرار بطلان قانون العزل هو نفسه جزء من إصلاح قضائي طالبت به حركات الاحتجاج.

وهكذا فإن الإنجازات الدستورية التي حققتها الثورة هي نفسها -كما يرى بارئيل- التي منحت المحكمة، وربما المجلس العسكري، القوة القانونية لإحداث ثورة جديدة، تجعل الرئيس القادم -إن جرت الانتخابات فعليا- بلا برلمان يعتمد عليه لتطبيق قراراته ولا حكومة -يتعين على البرلمان إقرار تشكيلتها- لتنفذ سياساته.

الجيش يخشى نظاما إسلاميا يقطع عن البلد مراكز الدعم الاقتصادي والعسكري ويحرمه من دوره بالاقتصاد

مصالح الجيش
الكاتب في صحيفة معاريف يهودا بلنجا اشتم في ما حدث رائحة انقلاب قاده الجيش الذي نال بداية عطف الشعب بعد أن حمل مبارك على التخلي عن السلطة، لكنه سرعان ما تبين أنه لا يريد ترك مقاليد الأمور.

ورغم أن المصريين استبشروا بمستقبل جديد بعد الانتخابات التشريعية -يكتب بلنجا- فإن النسبة المفاجئة التي حصل عليها شفيق في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة، أثارت مخاوف الناس من أن يكون للجيش يد في ما حدث.

الاعتقاد بوجود انقلاب تجمع عليه الطبقة السياسية في مصر، حيث يخشى الجيش نظاما إسلاميا يقطع عن البلد مراكز الدعم الاقتصادي والعسكري، ويسن إصلاحات تحرم المؤسسة العسكرية من دورها الأساسي في الاقتصاد وتمنح المدنيين الكلمة العليا في تحديد الأجندة السياسية الأمنية.

بلنجا يتوقع جولة عنف أخرى، بسبب إحساس الشارع بأن "الثورة تسرق منهم". هذا الشارع -يختتم بلنجا- لن يلزم، هو وممثلو الأحزاب الإسلامية، الصمت إذا فاز شفيق "مرشح وصديق كبار رجالات القيادة العسكرية" الذين يقودون البلاد إلى حكم عسكري أكثر مما يقودونها إلى الديمقراطية.

المصدر : الصحافة الإسرائيلية