سوابق إسرائيل في سرقة الأعضاء البشرية

afp : Palestinian women take part in a protest on September 8, 2009 in the West Bank city of Nablus, calling on Israel to hand over the bodies of relatives killed in fighting with Israeli

فلسطينية ترفع صورة قريبين لها ما زالت إسرائيل تحتجز جثتيهما (الفرنسية-أرشيف)

تسابق القادة الإسرائيليون في مهاجمة مقال نشرته إحدى الصحف السويدية الشهر الماضي واتهمت فيه الجيش الإسرائيلي بالمشاركة في عملية سرقة أعضاء بعض الفلسطينيين, فشتتوا بذلك التركيز على الدعاوى المثيرة للقلق التي تقدمت بها عائلات فلسطينية في هذا الصدد والتي كانت هي محور اتهامات المقال المذكور.

وتمكن الإسرائيليون من جعل إدعاءات "فرية الدم" التي وجهت ضد الصحفي دونالد بوستروم وصحيفة أفتون بلاديت بل والشعب السويدي وحكومة بلاده تطغى على إصرار تلك العائلات على أن أعضاء بعض أقاربهم ممن قتلهم الجيش الإسرائيلي قد سرقت أثناء تشريح غير مرخص به لجثثهم.

وعتقد الصحفي البريطاني المقيم في الناصرة جوناثان كوك إن الأمل ضئيل في العثور على أدلة عن هذه القضية بعد سنوات عديدة من وقوعها إلا في حال نبش قبور الفلسطينيين.

ولا شك أن تهم معاداة السامية التي لا بد من توجيهها في حالة نشر مثل هذه التقارير مثلت هي الأخرى رادعا قويا حال دون إثارة القضية.

ويبدو أن حساسية إسرائيل من تهم سرقة الأعضاء –أو "الحصاد" كما يسمي كثير من المراقبين بخجل هذه الممارسة- طغت على الهموم المبررة لتلك العائلات بشأن الاستغلال وإساءة المعاملة التي ربما تعرض لها أحبتهم.


جثمان الشهيد بلال بعدسة الصحفي السويدي ويظهر أثر التشريح على جسده (الجزيرة)جثمان الشهيد بلال بعدسة الصحفي السويدي ويظهر أثر التشريح على جسده (الجزيرة)
جثمان الشهيد بلال بعدسة الصحفي السويدي ويظهر أثر التشريح على جسده (الجزيرة)جثمان الشهيد بلال بعدسة الصحفي السويدي ويظهر أثر التشريح على جسده (الجزيرة)

يلقي مقال بوستروم الضوء على حالة فلسطيني واحد هو بلال أحمد, البالغ من العمر 19 عاما وهو من قرية إمَتين في شمال الضفة الغربية وقد قتل عام 1992 وأرفق الصحفي بالمقال صورة مروعة لجثة بلال وقد ملئت غرزا.

وذكر بوستروم بالفعل لوسائل الإعلام الإسرائيلية أنه يعرف ما لا يقل عن عشرين عائلة فلسطينية تقول إن جثث ذويها التي أعيدت لها كانت تنقصها بعض الأعضاء, غير أنه لم يذكر إن كان أي من الحوادث التي تحدثت عنها تلك الأسر قد وقعت في الآونة الأخيرة.

ويكشف بوستروم أن الجيش الإسرائيلي اعترف له بأنه أخذ 69 جثة للتشريح من أصل 133 فلسطينيا لقوا حتفهم عام 1992 نتيجة أسباب غير اعتيادية, ولم ينكر الجيش الإسرائيلي هذه الجزئية من تقريره.

والسؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للعائلات الفلسطينية التي تحدث عنها بوستروم هو: لماذا نفذ الجيش الإسرائيلي عمليات التشريح المذكورة؟ فما لم يكن هناك ما يثبت أن الجيش أقدم على ذلك في إطار التحقيق في أسباب وفاة الفلسطينيين, وهو ما لا دليل عليه, فإن عمليات التشريح تلك لم تكن مبررة.

تاريخ إسرائيلي في سرقة الاعضاء

مصدر القلق الأكبر بالنسبة للعائلات الفلسطينية المكلومة هو ما تأكد من أن معهد أبو كبير القريب من  تل أبيب, والذي كان الجيش ينقل إليه قتلاهم للتشريح, باعتباره المركز الإسرائيلي الوحيد المختص في مثل عمليات التشريح هذه, تورط بشكل شبه قطعي في عمليات اتجار بالأعضاء البشرية.

وقد اشتهرت فضيحته داخل إسرائيل, وذلك في فترة قريبة من الفترة التي كان فيها الجيش ينقل إلى المعهد جثث الفلسطينيين للتشريح.

ويبرر قلق الفلسطينيين كذلك كون الطبيب المتهم بنهب أعضاء من أجسام القتلى, البروفسور يهودا هيس, الذي عين مديرا لذلك المعهد في أواخر ثمانينيات القرن الماضي, لم يودع السجن رغم اعترافه بسرقة الأعضاء ولا يزال حتى اليوم كبير أخصائي الطب الشرعي بنفس المعهد.

وهيس هو نفسه الذي كان مسؤولا عن عمليات التشريح عندما كان بوستروم يسجل دعوى العائلات الفلسطينية في عام 1992, وقد تم التحقيق معه مرتين في وقت لاحق أولاهما عام 2002 والثانية في عام 2005 بتهمة سرقة الأعضاء البشرية على نطاق واسع.

وكانت صحيفة يدعوت أحرنوت سباقة في كشف اتجار هيس غير المشروع في الأعضاء البشرية, عندما نشرت في عام 2000 تحقيقا صحفيا ذكرت فيه أن هيس امتهن بيع الأعضاء البشرية, وكانت لديه "قوائم بالأسعار" تحدد سعر كل عضو, مشيرة إلى أنه كان يبيع (بضاعته) في الأساس إلى الجامعات والمعاهد الطبية الإسرائيلية.

ولا يبدو أن هيس قد ارتدع بعد كشف تلك الفضائح, إذ اكتشفت بحوزته مجموعة من الأعضاء البشرية عندما أصدرت محكمة إسرائيلية أمرا بتفتيشه في عام 2002.

 وقد نشر موقع إسرائيل ناشيونال نيوز حينها ما يلي "يبدو أن رؤساء معهد التشريح أقدموا في السنوات الماضية على توزيع آلاف الأعضاء البشرية لأغراض البحث دون إذن واحتفظوا بمخزن للأعضاء في أبو كبير".

ولم ينكر هيس تهمة نهب الأعضاء, معترفا بأن تلك الأعضاء هي لجنود قتلوا في ميدان المعركة وأنها مررت إلى المعاهد الطبية  والمستشفيات لخدمة البحث والتقدم العلمي.

 ولأسباب وجيهة, يرجح أن لا ترضى العائلات الفلسطينية عن تفسير هيس ذلك, خاصة أنه إذا كانت رغبات أسر الجنود الإسرائيليين لم تحترم, فما الذي يمنع هيس من فعل الشيء ذاته بالعائلات الفلسطينية؟

وقد سمح لهيس بالاستمرار في وظيفته كمدير لمعهد أبو كبير, ولم يسرح من تلك الوظيفة إلا في عام 2005 عندما ظهر في العلن مرة أخرى اتجاره بالأعضاء البشرية, وهذه المرة اعترف هيس بأنه أزال أعضاء من 125 جثة من دون ترخيص.

ومقابل اعترافه ضمن صفقة مع المحكمة قرر المدعي العام بموجبها عدم توجيه تهم جنائية له واكتفى بتوبيخه ليستمر هيس في وظيفة كبير أطباء علم الأمراض والطب الشرعي بمعهد أبو كبير.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أن إسرائيل كانت تعاني , كما ذكر ذلك بوستروم, خلال السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي, من نقص حاد في عدد المتبرعين بالأعضاء.

وفي ضوء ما تكشف من حقائق حتى الآن, ثمة ما يدعو وبصورة قوية إلى الاشتباه في أن هيس أزال أعضاء من فلسطينيين شرح جثثهم دون إذن من ذويهم, ولا شك أن هذه المسألة إضافة إلى الدور المحتمل للجيش الإسرائيلي في توفير الجثث لهيس تحتاج لتحقيق.

ويضاف إلى ما سبق تورط هيس في فضيحة أخرى قديمة لم تحل بعد, وهي ترجع إلى خمسينيات القرن الماضي, عندما كانت عائلات أشكنازية تتبنى أطفال اليهود اليمنيين المهاجرين في تلك الفترة إلى إسرائيل بعد إبلاغ ذويهم بوفاتهم على أثر دخولهم للمستشفى.

وبعد التستر على هذه القضية في بادئ أمرها, وتحت إلحاح العائلات اليمنية على الدولة لكشف الحقيقة, وجدت إسرائيل نفسها ملزمة بإعادة فتح الملفات الخاصة بتلك القضية, ولا شك أن القضية الفلسطينية لا تستحق أقل من ذلك.
ولكن, خلافا للعائلات اليمنية, فإن فرص الفلسطينيين في الحصول على أي نوع من التحقيق, ميئوس منها.

فعندما لا تجد المطالب الفلسطينية لإنفاذ العدالة من يدعمها عبر التحقيقات الصحفية أو عبر احتجاجات المجتمع الدولي, فإن إسرائيل لا تجد ضيرا في تجاهل تلك المطالب دونما إحراج.

وفي ظل ممارسة الجيش الإسرائيلي للسلطة والنفوذ دون رقيب أو عتيد ودون خوف من المساءلة, كيف يمكن للفلسطينيين, أو لنا نحن أن نعرف ما يسمح للجنود الإسرائيليين أن يفلتوا من التحقيق بشأنه تحت ذريعة الاحتلال؟ وما هي القيود التي وضعت لمنع حدوث التجاوزات, ومن الذي يخول بمقاضاة الجنود الإسرائيليين إن هم فعلا ارتكبوا جرائم؟

  وإذا كان المسؤولون الإسرائيليون يصيحون "فرية دم" أو "معاداة سامية" كلما انتقدوا, ملحقين بذلك ضررا بالغا بسمعة من يتهمونهم, فما الذي يحفزهم على الشروع في تحقيقات قد تضر بهم أو بالمؤسسات التي يديرونها؟ وما الذي يدفعهم لقول الصدق إذا كان بمقدورهم إخراس منتقديهم دون أن يكلفهم ذلك شيئا على الإطلاق؟

وهذا هو بالضبط ما تعنيه عبارة "السلطة تفسد" ويبدو أن الساسة والجنود الإسرائيليين, وطبيبا شرعيا إسرائيليا واحدا على الأقل لديهم من السلطة الشيء الكثير للغاية- وبالأخص على الفلسطينيين تحت الاحتلال.

المصدر : الصحافة الإسرائيلية