يد ثلاثية الأبعاد تمنح الأمل لطفل مغربي

‎⁨الطفل أيوب في طريقه إلى المدرسة ووالده يساعده في تركيب يده الاصطناعية⁩.JPG
بدر في طريقه إلى المدرسة ووالده يساعده في تركيب يده الاصطناعية (الجزيرة)

عزيزة بوعلام–الدار البيضاء

لم يعد الطفل المغربي بدر الأجوف -ذو 11 عاما- يخفي يديه وراء ظهره أو في جيب معطفه أمام زملائه بالمدرسة، بعدما أصبح أول طفل في المغرب يحصل على يد اصطناعية بتقنية الطابعة ثلاثية الأبعاد.

ويعاني بدر من إعاقة حركية منذ سنوات طفولته الأولى، إذ ولد دون أصابع في يده اليسرى، وبتشوه في اليمنى نتيجة عاهة خلقية، وتأمل عائلته أن تلطف اليد الاصطناعية الأثر النفسي لهذا النقص الجسدي، وتحسن الحياة اليومية لطفلها ونظرة الآخرين إليه.

ووجد الوالدان في اليد الجديدة العزاء، بعدما عجزا عن توفير يد من مادة السيليكون لتعويض يدي ابنهم، بسبب غلاء تكلفتها التي تقدر بأكثر من ثلاثين ألف دولار، فضلا عن أنه يجب تجديدها سنويا.

‪اليد ثلاثية الأبعاد‬ (الجزيرة)
‪اليد ثلاثية الأبعاد‬ (الجزيرة)

يد بديلة
في غرفة صغيرة متواضعة داخل بيت أسرته بحي الضرابنة بضواحي الدار البيضاء، يأوي بدر إلى طاولة صغيرة، وينخرط بحماس في تركيب يده الاصطناعية بمساعدة والده، بينما تنظر إليه والدته بدهشة.

في مشهد تراجيدي، مد الفتى يده نحو كأس فارغة، ونسي لبرهة أنه لا يد له، وهو يحاول جاهدا حملها. بدت مفاصل يده متناسقة مع كل إصبع، وصار بإمكانه تحريك إبهامه وتشكيل القبضة. اختبر ذلك مرات عديدة، ومن رائه تشجيع الجميع، الذي كان سببا وراء حصول بدر على اليد ثلاثية الأبعاد من كندا.

يبتسم بدر فيضيء وجهه بهيا متعاليا على حزنه العميق، يجول ببصره بين أفراد عائلته، وهو يتابع نظرات الترحيب والتشجيع. ورغم أن الكلمات خانته للتعبير عن فرحه، فإن عينيه وصفت بالتفصيل إحساس امتلاكه يدا كاملة، بعدما ظل لسنوات بدونها.

كان بدر مأخوذا بيده الجديدة المزركشة التي تثبت بمادة لاصقة وتستخدم كقفاز. وقال بصوت خجول والبسمة تكسو تقاسيم وجهه، إنها تشعره براحة رغم شكلها الروبوتي، وأعجبت زملاءه في المدرسة وشجعه أساتذته على ارتدائها.

‪بدر مع والديه‬ (الجزيرة)
‪بدر مع والديه‬ (الجزيرة)

ومع أن اليد الجديدة أعطت الإحساس لدى المصافحة بأنها آلية، فإن قبضتها تشعر بأنها طبيعية. وعبر والد بدر عن فرحته وسعادته بهذا الجزء الاصطناعي، الذي يرى أنه مدّ ابنه بأمل كبير، في أن يحصل مستقبلا على يد تساعده في حياته اليومية. وقال بانشراح "إن ابنه استخدم يده رغم كونها اصطناعية كيد بشرية طبيعية تقريبا لدى تناوله الطعام والتقاط الأشياء وتحية الآخرين".

لم تكن حياة بدر عادية منذ ولادته، بل كانت له طقوس مختلفة عن الأطفال الذين في عمره. بنبرة يملأها الأسى يحكي والده للجزيرة نت كيف يصحو ابنه كل صباح فيرفع كمّ قميصه ويرى النقص في يديه، على عكس شقيقيه اللذين لا يشكوان من هذا التشوه، في حين يبدو العجز حاضرا بقوة في كل تفاصيل حياته.

وبصوت هامس وفي حدقة عينيها حزن دفين، قالت والدته إن ابنها الذي يتابع دراسته بالقسم الإعدادي مضطر للاعتماد على الآخرين. وترى أن هذه أكبر صعوبة في حياته، تشعره بالنقص والقلق والاكتئاب، وتنعكس عليه سلوكيا من عدوانية وانطواء وبناء صورة سلبية عن نفسه.

قدرات إضافية
لكن رئيس جمعية الوفاق للأعمال الاجتماعية والمحافظة على البيئة حسن المنصوري، الذي كان سببا في حصول الطفل على اليد، يرى أن اليد البديلة تمنح الفتى قدرات إضافية ليستطيع تحريكها بشكل يساعده على امتلاك يد كاملة. وقال إنه أمضى عاما في العمل على تطويرها بالتنسيق مع طالبة سورية تنتسب لجامعة أوتاوا الكندية.

وأضاف أنها أخذت على عاتقها صنع الأيدي والأذرع مجانا لأولئك المحتاجين لجزء أو كامل الأطراف من اليد، بسبب تشوه خلقي أو حادثة، وذلك عبر طابعات ثلاثية الأبعاد.

‪بدر يكتب بيده اليمنى التي يعاني من تشوه خلقي فيها‬ (الجزيرة)
‪بدر يكتب بيده اليمنى التي يعاني من تشوه خلقي فيها‬ (الجزيرة)

وحكى المنصوري كيف قادته رحلة بحث على الإنترنت للوصول إلى هذه الطالبة عن طريق صحفي كندي أنجز تقريرا حول الموضوع. وأوضح أن التجربة والمقاسات اختبرت على يد أيوب مباشرة، بالقول "أخذنا مقاس اليد، وقمنا برسمها وطباعتها عبر طابعة ثلاثية الأبعاد، فشلنا في المرة الأولى، لكنها في الثانية تكللت بالنجاح".

ومن مزايا تصنيع وتطوير الأيدي المطبوعة بتكنولوجيا الطابعة ثلاثية الأبعاد، أنه يتم تفصيلها حسب الطلب، وتكلفتها ضئيلة مقارنة بالأطراف المتطورة الأخرى، مما يجعل حياة مبتوري الأيدي أفضل.

ولم يخف المنصوري أن اليد الروبوتية لا تعوض اليد الحقيقية، لكنه يرى أنها تماثل وظائفها لأنها مرنة ومريحة وسهل التعامل بها. وقال بيقين إنها حتما ستحسن قدرة أيوب على تحريك يديه، وستكسبه قدرا أكبر من الثقة في نفسه.

لا تبدو حكاية بدر في كنف هذا المنعطف الجديد في حياته سوى قصة معاناة تعيشها يوما بعد الآخر نسبة كبيرة من الأطفال المغاربة؛ فالتقديرات تشير إلى أن من بين كل سبعمئة حالة إنجاب هناك حالة واحدة تولد بعيوب خلقية.

المصدر : الجزيرة