تحول بموقف إدارة أوباما تجاه سوريا

r_A Syrian protester holds up a shoe next to a picture of Syria's President Bashar al-Assad during a protest in front of the Syrian embassy in Amman April 24, 2011

متظاهرون سوريون ينددون بالأسد أمام السفارة السورية بعمّان (رويترز-أرشيف)

يقول الكاتب الأميركي جوش روغين إن الإدارة الأميركية بصدد اتخاذ مجوعة واسعة النطاق من الإجراءات لشجب وإدانة العنف الوحشي من قبل الحكومة السورية تجاه المتظاهرين، ومع ذلك فإن الشك ما زال يراود المسؤولين الأميركيين بشأن قدرتهم على ممارسة نفوذ كبير على الأزمة المندلعة في البلاد. ومضى يقول في مقال له في فورين بوليسي:

خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من اندلاع الاحتجاجات في سوريا التي بدأت يوم 25 مارس/آذار الماضي، كان الجدل الداخلي في أوساط إدارة الرئيس باراك أوباما حول كيفية الرد، بينما كان موقفها العلني يتسم بالحذر، حيث كان على الإدارة أن تنتقي كلمات بياناتها بحرص في ما يتعلق بإصدار التصريحات بخصوص السياسة الخارجية في ظل انشغالها بالحرب على ليبيا، علما أن الشكوك كانت تساورها بشأن ما إذا كانت الأمور في سوريا ستصل الحد الذي بلغته من الاضطرابات حاليا، وفي الوقت نفسه كانت تشجع الرئيس السوري بشار الأسد على انتهاج سبيل الإصلاح والمصالحة.

لكن منذ أسبوعين، تغيرت الحالة داخل الإدارة الأميركية بسبب القمع الوحشي الذي مارسه الأسد، وإدراكها أنه لم يكن يصغي للأصوات المؤيدة للإصلاح من داخل وخارج سوريا، وبعد سلسلة من المداولات بلغت أوجها باجتماع نواب رؤساء اللجان في مجلس الأمن القومي في الأسبوع الماضي تم رسم مجرى سياسي جديد، ومن المتوقع صدور أمر تنفيذي حول سوريا خلال الأيام القادمة، ومسودة إعلان رئاسي تطرح في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وتحديد شخصيات سياسية سورية جديدة لفرض عقوبات عليها، وانتهاج لهجة أشد حزما بخصوص العنف والذي سيشتمل على إشارات إلى النفوذ الإيراني في سوريا.

القمع الذي تعرض له المتظاهرون السوريون دفع إدارة أوباما إلى مراجعة سياستها تجاه نظام الأسد

وقال أندرو تابلر أحد أعضاء معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى "لن تستهدف العقوبات الجديدة الأسد شخصيا، ولن تكون هناك دعوات لرحيله"، وأضاف "لقد ولى زمن إصدار البيانات، ونحن على مفترق طرق أو منعطف جديد ربما لا نعلم إلى أين يقودنا بعد".

وقد تعرضت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى الانتقاد بسبب بيانها الذي أصدرته يوم 27 مارس/آذار الماضي الذي جاء فيه "هناك العديد من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين ممن زاروا سوريا في الأشهر الأخيرة قالوا إنهم ما زالوا يعتقدون أن الأسد شخصية إصلاحية". ولكن وبناء على المعلومات المتوفرة آنذاك، فإن معظم أعضاء الإدارة لم يعتقدوا أنها قالت شيئا يجافي الحقيقة، وقد قال العديد من مسؤولي الإدارة لقناة الكيبل الإخبارية إن الإدارة قد استنتجت خطأ أن الأزمة السورية لن تبلغ إلى المستوى الخطير الذي وصلت إليه، وهو السبب في اتخاذهم موقفا أو منهجا يتسم بالبطء في ما يتعلق بالاحتجاجات.

لكن وبعد شهر من ذلك، ومع اكتساب حركة الاحتجاجات زخما وقوة جديدة وانتشارها إلى مختلف أنحاء المدن السورية، لم يعد أحد داخل إدارة أوباما يردد ذلك الآن، وفي هذا السياق قال أحد مسؤولي إدارة أوباما "تنكب العديد من الناس جادة الصواب، وكان التقييم العام داخل الإدارة بأن ذلك لن يحدث وأن الأسد سيكون جيدا جدا في مواجهة تلك الحركات في مهدها، وأنه لم يكن يشعر بالخوف الذي سيدفعه إلى ممارسة القسوة والوحشية في رده، وهذه الأمور مجتمعة جعلت ما حدث أكثر من مفاجأة وزادت من صعوبة التعامل معها".

وفي ما يتعلق بالأسابيع الثلاثة الأولى من الاحتجاجات، قال المحللون لصناع السياسة إن من غير الواضح إن كانت المعارضة تحظى بدعم واسع داخل البلاد، وما إن كانت حركة الاحتجاجات ستستطيع الحفاظ على نفسها وتزداد حجما. واستطرد المسؤول يقول "بعد ذلك رأينا يوما بعد يوم وبالتدريج أن الاحتجاجات تزداد اتساعا، وتأكدنا أن الأمور ستسير نحو الأسوأ وأن الأسد لن يصغي لأي كان"، ولتفسير موجة الشجب المتزايدة وقسوة الحكومة السورية قال المسؤول "كان ذلك ردا على الأحداث على الأرض".

وكانت إدارة أوباما منقسمة على الدوام بين أولئك الذين يفضلون بذل المساعي لإقناع الأسد للابتعاد عن إيران وبين من يفضلون التركيز على المفاوضات السورية الإسرائيلية (الذين يعرفون أحيانا بأنصار عملية السلام)، وبين أولئك الذين يعتقدون أن الأسد سيبقى على الدوام دكتاتورا فظا ومعاديا للغرب ويجب معاملته على هذا الأساس.

إدارة أوباما كانت منقسمة بين الذين يفضلون إقناع الأسد للابتعاد عن إيران وبين من يفضلون التركيز على المفاوضات السورية الإسرائيلية

ومع تصاعد العنف في سوريا، دفعت مجموعات مختلفة من الإدارة باتجاه ممارسة أنواع مختلفة من العمل، ففي وزارة المالية على سبيل المثال دفع خبراء العقوبات نحو اتخاذ إجراءات محددة من شأنها ممارسة ضغوط مالية على الحكومة السورية، وهذه المعايير هي الخيارات الأسرع والأسهل لأنها لا تحتاج إلى موافقة الكونغرس وما يرافقها من مساومات.

أما في وزارة الخارجية، فإن مكتب شؤون الشرق الأدنى كان يضغط كذلك من أجل سرعة اتخاذ القرار، وقالت مصادر متعددة في الإدارة إن السفير الأميركي لدى سوريا روبرت فورد وخلال بحثه عن مرجعية يسترشد بها خلال مناقشاته مع نظام الأسد كان يدفع باتجاه مطالب أميركية معينة، وما هي الضغوط التي يمكن ممارستها في حال عدم تقيد سوريا أو الاستجابة لتلك المطالب.

ومع ذلك فلم تطالب وزارة الخارجية باتخاذ عمل عدائي, وقالت مصادر متعددة إنه عندما تصل المناقشات حول سوريا إلى مستوى المسؤولين أو نوابهم غالبا ما كانت وزارة الخارجية تتخذ خطا حذرا حتى لا توفر سلاحا لمنتقدي الولايات المتحدة والقول إن الغرب يقف وراء الاحتجاجات، بينما كانت هيئة العاملين في مجلس الأمن القومي تتساءل عن مدى النفوذ الأميركي على سوريا وما الخطوات بالضبط التي تريد من الحكومة السورية اتخاذها.

وهناك وجهة نظر داخل الإدارة تقول إن سوريا تمثل مشكلة معقدة بشكل خاص, لأن الولايات المتحدة لا تقيم علاقات جيدة مع أي من الحكومة أو المعارضة السورية وتفتقر للنفوذ والقوة للتأثير على الأحداث في البلاد.

وفي هذا السياق قال مارك لينش أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن "هناك أوساط داخل الإدارة الأميركية تحاول صياغة طريقة لكيفية الرد الأميركي على الربيع العربي، وهي تريد أن ترى ردا أكثر قوة، ولكن يحق لها توخي الحذر، لأنه ليس من الواضح بالضبط مدى التأييد الذي يحظى به المحتجون".

وأضاف لينش يقول إنه لا خيار أمام الإدارة في الوقت الحاضر سوى زيادة مشاركتها، ولكن مع الاستمرار بالأخذ في الحسبان أن الضغط الأميركي سيكون له تأثير محدود حتى لو كان مقترنا بدعم دولي، ويستطرد قائلا "إذا قرر الأسد استخدام القوة الوحشية فإنه في الواقع يقوي من موقف هؤلاء، ولكن ما زلنا لا نملك الكثير من النفوذ".

المصدر : فورين بوليسي