من الدانمارك لتنزانيا.. رحلة شقاء لأجل الماء

شاب دانماركي يقطع مسافة بين الدانمارك وتنزانيا راجلا للفت نظر الرأي العام العالمي عن مأساة قرية من قرى تنزانيا
تشارلي كخيستنشن قطع ستمئة كيلومتر بصحراء موريتانيا ومرّ بنواكشوط في رحلته الطويلة لتنزانيا (الجزيرة)

بابا حرمة-نواكشوط

ما بين مدينة أوسبييرغ (شمالي أوروبا) وقرية لنغاستي بأدغال أفريقيا الشرقية ليس مجرد مسافة تقاس بالأميال والكيلومترات، وتجتازها وسائل النقل الحديثة في مدة زمنية محددة.

الأرقام الـ145 الفاصلة بين الدانمارك وتنزانيا على مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لا تسهم إلا في رسم صورة مستهلكة عن فروق معروفة بين دولة إسكندنافية وأخرى أفريقية في مجالات الدخل الإجمالي للفرد والتعليم وأمد الحياة.

 لكن الصورة تتضح أكثر حين نعرف طول المسافة التي يجتازها سكان القرية التنزانية للحصول على مياه صالحة للشرب، بينما تتدفق المياه من الصنابير في كل منزل وساحة عامة بالمدينة الدانماركية.

أربعون كيلومترا هي المسافة عينها التي قرر شاب دانماركي يدعى تشارلي كخيستنشن أن يقطعها يوميا في رحلته الراجلة من أوسبييرغ إلى لنغاستي للإحساس بمعاناة الأخيرة من العطش، وجمع التبرعات لإنشاء مضخة مياه لسكانها.

مغامرة تبدو محفوفة بالمخاطر وحبلى بالمشاق، لكن كخيستنشن اختار أن يشد انتباه الرأي العام الدولي، بعدما شاهد بأم عينيه خطرا يحدق بتلك القرية التنزانية النائية، التي تطوع فيها قبل أربع سنوات لإقامة ملجأ لرعاية الأيتام.

"لقد أصبح الأمر بالنسبة لي مسألة شخصية، خاصة بعدما نسجتُ علاقات قوية مع السكان المحليين، لهذا قررت بعد عودتي إلى الدانمارك أن أعمل على تغيير هذا الواقع".

تشارلي كخيستنشن يقطع يوميا مسافة أربعين كيلومترا ومضى على رحلته 16 شهرا حتى الآن (الجزيرة)
تشارلي كخيستنشن يقطع يوميا مسافة أربعين كيلومترا ومضى على رحلته 16 شهرا حتى الآن (الجزيرة)

الحج الخيري
هكذا يسرد كخيستنشن، الذي حط رحاله قبل أيام بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، بدايات "الحج الخيري" من أجل هذه القرية البالغ تعداد سكانها ثمانية آلاف شخص.

"حج" لم يتزود له إلا بما قل من الزاد وعربة صغيرة يدفعها أمامه تحمل ما خف من الأغراض والاحتياجات الأساسية من مياه وغذاء، ولحاف به يتقي صقيع الليل ويجعل منه في النهار أرجوحة بين شجرتين يقتطع عليها غفوة بين سفرين.

زهد وتقشف ربما للإحساس أكثر بما يعانيه سكان هذه القرية، وتنازل مؤقت عن رفاهية لا يتقاسمها كل سكان الأرض مع مواطني الدول الإسكندنافية.

سنة وأربعة أشهر مرت على هذا النسق، عبَر كخيستنشن خلالها هولندا وألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال والمغرب، وكان عليه أن يستقر بنواكشوط أياما في انتظار طُرُود قادمة من الدانمارك.

فقد استطاع قبل بداية الرحلة كسب رعاية بعض الشركات الدانماركية الصغرى التي ضمنت تزويده بالعربة واستبدال ما يتضرر من مكوناتها. وهي فرصة كذلك لالتقاط الأنفاس بعد أصعب المراحل التي مر بها حتى الآن.

فخلال سيره في الصحراء الموريتانية لمسافة تزيد على ستمئة كيلومتر بين مدينتي نواذيبو ونواكشوط عانى من العواصف الهائجة وندرة المياه وغياب القُرى والتجمعات السكنية.

‪الشاب الدانماركي سبق أن زار القرية التنزانية واطلع على معاناة سكانها‬ (الجزيرة)
‪الشاب الدانماركي سبق أن زار القرية التنزانية واطلع على معاناة سكانها‬ (الجزيرة)

وعثاء السفر
ورغم سنة ونصف السنة من مكابدة السير على الأقدام ووعثاء السفر البادية على مُحيَّاه والنتوءات التي بدأت تظهر في كفيه جراء دفع العربة أمامه، لم يستطع تشارلي بعد جمع المبلغ المالي الضروري لإقامة مضخة وشبكة المياه، والبالغ نصف مليون دولار.

غير أنه يعول على السنتين المتبقيتين من الرحلة لجلب انتباه كبريات الشركات العالمية، وهو أمر يشعر بأنه أضحى قريبا، "فالاهتمام الإعلامي بالرحلة في تزايد".

"أي شركة ترعى هذه الرحلة ستنال حظا كبيرا من الإشهار طيلة الرحلة عبر طرق مختلفة بما فيها ظهور اسمها على قمصان بدأت في تصميمها وعلى موقعنا الإلكتروني وصفحتِنا على فيسبوك التي بدأت في جذب الانتباه، وآمل أن أجد شركة كبرى بإمكانها تغطية التكاليف حتى لا أضطر إلى اعتماد رعاة كثر".

وفي انتظار أن تتحقق الأمنية برعاية تضمن هدف الرحلة يواصل كخيستنشن السير عبر الساحل الغربي لأفريقيا مرورا بالسنغال فغينيا، وغانا ونيجيريا والغابون، قبل أن ينعطف شرقا عبر الكونغو فتنزانيا.

ولا يبدو أنه في عجلة من أمره نهائيا؛ فالرحلة بالنسبة إليه ليست مجرد خطى وحسب، بل هي تأمل وسياحة ثقافية وروحية، وجمعٌ بين ما تهواه النفس وينفع الناس ويمكث في الأرض.

المصدر : الجزيرة