استفتاء ثان حول بريكست.. هل ندم البريطانيون؟

Anti-Brexit demonstrators protest outside the Houses of Parliament in London, Britain, December 3, 2018. REUTERS/Henry Nicholls
الخروج من الاتحاد الأوروبي يواجه معارضة متنامية في المملكة المتحدة (رويترز)

تبدو فكرة إجراء استفتاء ثان على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للوهلة الأولى خيارا خارج السياق، لكنه بدأ يتنامى ويفرض نفسه بقوة بديلا يمكن اللجوء إليه في ظل التباين الكبير بين مؤيدي فكرة البريكست ومعارضيها.

ويرى محللون أن الاتفاق الذي أبرمته رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي ينتظره على الأرجح فشل ذريع أمام مجلس العموم في 11 من الشهر الحالي، لكنهم في الوقت نفسه يرون أن اللجوء إلى استفتاء ثان قد يشكل تحديا كبيرا.

وتخوض ماي سباقا مع الزمن لإقناع النواب البريطانيين المشككين "بقوة" بأن اتفاق الانفصال الذي تم التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي هو "الأفضل" و"الوحيد الممكن".

لكنها في المرحلة الراهنة تبدو بعيدة عن جمع عدد الأصوات الضروري لإقرار هذا النص، خصوصا أنها تواجه معارضة من جانب مؤيدي بريكست الذي يخشون ارتباطا غير محدود للمملكة المتحدة بأوروبا، ومن جانب معارضيه الذين لا يرون مصلحة في الخروج من الاتحاد.

فعاليات ومؤشرات
ويأتي في سياق المطالبات المتزايدة بإجراء استفتاء ثان، تسليم ناشطين بريطانيين من مؤيدي مذكرة اليوم الأربعاء بهذا الصدد "تحمل أكثر من مليون توقيع" إلى مقر رئاسة الوزراء.

كما أفاد استطلاع للرأي يُعد الأكبر من نوعه، أن البريطانيين سيصوتون للبقاء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 54% مقابل 46% في حال جرى استفتاء ثان حول خروج بريطانيا من التكتل.

وشارك نحو 20 ألف شخص في الاستطلاع الذي أجرته وكالة "سورفايشن" عبر شبكة الإنترنت بين 20 أكتوبر/تشرين الأول و2 نوفمبر/تشرين الثاني الماضيين بتفويض من القناة الرابعة البريطانية المستقلة.

كما تجدر الإشارة إلى احتشاد نحو 700 ألف متظاهر في لندن في 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من معارضي الانفصال، كما أظهر استطلاع للرأي نشرته هذا الأسبوع صحيفة "ذي ديلي ميل" أن 48% من البريطانيين يؤيدون إجراء استفتاء جديد مقابل رفض 34%.

 ماي ترفض بشكل قاطع اللجوء إلى استفتاء ثان (الأناضول)
 ماي ترفض بشكل قاطع اللجوء إلى استفتاء ثان (الأناضول)

دينامية متنامية
ورغم معارضة رئيسة الوزراء لإجراء استفتاء ثان، فإن الفكرة لا تزال تكتسب زخما حتى في الأوساط المعارضة له.

ويوضح وزير الخزانة البريطاني ميل سترايد في حديثه لوكالة رويترز أن "أولئك الذين على يمين الحزب الجناح المؤيد للخروج سوف يستبد بهم القلق إذا لم تنجح هذه الخطة. قد نجد أنفسنا في وضع يستدعي إجراء استفتاء ثان، ويمكن أن ينتهي بنا المطاف إلى عدم الخروج من الاتحاد الأوروبي بالمرة".

أما الخبير في السياسة الأوروبية كونستانتين فرايزر من مركز "تي أس لومبارد" للأبحاث فيرى في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية أن "ثمة دينامية متنامية خلف الحملة لاستفتاء ثان، وهذا سيصبح خيارا جديا، على الأرجح، عندما يرفض اتفاق تيريزا ماي في مجلس العموم"، مشددا على أن هذا الاحتمال "يكتسب زخما".

من جانبه حث وزير الدولة المكلف بالعلوم سام غيما -وهو آخر من قدم استقالته من الحكومة بسبب معارضته للبريكست- رئيسة الوزراء على عدم استبعاد خيار إجراء استفتاء ثان في حال رفض البرلمان الاتفاق.

كما حظيت فكرة إجراء استفتاء ثان هذا الأسبوع بدعم مسؤول كبير في حزب العمّال هو جون ماكدونيل، مما يشير إلى تحوّل في موقف حزب المعارضة الرئيسي الذي كان يرفض ذلك رسميا حتى الآن.

واعتبر ماكدونيل أن هذا الدعم الذي تطالب به قاعدة واسعة من الحزب "لا مفر منه" في حال فشل الحزب في الدفع نحو الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة.

وانضم لهذه الحملة أنصار لليمين واليسار على حد سواء، من بينهم زعيم الليبراليين الديمقراطيين فينس كايبل وزعيمة حزب الخضر كارولين لوكاس والنائب العمالي شوكا أومونا وجاستن غرينينغ.

معارضون لبريكست يتظاهرون خارج مبنى مجلس العموم البريطاني (رويترز)
معارضون لبريكست يتظاهرون خارج مبنى مجلس العموم البريطاني (رويترز)

عقبات بوجه الاستفتاء
ويقف في وجه فكرة الاستفتاء الثاني ثلاث عقبات؛ أولاها سياسية والأخرى تتعلق بالإجراءات، بينما يطرح الجدول الزمني نفسه عقبة ثالثة.

وتتمثل العقبة السياسية برفض ماي القاطع لإجراء الاستفتاء، إذ ترى أنه "خيانة" للخيار الذي عبّر عنه 52% من البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران 2016.

كما أن هذا الاقتراح سيواجه برفض حاسم من قبل الطبقات العمالية التي صوتت له بكثافة، مما يجعل شبح الانقسام داخل المجتمع البريطاني محددا مهما في أي خطوة سياسية مقبلة.

أما عامل الوقت، فإن الفترة المتبقية أمام المملكة المتحدة للفصل في هذا القرار تمتد حتى 29 مارس/آذار 2019، ويمكن لبريطانيا أيضا أن تدعو إلى تمديد هذه المهلة، للتمكن من استطلاع ناخبيها، لكن لندن لن تربح إلا بضعة أسابيع بسبب موعد الانتخابات الأوروبية المحدد في أواخر مايو/أيار 2019، وهي مدة غير كافية.

ويؤكد مصدر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي أنه "في حال وصلنا إلى هنا، فان الأوروبيين لن يمددوا المادة 50 من اتفاقية لشبونة حتى الانتخابات الأوروبية".

هنا يرى الخبير في السياسة الأوروبية فرايزر أن الوقت يشكل أكبر عقبة أمام استفتاء ثان، مشيرا إلى أن المملكة المتحدة تحتاج إلى "أربعة أو خمسة أشهر" لتنظيم استفتاء.

ويرى نيك رايت من جامعة "كوليدج" في لندن أن بروكسل يمكن أن تبدي مرونة مقابل استفتاء يمكن أن يغير المعطيات بشكل كامل، "وسيكون معقدا، لكن لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيرفض".

في مقابل ذلك، يطرح حزب العمال المعارض ثلاثة بدائل مختلفة لخطة ماي، وهي صفقة على غرار نموذج النرويج (البقاء في السوق الموحدة والاتحاد الجمركي). أو إجراء انتخابات مبكرة في حالة تعثر الحكومة في تمرير صفقتها عبر البرلمان. أو إجراء استفتاء ثان في حالة رفض الحكومة إجراء انتخابات مبكرة.

ومع عدم وجود إشارات إلى حل وسط قريب في محادثات البريكست، ستعزز تيريزا ماى خطابها القومي ولغتها العدائية حيال أوروبا مما قد يؤثر على الأصوات المعارضة للخروج من الاتحاد.

المصدر : الجزيرة + الصحافة البريطانية + وكالات