عوضية سمك.. من بائعة شاي لراعية المعاقين بالسودان

مطعم عوضية للأسماك ... الجزيرة نت
مطعم عوضية رجب أشهر مطعم سمك بالسودان (الجزيرة)

عماد عبد الهادي-الخرطوم

لم تتوقع عوضية رجب عندما خرجت ذات صباح من بيتها بيضاء اليدين للعمل بائعة شاي في سوق مجاور لمنزلها أن يتبدل واقعها ويتسع رزقها لتصل يدها بالعون والمساعدة إلى المجتمع من حولها، بعدما كانت تسعى لتوفر لصغارها متطلباتهم وتتغلب على شظف العيش الذي كانت تعانيه.

الإرادة التي هزمت الإعاقة
تحدت عوضية إعاقتها الحركية بقوة إرادتها، وتجاوزت عثرات الطريق المظلم في بداياته -كما تقول- وأصبحت في وقت وجيز أشهر طاهية وصاحبة محل لبيع الأسماك في السودان، واشتهرت باسم "عوضية سمك".

تروي عوضية، أنها حينما ضاقت بها الحياة لم تجد سبيلا غير دخول سوق العمل، وكسب رزق حلال لأبنائها يقيها وإياهم مذلة السؤال، وقالت إنها تركت طفلتها الصغرى بالمنزل وعمرها لا يتجاوز ثلاثة أشهر، واليوم هي خريجة جامعية.

‪الحاجة عوضية خرجت للعمل مضطرة لإعالة أبنائها لكنها اليوم‬ تقدم (الجزيرة)
‪الحاجة عوضية خرجت للعمل مضطرة لإعالة أبنائها لكنها اليوم‬ تقدم (الجزيرة)

بدأت عوضية ببيع الشاي والمأكولات الشعبية، ثم انتقلت لطهي السمك على ضفة نهر النيل الأبيض في حي الموردة وسط مدنية أم درمان، لكن السلطات المحلية ضايقتها بوصفها بائعة "عشوائية" غير مرخص لها بالعمل في هذا المجال.

وحينما اشتد عليها خناق السلطات المحلية، لجأت لاستخراج بطاقة مخصصة للمعاقين لتساعدها على العمل، إلى أن تمت الموافقة لها على موقع ثابت، "ومنه كانت الانطلاقة نحو بناء "إمبراطورية عوضية" التي تضم بجانب مطعم وسط الخرطوم مشغلا لتعليم وتدريب ذوي الإعاقة من الجنسين.

في خدمة المعاقين
وأصبحت الحاجة عوضية صديقة للمعاقين، بل منحازة لهذه الشريحة منذ ذلك الحين، وتقول "ظللت أرعاهم باستمرار وأقدم لهم العون المادي والمعنوي وأشجعهم على الكفاح والعمل والاعتماد على النفس".

عملت بمشورة بعض المهتمين على افتتاح مشغل خاص لتدريب الفتيات المعاقات على الخياطة، وتطريز الثياب ورسم الحناء وصناعة الأحذية والحقائب، وهو ما قامت به بالفعل وتطور العمل بافتتاح فرع آخر للمشغل يعمل على تدريب المعاقين من الفتيات والشبان.

‪مشغل عوضية لتدريب المعاقين‬ (الجزيرة)
‪مشغل عوضية لتدريب المعاقين‬ (الجزيرة)

تمكن المشغل -حسب مهتمين- من تأهيل عشرات المعاقات اللائي سلكن طريقهن للعمل والعيش دون عوائق أو خوف، "وكانت فكرة جديدة للمعاقين جميعا"، كما تقول عوضية التي ترى أن رعاية المعاقين عمل إنساني يجسد كل أنواع التكافل والتراحم بين الناس.

وتضيف عوضية "حب هذه الشريحة العظيمة يدفعني دوما للبحث عن الأفضل لها وللجميع؛ كوني جزءا منها". موضحة أن عونها لن يقتصر على شريحة المعاقين فقط، وإنما جميع المحتاجين في المجتمع "لأن جزءا من المجتمع السوداني أصبح معاقا بسبب الضائقة المعيشية الحالية".

ياسر سيد أحمد -من ذوي الإعاقة الحركية ممن يحظون برعاية الحاجة عوضية رجب- يقول والابتسامة تعلو وجهه "إن عوضية أمنا، لم تُقَصِّر معنا، بل تدعمنا وتدعم أي محتاج بسخاء".

ويقول الباحث في العلوم الاجتماعية ياسر -الذي توفي والده وهو في عمر لا يتجاوز عشر سنوات- للجزيرة نت "لم أجد سبيلا غير منظمة خاصة تعنى بالمعاقين، حيث أغنتني عن كثير من المسائل بينها سؤال الناس".

‪إقبال محمد بشار واحدة من المستفيدات من مشعل عوضية لذوي الإعاقة‬ (الجزيرة)
‪إقبال محمد بشار واحدة من المستفيدات من مشعل عوضية لذوي الإعاقة‬ (الجزيرة)

ويضيف أن جميع المعاقين المتدربين -"وأنا منهم- نمارس حياتا طبيعية كالآخرين، حيث تعلمنا السباحة والعزف على الآلات الموسيقية ولعب بعض الرياضات الأخرى".

إقبال محمد بشار -إحدى المعاقات المتدربات بمشغل عوضية لذوي الإعاقة- قالت للجزيرة نت إنها كانت بلا دور ولا عمل في المنزل، تواجه مصاعب في العيش، لكنها تعلمت بمشغل عوضية تطريز الثياب ورسم الحناء وباتت تشق طريقها إلى سوق العمل، وأكثر من ذلك استطاعت كسب مبالغ معتبرة من مهنتها الجديدة، أسهمت بها في المصروف العام للعائلة.

ويدرب مشغل عوضية نحو خمسمئة من ذوي الإعاقة، جميعهم شقوا طريقهم لسوق العمل في البلاد.

المصدر : الجزيرة