الزواج لم يعد حلما جميلا لشباب مصر

تقرير حكومي أظهر انخفاض معدلات الزواج خلال الأعوام الماضية بشكل ملحوظ الصورة خاصة للجزيرة نت
تقرير حكومي أظهر انخفاض معدلات الزواج خلال الأعوام الماضية بشكل ملحوظ (الجزيرة)

عبد الرحمن رمضان-القاهرة

"لماذا أتزوج وحال أغلب من سبقوني إلى الزواج من أصدقائي لا يسر ولا يشجع؟".. هكذا علق الشاب المصري علاء السويسي على سبب تأخره في الزواج رغم تجاوزه سن الـ 35 واستقراره في عمل بإحدى الشركات الأجنبية يدر دخلا مناسبا له.

علاء -وفي حديثه إلى الجزيرة نت أوضح أن النسبة الأكبر من أصدقائه المتزوجين، وخاصة من أقدموا على هذه الخطوة خلال الأعوام الأخيرة، لا يقطعون الشكوى من تدهور أحوالهم بعد الزواج وتعاسة حياتهم وتذمرهم منها، وينظرون إليه بحسد كونه لا يزال حرا طليقا لم يقدم بعد على هذه الخطوة.

ورغم ميله الطبيعي للارتباط وحاجته الفطرية -كما يقول- فإن علاء لم يعد ضمن أولوياته البحث عن نصفه الآخر كما كان الأمر بعد تخرجه من الجامعة قبل عشر سنوات، مشيرا إلى أن سوء الأحوال المعيشية وأوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية جعلت الزواج "مشروعا فاشلا" في رأيه.

ويمثل علاء شريحة بدأت في التزايد خلال الأعوام الماضية، فقد أظهر تقرير حكومي صدر مؤخرا انخفاض معدلات الزواج خلال الأعوام الماضية، حيث تدنت نسبة الزواج كل عام عن سابقه منذ 2013، وكان آخر معدلات هذا التدني انخفاض الزواج العام الماضي عن الذي سبقه بنسبة 3.2%.

تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف كذلك عن أن نسبة أصحاب المؤهلات العليا الذين أقدموا على الزواج خلال 2016 لم تتجاوز 0.5% من إجمالي عقود الزواج، حيث بلغت في الذكور 0.3% وفي الإناث 0.2%، كما تدنى الزواج في المدن بنسبة قاربت 10% عن العام الماضي.

‪عمرو أبو خليل: أسباب العزوف عن الزواج بمصر خليط مركب ومتداخل لأكثر من عامل‬ عمرو أبو خليل: أسباب العزوف عن الزواج بمصر خليط مركب ومتداخل لأكثر من عامل (الجزيرة)
‪عمرو أبو خليل: أسباب العزوف عن الزواج بمصر خليط مركب ومتداخل لأكثر من عامل‬ عمرو أبو خليل: أسباب العزوف عن الزواج بمصر خليط مركب ومتداخل لأكثر من عامل (الجزيرة)

خليط
الطبيب النفسي والمستشار الاجتماعي عمرو أبو خليل، يرى أن أسباب العزوف عن الزواج في مصر خليط مركب ومتداخل لأكثر من عامل، جميعها يعكس يأس الشباب من تحقيق أحلامهم بحياة جديدة متفائلة تمثل لهم رحلة إلى مستقبل مشرق يحتاج الشخص أن يكون فيه مع شريك حياته.

ويذهب في حديثه للجزيرة نت إلى أبعد من ذلك، حيث يعتقد أن الشباب خلال الأعوام الأخيرة -وتحت وطأة المستجدات السياسية والاقتصادية- لم يتوقف حرمانه عند حد تحقيق الأحلام بل فقد حتى الحق فيها، وأصبح هدفه السفر والهروب من البلد، وبات الارتباط بأحد "ظلما له" بنظره كونه يجهل شكل المستقبل. واعتبر أبو خليل أن الظروف الاقتصادية مجرد عامل مساعد أو جزء من الألوان القاتمة.

واتفقت المستشارة الاجتماعية سحر طلعت مع ما ذهب إليه أبو خليل من أن العامل الاقتصادي ليس هو السبب الأوحد، مشيرة في هذا السياق إلى بروز متغيرات اجتماعية ونفسية جديدة، تعكس تأخر "هدف الزواج والإنجاب" في قائمة أوليات أحلام الشباب كما كان الأمر في السابق.

وأرجعت ذلك في حديثها للجزيرة نت إلى أسباب أهمها زيادة اطلاع الشباب على تجارب غيرهم من المتزوجين، ورغبة بعضهم في مزيد من الاستقلالية والحرية، كما أشارت إلى وجود حالة تخوف لدى نسبة كبيرة من الشباب من تحمل تبعات الزواج النفسية والاجتماعية والاقتصادية.

‪سحر طلعت: زيادة مساحة الوعي بمشكلات العلاقات المحيطة فاقمت من أزمة الزواج‬ سحر طلعت: زيادة مساحة الوعي بمشكلات العلاقات المحيطة فاقمت من أزمة الزواج (الجزيرة)
‪سحر طلعت: زيادة مساحة الوعي بمشكلات العلاقات المحيطة فاقمت من أزمة الزواج‬ سحر طلعت: زيادة مساحة الوعي بمشكلات العلاقات المحيطة فاقمت من أزمة الزواج (الجزيرة)

وعي
وأوضحت في هذا السياق أن زيادة مساحة الوعي النفسي والوعي بمشكلات العلاقات المحيطة فاقمت من الأزمة، وجعلت كثيرين يتخوفون من الإقدام على خطوة الارتباط، لافتة إلى أن هذه العوامل تزيد بشكل أكبر بين أصحاب المؤهلات العليا والقاطنين بالمدن لزيادة وعيهم ولتضاعف التحديات التي يواجهونها والطموحات التي يسعون لتحقيقها.

ورأت أن الواقع السياسي المحلي ومن ورائه العالمي لهما دور في زيادة هذا العزوف، مشيرة إلى أن بعض رافضي الزواج من الشباب برر في حديثه معها ذلك بقوله "لماذا نرتبط ونتحمل مسؤولية أسرة وأبناء في هذا العالم المجنون".

أما الباحثة الاجتماعية صفاء صلاح الدين، فترى أن الوضع الاقتصادي له دور كبير في انخفاض نسبة الزواج خلال السنوات الأخيرة، حيث باتت تكاليف الزواج كبيرة وليست في مقدرة الكثيرين، إضافة إلى شيوع قصص التجارب الفاشلة التي أصحبت متوفرة ومنتشرة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

ولفتت في حديثها للجزيرة نت إلى أن الضعف المتزايد في الجانب التربوي ساعد في زيادة تلك التجارب الفاشلة ومن ثم زيادة العزوف عن الزواج، إضافة إلى تشجيع البعض لنموذج الفتاة المستقلة والشاب المستقل واعتبار شيوع هذه النماذج معبرا عن الحرية والاستقلال، مؤكدة أن نظرة كلا الطرفين السلبية للآخر أمر داعم لذلك.

المصدر : الجزيرة