هل انحسر الدور السياسي لجيش تركيا؟

r : Turkey's President Abdullah Gul (R) talks to Land Forces commander General Ilker Basbug (L) during the funeral of Turkish army officer Major Ercument Turkmen at Kocatepe
اعتزال الجيش السياسة فيه مصلحة لتركيا (رويترز-أرشيف)

ترجمة: جميل صيفي
 
على ضوء ما نشر مؤخرا في إحدى الصحف التركية المحلية عن اكتشاف مؤامرة للإطاحة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، نشرت مجلة إيكونومست تقريرا عن تورط الجيش التركي في السياسة وقيامه بعدة انقلابات عسكرية خلافا لما أوصى به أتاتورك الذي كان له الفضل في تأسيس الجيش والجمهورية العلمانية في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.
 
محاولة انقلاب
يحاول المحققون المدنيون والعسكريون الأتراك معرفة حقيقة ما نشرته إحدى الصحف المحلية التركية عن خطة مزعومة من الجيش التركي للقيام بانقلاب عسكري والإطاحة بحكومة الإسلاميين المعتدلين من حزب العدالة والتنمية قيل إنها تشمل تفجير قنابل في المساجد المكتظة في إسطنبول وإسقاط مقاتلة تركية فوق بحر إيجه، مما سيجر تركيا إلى حرب مع اليونان وانتشار الاضطرابات في مختلف أنحاء تركيا.
 
وهذا ما استنكره رئيس أركان الجيش مستهجنا أن يقوم جنوده الذين يرددون اسم الله بقصف المساجد, ودفع الحكومة التركية إلى إلغاء البروتوكول المسمى "إيماسيا" الذي يسمح للجيش بتولي السلطة في المناطق التي تشهد اضطرابات وانهيارا لسلطة القانون.
 
لقد تشوهت سمعة الجيش التركي وبات دوره محل تساؤل, ولكن هل انحسرت هيمنته بسبب تحول تركيا إلى ديمقراطية غربية؟ أم أن ذلك مجرد مرحلة في المعركة الطويلة الأمد بين الجنرالات الذين احتكروا السلطة والقوة وبين النخبة السياسية التركية ممثلة في حزب العدالة والتنمية؟
 
تعتبر الإجابات على درجة كبيرة من الأهمية ليس للأتراك وحدهم, فتركيا تحتل مركزا إستراتيجيا بين أوروبا والشرق الأوسط وتمر عبرها إمدادات الطاقة من الشرق, وتمتلك ثاني أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة وتعتبر نموذجا فذا من الديمقراطية العلمانية في بلد غالبية سكانه من المسلمين مقارنة بديمقراطية كل من باكستان وإندونيسيا حيث يتمتع الجيش هناك بالنفوذ القوي.
 
يعتبر الجيش التركي ومنذ أمد بعيد الحامي للجمهورية العلمانية التي أسست منذ 86 عاما على يد كمال أتاتورك، وبرغم مشاكله الأخيرة فإنه ما زال أكثر المؤسسات التركية التي تحظى بالشعبية والاحترام وتضع الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية مثل قبرص والأكراد مما يشكل عقبة كبرى أمام الديمقراطية التركية الكاملة، مع العلم بأن الجيش هو من صاغ الدستور التركي منذ ثلاثين سنة وهو بحاجة ماسة إلى التعديل من أجل زيادة فرص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
 
الجيش والدولة الموازية

الجيش نفذ ثلاثة انقلابات منذ العام 1960 (رويترز-أرشيف)
الجيش نفذ ثلاثة انقلابات منذ العام 1960 (رويترز-أرشيف)

نفذ الجيش ثلاثة انقلابات منذ العام 1960 وشكل مجلس الأمن القومي ومحاكمه الخاصة به وأحكم الجنرالات قبضتهم على السلطة بعد انقلاب 1980 وأطاح بأول حكومة إسلامية تركية في العام 1997 التي حاولت تطبيق قانون الشريعة الإسلامية بتعاون بين الجيش وشخصيات من دوائر الإعلام ورجال الأعمال، كما أنه هدد بالتدخل في العام 2007 لمنع انتخاب عبد الله غل رئيسا للدولة بسبب حجاب زوجته، الأمر المحظور في مؤسسات الدولة كونه رمزا للأصولية الإسلامية.

 
لكن التهديد بالانقلاب كشف عن سوء تقدير للأمور وجد تعبيرا له في فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بولاية ثانية وأصبح غل رئيسا للجمهورية التركية. وفي هذا السياق علق دبلوماسي غربي في أنقرة على ذلك بالقول "حاول الجيش فرض إرادته ولكن الشعب زجره".
 
ومنذ أن ردت المحكمة الدستورية طلب المدعي العام التركي حظر حزب العدالة والتنمية بدعم من الجيش شنت الحكومة هجوما معاكسا وكشفت عن خطط تورط فيها ضباط بمن فيهم ضباط متقاعدون ورجال أعمال وأكاديميون وصحفيون ورجال أعمال من أجل إحداث فوضى واضطرابات في البلاد كمبرر للقيام بانقلاب جديد، ولكن الجيش يصر على أن ذلك مجرد حملة تشهير من قبل فتح الله غولين الذي يتهمه الجيش بأنه هو وأتباعه يحاولون عودة تركيا لتطبيق قانون الشريعة الإسلامية.
 
ومما يدل على تراجع قوة العسكر أن الناس أصبحوا يتساءلون عن جدوى فقدان أرواح أولادهم خلال خدمتهم العسكرية كما حدث في القتال مع حزب العمال الكردستاني في داغليسا مؤخرا بعد أن كان ذلك بمثابة وسام شرف لهم.
 
وقد مررت الحكومة التركية تعديلا دستوريا يمهد الطريق أمام محاكمة العسكريين من قبل محاكم مدنية، وهنا تصدق المقولة بأن الجيش يقوى في حالة وجود حكومة ضعيفة أو وجود خطر يتهدد البلاد، وهناك احتمال بعودة الجيش للتدخل في حالة تصاعد المواجهات مع الأكراد الانفصاليين وتهديد وحدة البلاد تحت بند الدفاع عن العلمانية وفقا لقانون الجيش الداخلي.
 
والنزاعات بين الجيش والسياسيين ليست حديثة العهد في تركيا, ففي العام 1908 نجحت تركيا الفتاة بالإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني وحينها نظر إلى الجيش كأداة  لتحديث البلاد, ولكن ذلك لم يتحقق إلا عندما أسس أتاتورك الجمهورية التركية، مع العلم أن شعبية الجيش التركي تتعزز خلال خدمة العلم التي يؤديها كافة الرجال الأتراك لمدة خمسة عشر شهرا وحيث يدين الجيش بشعبيته إلى عقيدته ونظامه الثقافي الذي يقول: "كل تركي يولد جنديا".
 
جنرال تقدمي وعصري جدا
يعود زهد الجيش حاليا في دخول المعترك السياسي إلى قائده الجنرال باشبوغ المشهود له بالصرامة في التسعينيات حينما كان التمرد الكردي في مناطق جنوب شرق تركيا في أوجه، وهو علماني حتى النخاع ولكنه يدرك الدور المنوط بالجيش أكثر ممن سبقوه ولم يتورط في أي من الانقلابات، وهو لا يرى مكانا للجيش على الساحة السياسية، وفقا لما يقوله محمد بارانسو الصحفي من جريدة الطرف التي نشرت خطة الانقلاب المزعوم.
 
هناك تغيير في تركيا يتمثل في نشر المسلسل التلفزيوني الخاص بممارسات الجنود والانتهاكات التي حصلت خلال انقلاب عام 1980 وقد بثت مقاطع من التعذيب الذي تعرض له السجناء في سجن ديار بكر حيث روى صالح سيزغين وهو سجين سابق أن "الجنود كانوا يدخلون العصي في شرج السجين ويبولون فوقه ويجبرون السجناء على أكل الجرذان الميتة".
 
وبالعودة إلى أتاتورك الذي ألقى خطابا في العام 1909 طالب فيه الجيش بعدم التدخل في السياسة وتوجيه كافة طاقاته لتقوية الجيش بدلا من ذلك, فيبدو أن رسالته تلك قد وصلت الجيش أخيرا بعد نحو 100 عام من ذلك الخطاب.
المصدر : إيكونوميست