حماس.. شرعية مرغوبة ووسطية مطلوبة

الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وخالد مشعل وأعضاء المكتب السياسي لحركة حماس في زيارة الى الأردن
undefined

لا بد أن رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) خالد مشعل كان يفكر مليا في مفارقات الأقدار بينما كان جالسا على أريكة وثيرة في القصر الملكي بعمان قبالة ملك الأردن عبد الله الثاني الشهر المنصرم.

فقبل 12 سنة تلقى هو وعدد آخر من قادة حماس أوامر بالطرد من المملكة بحجة "ضلوعهم في أنشطة غير مشروعة وضارة". ولما اقتُلِع من قاعدته في الأردن اضطر مشعل لأن يحط رحاله في سوريا المجاورة، لينقطع بذلك أي تواصل رسمي بين النظام الأردني والحركة.

الآن وقد تبدلت الأحوال -كما تشير صحيفة فايننشال تايمز البريطانية- لم يتسن لرئيس المكتب السياسي لحماس العودة إلى الأردن في زيارة رسمية فحسب، بل مُنح شرف الاجتماع لثلاث ساعات مع الملك عبد الله نفسه.

كان اللقاء بمثابة فتح في علاقات الحركة الإسلامية، لكنه لم يكن حدثا معزولا. فخلال الشهرين الماضيين حلَّ قادة حماس ضيوفا على تركيا وتونس ومصر وعدة دول خليجية. فالأبواب التي كانت موصدة في وجوههم لسنوات عديدة ما لبثت أن شُرعت أمامهم. "فمن يتحاشى التحدث إلى حماس؟"، يتساءل مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمان عريب الرنتاوي، قبل أن يستطرد قائلا إن حماس باتت "لاعبا في المنطقة الآن".

انتهت علاقة قادة حماس على نحو سيئ مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد رفض الحركة الوقوف إلى جانبه في وجه الثورة الشعبية التي اندلعت ضده العام الماضي

يدرك قادة المنطقة أمثال الملك عبد الله الثاني جيدا أن الإسلام السياسي -كما تسميه الصحيفة البريطانية- في صعود في كل أرجاء الشرق الأوسط، وموجة التغيير التي تغمر العالم العربي أوصلت الأحزاب الإسلامية إلى مقاعد البرلمانات وإلى سدة الحكم أيضا. وهي تساعد حماس للخروج من غيابة التجاهل.

ومع أن الحركة يُنظر إليها في الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل على أنها "منظمة إرهابية"، فإنها في العالم العربي تكتسب ثقة جديدة وحلفاء جدداً وشرعية جديدة.

بيد أن الثورات الأخيرة وضعت الحركة إزاء أخطار سياسية وتوترات داخلية جديدة. فالربيع العربي أرغم حماس على تحويل مركزها الجغرافي بعيدا عن دمشق صوب عواصم عربية أخرى ومعقلها التقليدي في غزة، "ليُدَقُ أسفين بين الحركة وأهم دولتين راعيتين لها هما إيران وسوريا". وإزاء ذلك، اضطُر قادة حماس لفتح حوار جاد وطويل لبحث: في أي طرق تتجه الجماعة؟

يقول مسؤولون إن الحركة شرعت في إعادة تقييم هيكلها وعلاقتها بالأطراف الفلسطينية الأخرى. بل إن بعض أعضائها بدؤوا في إرسال إشارات توحي بأن حماس ربما تكون على استعداد لتليين مواقفها، لاسيما موقفها من "استخدام العنف ضد إسرائيل"، بحسب تعبير فايننشال تايمز.

الربيع العربي وضع حماس إزاء أخطار سياسية وتوترات داخلية جديدة. فالثورات أرغمت حماس على تحويل مركزها الجغرافي بعيدا عن دمشق صوب عواصم عربية أخرى ومعقلها التقليدي في غزة

ولعل ما يدفع بهذا التحول هو الضرورة المحضة على أقل تقدير. فقد انتهت علاقة قادة حماس على نحو سيئ مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد رفض الحركة الوقوف إلى جانبه في وجه الثورة الشعبية التي اندلعت ضده العام الماضي. وهو الانشقاق الذي أدى إلى نزوح مسؤولي حماس وعائلاتهم عن دمشق، مقر مكتبهم السياسي منذ عام 1999.

ولقد أغضب موقف حماس تجاه الانتفاضة السورية "إيران التي تمثل الدعامة الأخرى للحركة ومصدر تمويلها الأساسي بالمال والسلاح والتدريب". ووفقا لمسؤولين إسرائيليين فإن طهران قلصت تمويلها لحماس ردا على موقفها هذا، وحوَّلت بعض دعمها المالي لها إلى حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.

ويقول مراقبون إن ما حدا بحماس لتغيير موقفها من سوريا وإيران هو إدراكها أن نظامي الحكم في البلدين سيخرجان من ثورات الربيع العربي خائري القوة، هذا إذا ما كُتب لهما البقاء على قيد الحياة.

ثمة مظهر آخر من مظاهر التغيير في المواقف، وهو أن حماس بدأت تُحيي علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، حيث تجلى ذلك في اتفاق المصالحة الذي أبرمته مؤخرا مع حركة فتح التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

يرى مراقبون أن ما حدا بحماس لتغيير موقفها من سوريا وإيران هو إدراكها أن نظامي الحكم في البلدين سيخرجان من ثورات الربيع العربي خائري القوة، هذا إذا ما كُتب لهما البقاء على قيد الحياة

على أن أكثر التطورات اللافتة للنظر داخل حماس ذلك الحوار الذي يدور بشأن إجراء إصلاحات شاملة في الحركة. ولعل الفكرة الرئيسية في الحوار تلك المتعلقة بإعادة تنظيم حركة حماس لتصبح الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، وهي خطوة من شأنها أن تُقربها أكثر وأكثر من القوى السياسية والاجتماعية الصاعدة في العالم العربي. كما أنها ستتيح للحركة إجراء فصل واضح بين جناحيها السياسي والعسكري.

ومن حق قادة حماس الاعتقاد بأن الربيع العربي جعلهم في نهاية الأمر يقتربون أكثر من تحقيق اثنين من أهم أهدافهم، وهما الحصول على الشرعية الدولية، وقيادتهم للحركة الفلسطينية.

ويعتقد بعضهم -بمن فيهم خالد مشعل- أن على حماس أن تتغير هي الأخرى لكي تحقق تلك الأهداف. فتقسيم حماس إلى جناحين متميزين، على سبيل المثال، ربما يسمح لذراعها السياسية بالبروز كشريك في المفاوضات يكون أكثر قبولا.

ثم إن إبرام اتفاق مع فتح والانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية من شأنه أن يُعزز مكانة الحركة لدى الفلسطينيين، ويمنحها سلطة غير مسبوقة للبت في الشؤون الدبلوماسية الفلسطينية.

وأيا كان الطريق الذي ستختاره حماس، فإن الراجح هو أنها ستزداد قوة ونفوذا داخل الحركة الفلسطينية وفي المنطقة.

المصدر : فايننشال تايمز