كروغمان: فخ الحوافز المالية

AFPPRINCETON, NJ - OCTOBER 13: Princeton Professor and New York Times columnist Paul Krugman smiles after a champagne toast in his honor following

كروغمان: هناك خطر في أن يجد أوباما نفسه عالقا في فخ سياسي واقتصادي (الفرنسية-أرشيف)
كروغمان: هناك خطر في أن يجد أوباما نفسه عالقا في فخ سياسي واقتصادي (الفرنسية-أرشيف)

في عموده بصحيفة نيويورك تايمز، كتب الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2008 بول كروغمان مقالا ناقش فيه ما اعتبره تعثرا يواجه نجاح خطة الحوافز الاقتصادية التي تنفذها إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما, محذرا من وقوع الرئيس في فخ هذه الخطة, ومطالبا إياه بالتحدث عنها إلى الشعب الأميركي بمزيد من الشفافية. وفيما يلي أبرز ما ورد في المقال:

بمجرد أن أعلنت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما -حتى قبل أن تأخذ زمام الأمور رسميا- خطتها لإنعاش الاقتصاد, عبّر بعضنا عن قلقه من أن لا تكون الخطة ملائمة، كما انتابنا القلق من أن يكون من الصعب من الناحية السياسية أن تعاد الكرة مرة أخرى.

لكن للأسف ظهر الآن أن تلك المخاوف كان لها ما يبررها, فتقرير التوظيف الخاص بيونيو/حزيران الماضي عكس بوضوح أن تلك الحوافز كانت -حقيقة وحكما- محدودة للغاية, كما أنها أضرت بمصداقية الزعامة الاقتصادية التي يفترض أن تضطلع بها هذه الإدارة, بل إن هناك خطرا حقيقيا من أن أوباما سيجد نفسه عالقا في فخ سياسي واقتصادي.

سأتحدث عن ذلك الفخ وكيفية الخروج منه, لكنني أود أولا أن أعود إلى الوراء قليلا وأتساءل عن طبيعة ردة فعل المواطنين المهتمين بشؤون بلدهم عندما ترد إليهم أخبار اقتصادية مخيبة للآمال: هل ينبغي لنا أن نتحلى بالصبر ونعطي لخطة أوباما الوقت حتى تؤتي أكلها، أم علينا أن نطالب بتدابير أكبر وأكثر جرأة، أم علينا أن نعلن فشل هذه الخطة ونطالب إدارة أوباما بالتخلي عنها كليا؟

وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة, علينا أن نأخذ في الاعتبار ما يحدث في الأوقات العادية.

"
عندما يتضح أن سرعة الانتعاش الاقتصادي لا تكفي لخلق فرص العمل التي تحتاجها الدول, فإن المعهود هو أن يتحلى ولاة الأمر بالصبر وقوة العزيمة لإعطاء تلك السياسات الوقت الكافي لتحقيق النتائج المرجوة, لكنهم قد يفكرون أيضا في تعزيز تلك السياسات
"

ففي نوبات الركود العادية تسند مهمة التغلب على هذه النوبات إلى الاحتياطي الاتحادي الذي يلجأ عادة إلى خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي, ويستمر في ذلك إلى أن يبدأ الاقتصاد في الانتعاش, وقد يتوقف لتقييم أثر تدابيره, فإن رأى أن الاقتصاد ما زال ضعيفا استأنف خفض الفائدة, كما حدث خلال ركود عام 2001.

لكن عندما يتضح أن سرعة الانتعاش الاقتصادي لا تكفي لخلق فرص العمل التي تحتاجها الدول, فإن المعهود هو أن يتحلى ولاة الأمر بالصبر وقوة العزيمة لإعطاء تلك السياسات الوقت الكافي لتحقيق النتائج المرجوة, لكنهم قد يفكرون أيضا في تعزيز تلك السياسات..

وهذا هو ما ينبغي أن تكون إدارة أوباما منهمكة فيه في الوقت الحالي فيما يتعلق بخطة الحوافز المالية التي تنفذها. ومن المهم هنا أن نتذكر أن تلك الحوافز كانت ضرورية لأن مجلس الاحتياطي الاتحادي بعدما خفض الفائدة إلى الصفر، نفدت ذخيرته ولم يبق لديه ما يكافح به هذا الركود.

وهذا يعني أن المسؤولين ينبغي أن يتحلوا بالهدوء في مواجهة النتائج الأولية المخيبة للآمال، وأن يعترفوا بأن هذه الخطة ستستغرق وقتا لتؤتي أكلها كاملا, مع الاستعداد لتقديم مزيد من الحوافز, خاصة أنه اتضح الآن أن حوافز الجولة الأولى كانت قاصرة.

لكن كما كان متوقعا, فإن الجمهوريين وبعض الديمقراطيين تعاملوا مع أي أنباء سيئة كدليل على الفشل بدلا من أخذ العبر منها لجعل السياسة أقوى وأكثر فاعلية.

وهنا يكمن الخطر في أن تجد إدارة أوباما نفسها في فخ سياسي واقتصادي يقوّض قدرتها على الاستجابة بفاعلية لما يعانيه الاقتصاد من ضعف.. وهذا ما عبرت عن خشيتي من وقوعه. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما الذي ينبغي للرئيس وفريقه الاقتصادي فعله الآن؟

لا ضير في أن تدافع إدارة أوباما عما حققته حتى الآن، ولا ضير في أن يقوم جوزيف بايدن نائب الرئيس بجولة في البلاد يسلط خلالها الضوء على الأمور الكثيرة الجيدة التي ساهمت الحوافز المالية -ولا تزال- في تحقيقها..

كما أنه من المعقول بالنسبة لخبراء الاقتصاد التابعين لهذه الإدارة أن يطالبوا بالتحلي بالصبر وأن يبرزوا -وهم محقون في ذلك- أن الحوافز لم يكن يتوقع أن يكون لها الأثر الكامل هذا الصيف ولا حتى هذا العام..

ولكن هناك فرق بين دفاع الشخص عما أنجز حتى الآن، وبين أن يكون دائما في وضع دفاعي, فمن دواعي القلق مثلا أن يعترف بايدن بأن الإدارة "أخطأت" بخصوص الاقتصاد, ثم يشفع ذلك بالدفاع قائلا "ليس هناك أي شيء كنا سنقوم به بصورة مختلفة". وهذا يذكر بنهج إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش التي كانت ترفض الاعتراف بالأخطاء, وهو ما لا يليق بأوباما ولا يمكن للبلد تحمله.

فعلى أوباما أن ينزل إلى مستوى الشعب الأميركي, وعليه أن يعترف بأن ما فعله ربما لم يكن كافيا في المحاولة الأولى, كما أن عليه أن يذكر الأميركيين بأنه يحاول أن يقود البلاد وسط عاصفة اقتصادية حادة.

ما يحتاج إليه باختصار هو أن يتعامل مع السياسة الاقتصادية كما فعله مع المسائل العرقية والسياسة الخارجية, أي التحدث إلى الأميركيين بوصفهم بالغين.

المصدر : نيويورك تايمز