عدالة بوش غامضة

باريس ـ وليد عباس
ركزت الصحف الفرنسية الصادرة اليوم في عناوينها الرئيسية على قضايا داخلية بدءا من الأزمة الناجمة عن إضراب الأطباء في فرنسا، ومرورا بظاهرة العنف في المدارس، وانتهاء بالانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستعقد خلال مائة يوم. واستمرت تطورات الحملة الأميركية على الإرهاب، وما يتعلق بمحاكمة أعضاء القاعدة الذين اعتقلتهم القوات الأميركية، وتطورات الوضع في الأراضي الفلسطينية، باحتلال مساحات هامة في الصفحات الدولية.


عدالة بوش
ركزت صحيفة لوموند على التجهيزات الأميركية لتقديم المعتقلين من أعضاء طالبان وتنظيم القاعدة إلى القضاء، في إطار التعليق على إعلان واشنطن عن وجود 364 شخصا من أعضاء المنظمتين في أيدي القوات الأميركية بأفغانستان، وركزت الصحيفة على الغموض الذي يحيط بظروف اعتقال هؤلاء الأشخاص على الأراضي الأفغانية حيث أكد الأميركيون من قبل أن القوات الأفغانية هي التي تقوم بعمليات الاعتقال وتسلم بعض المعتقلين إلى القوات الأميركية، في حين قدم البنتاغون هذه المرة شرحا تفصيليا لظروف اعتقال مجموعات مختلفة من القاعدة بواسطة الأميركيين.


تقديم أشخاص تهيمن عليهم الرغبة في التدمير واحتقار قيمة الحياة البشرية هو أمر يثير الارتياح، لكن يجب أن تكون هذه العدالة عادلة وأن يقتنع الجميع بذلك

لوموند

ولاحظت الصحيفة أن الاستعدادات الخاصة بالمحاكم العسكرية التي يفترض أن تحاكم هؤلاء الأشخاص وفق قرار الرئيس الأميركي، لم تتقدم بما فيه الكفاية وبالسرعة اللازمة. وركزت صحيفة لوموند في افتتاحيتها تحت عنوان "القانون والإرهابيون" على شرعية الإجراءات التي تريد واشنطن اتخاذها لمحاكمة أعضاء طالبان والقاعدة، معتبرة أن تقديم أشخاص تهيمن عليهم الرغبة في التدمير واحتقار قيمة الحياة البشرية هو أمر يثير الارتياح، لكنه "يجب أن تكون هذه العدالة عادلة وأن يقتنع الجميع بذلك"، وأضافت "كان من الأفضل اللجوء إلى القضاء الدولي أو القضاء المدني الأميركي، ولكن الرئيس بوش اختار القضاء العسكري الاستثنائي ليحكم على أشخاص يرفض بوش اعتبارهم أسرى حرب، مما يطرح السؤال على مستوى القانون الدولي عن أحقية الولايات المتحدة في الحكم عليهم". وقالت "لا نستطيع فهم الرئيس الأميركي عندما قال إن هؤلاء السجناء سيحاكمون بطريقة أكثر عدالة من نظام بن لادن وطالبان". وقالت الصحيفة "إن الفارق بين القاعدة والحضارة الديمقراطية هو احترام القيم الأساسية التي تبناها الدستور الأميركي منذ مائتي عام، وأي تصرف يخالف هذه القيم سيلقي بظلال الشك على هذه المحاكم التي وصفها أحد المعلقين الأميركيين المحافظين بأنها هيئات مشوهة على الطريقة السوفياتية".


مصير وزراء طالبان
أما صحيفة لوموند فقد أشارت إلى أن ثلاثة من كبار وزراء حكومة طالبان السابقة سلموا أنفسهم إلى حاكم قندهار الذي أطلق سراحهم مما أثار استياء شديدا في واشنطن. وركزت صحيفة ألفيغارو على الجدل الذي أثاره هذا الإجراء حيث وصف أحد المسؤولين في وزارة الداخلية الأفغانية الأمر بأنه "قرار غير مقبول بالنسبة للشعب الأفغاني"، وطالب قائد هيئة الأركان الأميركية الجنرال ريتشارد مايرز بتسليم هؤلاء الوزراء إلى بلاده قبل أن يجيبه ناطق باسم السلطات المحلية في قندهار مؤكدا "إننا لن نسلم أعضاء طالبان هؤلاء إلى أميركا، والتعامل مع هذه المشكلة هو أمر يخصنا".


تتردد الشبهات بأن القوات الأفغانية هي التي سمحت بفرار بن لادن والملا عمر والمئات من أعضاء شبكة القاعدة

ليبراسيون

وتحدثت صحيفة ليبراسيون في هذا الإطار عن "انقسام الأفغان بشأن مصير طالبان"، مشيرة إلى أن قرار السلطات المحلية في قندهار والجدل الذي ثار بشأن مصير وزراء طالبان الثلاثة تزامن مع صدور أمر من الحكومة الانتقالية المركزية في كابل للوحدات العسكرية الأفغانية التي شاركت في احتلال العاصمة بمغادرتها خلال ثلاثة أيام بحيث تتمكن القوات الدولية وقوات الشرطة الأفغانية الجديدة من السيطرة على الوضع الأمني في كابل.

كما أشارت الصحيفة إلى أن الخلاف بين السلطات الأفغانية المختلفة على مصير مسؤولي طالبان ينفجر في الوقت الذي تنتقد فيه الصحافة الأميركية الاستعانة بالقوات الأفغانية للمشاركة في العمليات على الأرض، مشيرة إلى الشبهات القائلة بأن القوات الأفغانية هي التي سمحت بفرار بن لادن والملا عمر والمئات من أعضاء شبكة القاعدة.

علاقات "ريد" الخفية


تثير رحلات ريتشارد ريد المتعددة تساؤلات كثيرة لدى المحققين، لأنه لا يتمتع بعمل ومستوى مادي يسمح له بالقيام بهذه الرحلات الكثيرة في وقت قصير نسبيا

ليبراسيون

تابعت صحية ليبراسيون تحت هذا العنوان إجراءات التحقيق مع ريتشارد ريد الذي حاول تفجير إحدى الطائرات الأميركية بإشعال فتيل متفجرات أخفاها في حذائه، ويركز المحققون حاليا على استكشاف علاقات ريد واتصالاته، ويبدو أنه لم يتصل بأي شخص في باريس قبل أن يستقل الطائرة الأميركية من مطار رواسي، وسدد ثمن بطاقة الطائرة إلى ميامي نقدا في إحدى وكالات السفر، ولم يقم بأي اتصال في باريس باستثناء اتصال عبر شبكة الإنترنت قام به من الفندق ليلة السفر مع أحد مقاهي الإنترنت في بروكسل، مما دفع بالقاضي الفرنسي جان لوي بروجير المتخصص في قضايا الإرهاب إلى الانتقال إلى بروكسل للتحقيق في تحركات ريد هناك حيث لا يعتقد المحققون أن ريد تحرك بشكل مستقل ومنفرد بعيدا عن منظمات أو شبكات إرهابية.

وتثير رحلات ريتشارد ريد المتعددة تساؤلات كثيرة لدى المحققين حيث تنقل منذ الصيف الماضي بين لندن وأمستردام وتل أبيب والقاهرة وإسطنبول وكراتشي قبل أن يعود إلى أمستردام وينتقل منها إلى بروكسل وأخيرا إلى باريس، وذلك رغم أنه لا يتمتع بعمل ومستوى مادي يسمح له بالقيام بهذه الرحلات الكثيرة في وقت قصير نسبيا.

نهاية الهدنة
نقلت كافة الصحف الفرنسية أنباء العملية التي قام بها أفراد من حركة حماس وأدت إلى مصرع أربعة من جنود الجيش الإسرائيلي، مركزة على أنها تعني عمليا نهاية الهدنة الهشة التي أعلن عنها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.


إسرائيل ممزقة بسبب أعمال إجرامية يقوم بها أفراد متعصبون لحساب منظمات إرهابية، في حين يواجه المدنيون الفلسطينيون عنفا يمارسه جيش تابع لدولة ديمقراطية متطورة وقوية واستعمارية، وهذا النوع من العنف أكثر قسوة

ألفيغارو

ونشرت صحيفة ألفيغارو في صفحة الحوار والآراء مقالين يحمل الأول عنوان "العنف المفروض على الفلسطينيين" وهو بقلم كلود مونكورجي رئيس جمعية أطباء بلا حدود وماكس بلانتافيد الأمين العام للجمعية. ورأى كاتبا المقال أن التظاهر بأن السلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن تصعيد أعمال العنف في المنطقة فيه الكثير من الظلم، وقالا "إن الأسرة الدولية ترتكب نوعا جديدا من الجبن عندما تساوي بين المتطرفين في المعسكرين وتستخدم تعابير متساوية للحديث عن معاناة الشعبين"، وأضافا "إسرائيل ممزقة بسبب أعمال إجرامية يقوم بها أفراد متعصبون لحساب منظمات إرهابية، في حين يواجه المدنيون الفلسطينيون عنفا يمارسه جيش تابع لدولة ديمقراطية متطورة وقوية واستعمارية، وهذا النوع من العنف أكثر قسوة وأقل ظهورا وبالتالي لا يثير اهتمام الإعلام مثل الاعتداءات الإرهابية".

ويحمل المقال الثاني عنوان "عرفات أو إستراتيجية اللعبة المزدوجة" وهو بقلم الصحفي بيير ريهوف الذي ركز على ما وصفه باللعبة المزدوجة للسلطة الفلسطينية، معتبرا أن ياسر عرفات يتحدث بأسلوبين مختلفين وفقا للغة التي يستخدمها، قائلا "إن الإسرائيليين ينصتون حاليا بإمعان لخطابات عرفات باللغة العربية أكثر من أن ينصتوا إلى البيانات الرسمية"، واعتبر الكاتب أن إنكار السلطة الفلسطينية أي علاقة لها بشحنة الأسلحة ليس له قيمة أمام شهادة قبطان الباخرة التي كانت تنقل الأسلحة على شاشة التلفزيون الإسرائيلي.

المصدر : الصحافة الفرنسية