صحف لندن: ساركوزي تحامل على البرقع

الحجاب في دائرة الاضطهاد الفرنسي من جديد

الحجاب في دائرة الاضطهاد الفرنسي من جديد (الجزيرة-أرشيف)

انتقدت بعض الصحف البريطانية ما وصفته بالهجوم على "البرقع" والذي شنه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الاثنين الماضي في خطابه بقصر فرساي، وبينما ذكر بعضها أن لذلك الهجوم علاقة بالحرب على غزة، استبعدت أخرى انطلاق ذلك الجدل ضد لباس النساء المسلمات في بريطانيا.

فقد انتقد أحد كتاب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية المقيم في باريس سيمون كوبر السياسيين الأوروبيين في ما سماه قلقهم الزائد إزاء ملابس المسلمين في الدول الأوروبية، وخاصة في الفترة قبيل الأزمة الاقتصادية الراهنة التي شدت اهتماماتهم إلى إرهاصاتها وتداعياتها بعيدا عن القلق القديم.

وقال كوبر إن هناك علاقة بين الحرب على غزة والهجوم الذي شنه ساركوزي على "البرقع" الذي ترتديه بعض النساء المسلمات في بلاده عبر خطابه أمام مجلسي البرلمان في قصر فرساي الاثنين الماضي.

"
أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة، خرج أبناء الجالية الإسلامية في فرنسا في تظاهرات احتجاجية ضد تل أبيب، وهاجم مجهولون معابد يهودية في فرنسا
"

البرقع وغزة
وقال الكاتب إنه بينما يشهد العالم حقبة جديدة من العلاقات الدولية، يأتي هجوم ساركوزي على "البرقع" الإسلامي ليذكر بالخطاب الغربي ضد المسلمين في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

ومضى إلى القول إنه رغم أن خطاب ساركوزي ربما يكون أحدث صدعا في علاقات الرئيس الفرنسي مع المنظمات الإسلامية في البلاد، فإن القسوة الأوروبية ضد الملسمين في الحقبة الجديدة باتت محدودة، رغم أن بعض التيارات السياسية الأوروبية لم تزل تعتبر الدين "عدوا من الداخل".

وأوضح كوبر أن مجلس مسلمي فرنسا الذي كان أسسه ساركوزي أيام كان وزيرا للداخلية عاد ليخيب آماله لاحتوائه على متطرفين بالإضافة إلى الانقسامات التي شهدها.

وتعود بعض جزئيات خطاب ساركوزي ضد "البرقع" إلى الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث خرج أبناء الجالية الإسلامية في فرنسا في تظاهرات احتجاجية ضد تل أبيب، وهاجم مجهولون معابد يهودية في فرنسا.

وأضاف الكاتب أن خطاب ساركوزي إنما أبعده عن سياسة الرئيس الأميركي باراك أوباما المتمثلة في خطابه من القاهرة الموجه للعالم الإسلامي مطلع الشهر الحالي، عندما قال "لم نأت لنخبر الناس ماذا يرتدون".

"
"البرقع" بات جزءا من الحياة في بريطانيا، ومحاولة حظره قد تأتي بنتائج عكسية
"

ديلي تلغراف

نتائج عكسية
واختتم بالقول إن خطاب ساركوزي ربما لم يكن يستهدف المسلمين في الأرض بقدر ما استهدف بضعة آلاف من المسلمات في فرنسا اللواتي يرتدين البرقع، مضيفا أن بعضهن من الشابات "الراديكاليات" والبعض الآخر من عجائز قدمن إلى البلاد من قرى فقيرة في بلدانهم الأصلية.

من جانبها ذكرت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية أن "البرقع" بات جزءا من الحياة في بريطانيا، وأن محاولة حظره قد تأتي بنتائج عكسية.

وقالت الصحيفة إنه لو تخيلنا أن ملكة البلاد في خطاب يكون أعده لها رئيس وزرائها قالت أمام النواب واللوردات في الجلسة القادمة للبرلمان إن "حكومة بلادي ستحظر ارتداء البرقع، وإنه غير مرحب به في بريطانيا، وإنه في بلادنا لا نستطيع قبول أن يكن النساء حبيسات خلف ستار. فماذا ستكون عواقب ذلك في المجتمع البريطاني؟".

ومضت إلى أن الملكة كانت ستثير غضبا واسعا في الشارع البريطاني لو أنها اقتدت بطريقة ساركوزي في الهجوم الذي شنه على "البرقع"، غضبا من جانب عديدات من المسلمات اللواتي يجب أن يسمح لهن بممارسة شعائر دينهن بالطريقة التي يخترنها.

فرصة تاريخية
وقالت ديلي تلغراف إن ساركوزي استغل فرصة تاريخية ليشن فيها هجومه على جزئية من الزي الإسلامي للمرأة المتمثل في "البرقع"، مشيرة إلى الانعقاد الأول لاجتماع ضم أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في مكان واحد هو قصر فرساي لأكثر من 150 عاما ماضية.

وأما صحيفة تايمز البريطانية فقالت إن بريطانيا لن تفتح أبدا باب نقاش "البرقع" كما فعلت فرنسا، مضيفة أنه ليس مشكلة دينية وإنما هو مسألة تتعلق بحرية المرأة ووقارها وكرامتها.

وقالت إن ساركوزي وحكومته لا يتمتعون بشعبية كبيرة في الأوساط الأوروبية رغم النتائج الجيدة في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي، مضيفة أنه ربما يسعى لإشغال الناس بقضايا مثل "البرقع" في إطار السعي لإلهائهم عن الأزمة الاقتصادية وأثرها في بلاده.

واستدركت بالقول إن النقاش الدائر في فرنسا ربما يقصد من ورائه أن يعكس متانة العلمانية في التصدي لظواهر تخص شرائح عريضة في البلاد من المسلمين واليهود بالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى.

"
جاك سترو سبق له الطلب من بعض المسلمات البريطانيات المنقبات الكشف عن وجوههن أثناء مراجعته مما أدى إلى ثورة غضب في أوساط الجالية الإسلامية في البلاد
"

تايمز

جاك سترو
واختتمت بالقول إن نقاشات تخص المظاهر والممارسات الدينية لا يمكن أن تجد مناخا مواتيا في بريطاينا، مشيرة إلى تصريحات لوزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو في 2006 المتمثلة في قلقه من ارتداء الحجاب الكامل، بدعوى أنه يجعل من أجواء التقارب بين أطياف المجتمع عملية صعبة.

ومضت إلى أن طلبه من بعض المسلمات البريطانيات المنقبات الكشف عن وجوههن أثناء مراجعته أدى إلى ثورة غضب في أوساط الجالية الإسلامية في البلاد.

وعلق أحد قراء الصحيفة بالقول إن السماح للنساء بالسباحة وحدهن في الولايات المتحدة وبريطانيا لا يعود لأسباب دينية، بقدر ما يتعلق بعدم رغبة بعض النساء في أن يشاهدهن الرجال بتلك الصورة، وإن الأمر من جانبهن يتعلق بحقوق الإنسان أكثر من كونه من الجانب الديني.

وتساءل معلق آخر فيما إذا كان بالإمكان منع الراهبات المسيحيات من تغطية رؤوسهن؟ في إطار السعي لحظر "البرقع" تحت ذريعة حقوق الإنسان والحرية، داعيا إلى حرية الناس في اختيار ما يلبسون.

المصدر : تايمز + تلغراف + فايننشال تايمز