"بنات الدليفري" في مصر.. اضطرار أم تحد للتقاليد؟

نادية عبد الصمد، الملقبة ب ـ"أول فتاة دليفري" بالإسكندرية، مصر / المصدر الجزيرة نت
نادية عبد الصمد الملقبة بـ"أول فتاة دليفري" بالإسكندرية (الجزيرة)

محمد سيف الدين-القاهرة

عرفت مصر خلال العقدين الأخيرين مهنة توصيل الطلبات للمنازل، وهو ما يعرف باسم "الدليفري"، ولكنها ظلت مرتبطة بالرجال حتى وقت قريب، ومع تطور الحياة وزيادة صعوبتها -خاصة الأوضاع الاقتصادية- دفعت بعض النساء والفتيات للعمل في هذا المجال.

نادية عبد الصمد، الملقبة "بأول فتاة دليفري" بالإسكندرية، قادتها الصدفة -فضلا عن عشقها لركوب الدراجات النارية- للعمل في هذا المجال، كما قالت للجزيرة نت.

وتقول نادية -التي تخرجت من كلية الآداب قسم التاريخ والآثار- إنه لم يكتب لها أن تنجب طفلا وتصبح أما، فقررت بعد ثماني سنوات من زواجها العودة مجددا للعمل، موضحة أن طول فترة البحث دفعتها لشراء دراجة نارية، لمساعدتها على التنقل، تجنبا لاستقلال وسائل المواصلات المزدحمة، خاصة أنها تعشق ركوب "السكوت كوريير".

وتشير نادية إلى أنها فشلت في الحصول على وظيفة جديدة، لكنها لم تيأس؛ حيث بدأت في مجال المشغولات اليدوية (هاند ميد) داخل منزلها، ولم يكن الحظ حليفا لها، ولم تستمر كثيرًا.

وفي أحد الأيام كانت تتصل بصديقة لها تبيع بعض المنتجات المنزلية، لتسألها عن سبب تأخر طلبها، وبررت لها ذلك بغياب الشاب الذي يعمل معها في التوصيل، ليتفتق ذهنها في هذه اللحظة عن الفكرة بالعمل في هذا المجال.

إلا أن الأمر لم يلق قبولا عند الزوج والأسرة في البداية، خوفا من تعرضها لمضايقات، ولكنها نجحت في النهاية في تخطي تلك العقبة، وتبدأ مشروعها في مارس/آذار 2017.

‪نادية بدأت مشروعها في مارس/آذار 2017‬ (الجزيرة)
‪نادية بدأت مشروعها في مارس/آذار 2017‬ (الجزيرة)

السلامة
وتستقل السيدة الأربعينية دراجتها النارية يوميا من الساعة التاسعة صباحا وحتى الرابعة عصرًا، ويمتد نطاق عملها بطول شاطئ مدينة الإسكندرية.

وحفاظا على سلامتها، تقول نادية إن عملها يقتصر فقط على السيدات، كما أنها ترفض توصيل الطلبات لمناطق نائية.

ولا تذكر نادية أنها تعرضت لمضايقات خلال فترة عملها في هذا المجال، وأغلب ما تلاقيه هو التشجيع والترحيب.

تجربة نادية لم تكن الأولى في مصر، فقد سبقتها ولاء عادل عبد الله، الشهيرة بـ"ولاء طيارة"، التي بدأت مشوراها في صيف عام 2013، ولكنها لم تلق الشهرة نفسها التي حظيت بها نادية.

تركت ولاء الدراسة وتفرغت تماما للعمل مع خالها في عمر 12 سنة، حتى تمكنت من شراء شواية دجاج، وبدأت العمل بمفردها، ومع مرور الوقت تعلمت قيادة الدراجة البخارية في سن 15، وعملت لنقل الطلبات إلى المنازل، مما أسهم في توسع تجارتها.

تجربة ولاء شابتها بعض المضايقات، خاصة أن نطاق عملها كان في منطقة شعبية، وهو ما دفعها إلى تعلم رياضة التايكواندو، حتى تستطيع الدفاع عن نفسها، وفق ما نقلته عنها وسائل محلية.

بالإضافة إلى نادية وولاء ظهرت مؤخرا في مدينة الإسكندرية نور علي (19 عاما) وهي طالبة حاليا في الفرقة الأولى بكلية التجارة شعبة اللغة الإنجليزية بجامعة الإسكندرية، وبدأت عملها في مجال توصيل الطلبات للمنازل منذ ما يقرب من شهرين، بحسب ما قالته للجزيرة نت.

في البداية، واجهت صعوبات مع أسرتها لتوافق على عملها، لكنها بمرور الوقت تجاوزتها، بأسلوب "الزن على الأذن أمرّ من السحر" (مثل شعبي مصري مشهور يدل على الإلحاح في الطلب).

وتكونت الفكرة لدى نور عندما أهداها خالها ووالدها "سكوتر" نهاية عام 2017، وبدأت شراء مستلزمات المنزل لوالدتها، ثم امتد الأمر لباقي أفراد العائلة.

وكانت نور تحصل على مقابل مادي لتغطية مصاريف تزويد الدراجة البخارية بالوقود، وهنا جاءتها فكرة توصيل الطلبات للمنازل.

‪نادية لا تذكر أنها تعرضت لمضايقات خلال فترة عملها في مجال التوصيل وأغلب ما تلاقيه هو التشجيع‬ (الجزيرة)
‪نادية لا تذكر أنها تعرضت لمضايقات خلال فترة عملها في مجال التوصيل وأغلب ما تلاقيه هو التشجيع‬ (الجزيرة)

تقسيم الوقت
وتعمل مع نور حتى الآن ثلاث فتيات، جميعهن في نفس عمرها تقريبا، وهذا ما ساعدها في تقسيم أوقاتها بين الدراسة والعمل، وكذلك يفعل زملاؤها، موضحة للجزيرة نت أنها لا تمانع أن يلتحق بفريقها بعض الشباب الذين يبحثون عن فرصة عمل، خاصة أنها بصدد تدشين تطبيق على الهاتف المحمول لتوصيل الطلبات، وتوسيع نشاطها.

ويرى الخبير الاقتصادي ومدرس الاقتصاد بكلية أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين أن المجتمعات تتغير بحسب الظروف التي تمر بها اقتصاديًا.

وقال إن المجتمع المصري بطبيعته "ذكوري"، أي يفضل عمل الرجال عن النساء، لكن الوضع الاقتصادي الآن أصبح "صعبا"، وقلت فرص الشباب، متسائلًا: "فما بالك بالنساء؟"

المصدر : الجزيرة