2001 عام السيطرة الأميركية


موسكو – علي الصالح
تصدرت في الصفحات الأولى تقويمات الصحافة الروسية الصادرة اليوم لنتائج العام المنصرم التي وصفته بعام المحاولة الأميركية للسيطرة على العالم تحت قناع مكافحة الإرهاب, في حين اهتمت بلمعان نجم "الجزيرة" في سماء الإعلام واصفة إياها ببطل العام في ميدان الإعلام.

بوتين بين الإنسان والأسطورة


أحداث 11 سبتمبر أبرزت جانبا آخر من شخصية بوتين هو "بوتين الإنسان" الذي بدد "بوتين الأسطورة" في اختياره للطريق الوحيد الصحيح الذي يخدم مصالح روسيا

نوفايا غازيتا

تحت هذا العنوان في صحيفة نوفايا غازيتا (تصدر مرتين في الأسبوع) حاول الخبير السياسي المعروف أندري بيونتكوفسكي تبديد التصور المتشكل عن شخصية الرئيس الروسي بوتين وأشار إلى أن البيرقراطية المتحدة مع نظام الأوليغارشية من عهد الرئيس يلتسين وما يرافقها من غريزة امتلاك السلطة هي التي ابتدعت شخصية "بوتين الأسطورة" لتحتمي به وتحمي مصالحها من خلاله. لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول أبرزت جانبا آخر من شخصية بوتين هو "بوتين الإنسان" الذي بدد هذه الأسطورة في اختياره للطريق الوحيد الصحيح الذي يخدم مصالح روسيا مخالفا بذلك الدوائر المحيطة به وحتى زملاءه في الخدمة (يقصد زملاءه في أمن الدولة).


أضرار الصداقة مع أميركا
بيد أن صحيفة أرغومنتي إي فاكتي الأسبوعية رأت في شخصية بوتين جانبا آخر هو إحساسه بالخدعة، وفي مقال بعنوان "أضرار الصداقة مع أميركا" كتبت تقول "احتفالات عيد الميلاد التي ضمت أسرتي الزعيمين الروسي والبريطاني بوتين وبلير في ضاحية لندن شهدت مباحثات غاية في الجدية جوهرها عدم التفاهم إن لم نقل امتعاض الرئيس الروسي من نظيره الأميركي جورج بوش الذي طالما أحرجه بإعلانه الانسحاب من معاهدة 1972 للدفاع المضاد للصواريخ".

وأضافت أن الرئيس بوتين أعرب عن أسفه لأن كيل المديح المستمر لروسيا من قبل الغرب لم يتحول إلى أفعال ملموسة تسهم في حل المشاكل التي تواجهها مثل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية ومديونية روسيا الخارجية وفتح أسواق السلاح والفولاذ والنسيج أمامها.


ومضت تقول "مقابل ذلك كله اتخذت أميركا عمليا قرارا باحتلال العراق والاستيلاء على بغداد للإطاحة بصدام حسين وراحت تمارس العمل بنشاط على إعداد مشروع مد خطوط نقل الغاز التركماني إلى بحر العرب عبر أفغانستان والذي بات ممكنا بعد ضرب نظام طالبان".

وخلصت إلى القول "يمكن التوقع ببساطة أن سيطرة أميركا العسكرية على حقول النفط العراقية وخطوط نقل الغاز التركماني إلى الأسواق الغربية سيفضيان إلى الانخفاض الحاد لأسعار هاتين المادتين مما سيوجه بدوره طعنة قاتلة للاقتصاد الروسي".


شخصية قابلة للتطور


الرئيس بوتين حقق ما يشبه المعجزة في دقة التزامن بين عملية تحديث البلاد ودخول نادي الدول القادرة على اتخاذ أهم القرارات

فيك

وتناول المحلل السياسي سنانيسلاف تراسوف في صحيفة فيك شخصية الرئيس بوتين من زاوية ثالثة، فرأى فيه شخصية متحركة قادرة على التطور السريع والتفاعل مع الأحداث. وفي مقال بعنوان "عامان مع بوتين" كتب يقول "قل من كان يصدق في الغرب أو في روسيا أن ضابطا برتبة عقيد في مصلحة أمن الدولة قد يتطور مع وصوله سدة الرئاسة من موظف بمهام محدودة إلى لاعب على المستوى الجيوسياسي ينفذ إصلاحات معقدة دون تعريض منصبه للخطر وينشئ سلما جديدا للقيم يحظى بتأييد أكثرية السكان ويحظى بثقة الناس ويتوفق في بناء هيكل هرمي للسلطة رأسه في الكرملين أنقذ الاتحاد الروسي من التفكك".

ولفت الأنظار إلى أن "صداقة بوتين مع الغرب والتي لم يهزها انسحاب بوش من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ, لا تشبه صداقة روسيا مع الغرب في عهد الرئيس يلتسين التي أخذت تراوح بين رغبتها في فتح المزيد من الحسابات في البنوك الغربية وبين هوسها الجيوسياسي. ذلك أن الرئيس بوتين حقق ما يشبه المعجزة في دقة التزامن بين عملية تحديث البلاد ودخول نادي الدول القادرة على اتخاذ أهم القرارات". وعدا عن ذلك فإن اشتراك روسيا في عملية مكافحة الإرهاب أفقدت المقاتلين الشيشان دعم المؤخرة من قبل طالبان، مما وفر للكرملين فرصة سانحة لمعالجة الجرح الشيشاني النازف بسرعة أكبر.


أزمة الشيشان كارثة وطنية
وعودة إلى نوفايا غازيتا إذ يجدر التذكير برأي بيونتكوفسكي في الأزمة الشيشانية "حرب الشيشان التي كلفتنا حياة آلاف الجنود وعشرات الآلاف من المدنيين، دخلت الطريق المسدود. وإذا كان العالم بأسره مستعد لغض الطرف عما يجري في الشيشان فهذا لا يعني أبدا أننا نحن نملك الحق بغض الطرف عن كارثتنا القومية هذه".


عام الانكسارات التكتونية
في مقاله المنشور بصحيفة سوفيتسكايا روسيا بعنوان "التحول" اعترض المحلل السياسي والمفكر المعروف سافرونتشوك على تسمية المحللين الغربيين لعام 2001 بعام "الحركات أو الانكسارات التكتونية"، قاصدين أساسا ما جرى بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول فاعتبر نقل هذا المصطلح الجيولوجي إلى وصف الحياة الاجتماعية (مجازا) مغالطة، إذ ينبغي له في هذه الحالة أن يعني حلول تشكيلة اجتماعية اقتصادية محل أخرى كحلول الاشتراكية محل الرأسمالية.


ما يجري في العالم هو محاولة أميركية فظة للسيطرة على العالم تحت قناع "مكافحة" عدو وهمي لقب عنوة بالإرهاب الدولي

سوفيتسكايا روسيا

ويعتبر مغالطة أيضا استخدامه استعارة لتوصيف حالة العلاقات الروسية الأميركية بعد "التحول" الكبير في سياسة بوتين لانتفاء ما يبرر ذلك في المجتمعين الروسي والأميركي على حد سواء. وفي باب الخطأ أيضا استخدامهم (مجازا) لتشبيه التغير الحاصل في منظومة العلاقات الدولية بما حدث أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية.

ما يجري في العالم إذا هو -حسب سافرونتشوك- "محاولة أميركية فظة للسيطرة على العالم تحت قناع "مكافحة" عدو وهمي لقب عنوة بالإرهاب الدولي. وبالتالي فإن ما يدعو إلى القلق هو محاولة أميركا جر روسيا إلى تحالف دول "المليار الذهبي" ضد بقية العالم. وما يدعو إلى المزيد من الاستغراب هو سهولة وقوع بوتين في الفخ الذي نصبه له بوش، إذ اندفع للإسهام بنشاط في العملية الأميركية ضد أفغانستان ومارس الضغوط على قيادات أوزبكستان وقرغيزيا وطاجيكستان لتقدم قواعدها للقوات الأميركية.

واستدرك قائلا "لكن بوتين تلقى مقابل ذلك كله ردا جميلا أسود تمثل بانسحاب بوش من معاهدة 1972 وحيرة في أوساط المحللين في استقرائهم للخطوات الأميركية اللاحقة بين توجيه ضربة للعراق أو إيران أو غيرهما".

واستنتج سافرونتشوك أن "بوتين ربط روسيا بالآلة العسكرية الأميركية في حربها الصليبية ضد جميع القوى التي تعارض الهيمنة الأميركية، علما بأن هذه القوى تشكل أغلبية هائلة من سكان الأرض يدخل في عدادها الصين والهند ودول كثيرة من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية".


الجزيرة بطل العام


قناة الجزيرة أصبحت بطل العام في عالم وسائل الإعلام، ومن خلالها بعث بن لادن ونطق

فريميا نوفوستي

حظي الأداء الإعلامي لقناة "الجزيرة" في عام 2001 باهتمام واسع من قبل الصحف الروسية لم يخل من حسد وغيرة أحيانا. وقد برز ذلك في عناوين كثيرة لصحف مختلفة: كومرسنت ديلي أوردت تعليقها على عرض الجزيرة لشريط بن لادن "الشعب رأى بن لادن حيا", أو قناة الجزيرة عرضت رسالة "الإرهابي" رقم واحد في العالم. وأبرزت نوفي إزفيستيا قول بن لادن في الشريط إن "أميركا عوقبت من أجل إسرائيل" وهو عنوان تقريرها. وتفردت فريميا نوفوستي بالعنوان التالي "قناة الجزيرة أصبحت بطل العام في عالم وسائل الإعلام" ومن خلالها بعث بن لادن ونطق.

وفي تفاصيل تقرير مراسلها يلينا سوبونينا من الدوحة نقرأ "قفزة الجزيرة" أصبحت الحدث الرئيسي في سوق الإعلام لهذه السنة، حتى أن هذه القناة العربية "فركت" أذن السي.أن.أن، فالأميركيون الذين كانوا سباقين في هذا الميدان دائما اضطروا في هذه المرة لشراء المواد عن طالبان وبن لادن بمبالغ كبيرة".

ونسبت الصحيفة إلى مسؤول قطري رفيع المستوى طلب عدم ذكر اسمه قوله "هذه القناة هزت الغرب إذ ذكرتهم أنه إلى جانب رأيهم توجد آراء أخرى". ولمحت إلى الابتسامة العذبة التي أطلقها المدير العام للقناة وهو يقول في رده على سؤال مراسل الصحيفة "هذا سر تجاري". واختتمت تقول "لدى مؤسسي القناة خطط هائلة: فإلى جانب القناة الإخبارية يخطط لإنشاء قناة اقتصادية وأخرى ترفيهية، والأهم من ذلك كله هو البث مستقبلا باللغة الإنكليزية.. فاصمدي يا "سي.أن.أن."

المصدر : الصحافة الروسية