تراث رمضان لا يزال مسموعا بالقدس

حافظت مدينة القدس منذ عهد الدولة العثمانية، الذي بدأ في فلسطين قبل نحو 500 عام، على استخدام "مدفع رمضان" لإشعار سكان البلدة القديمة بمواعيد الإفطار والصيام.

ومنذ إحضار المدفع الرمضاني إلى مدينة القدس القديمة، تتولى عائلة صندوقة الفلسطينية مهمة إطلاقه في موعدي الإفطار والسحور طوال أيام شهر رمضان.

ويقول رجائي صندوقة "بدأت عائلتي مهمة إطلاق مدفع شهر رمضان، منذ العهد العثماني، توارثنا هذه المهمة عن الآباء والأجداد وسنواصل تأديتها".

وينشغل صندوقة قبيل ساعات الغروب والفجر بالإعداد لإطلاق المدفع المعروف بـ"مدفع رمضان"، وإن كانت طريقة عمله قد تغيرت مع مرور الزمن دون أن يتغير مكانه.

ويقول المقدسي إن "المدفع موجود منذ مئات السنين في أعلى منطقة في مدينة القدس (وسط شارع صلاح الدين)، وهي تلة تطل على البلدة القديمة وقد أصبحت الآن مقبرة".

ويضيف "في الماضي لم تكن هناك مكبرات صوت، ولم تكن الساعات الحديثة متوفرة للجميع، وبالتالي كان السكان يعتمدون على صوت المدفع، ومنذ ذلك الحين أصبح صوته جزءًا من معالم شهر رمضان".

وقد وُضع المدفع الذي أرسلته الدولة العثمانية إلى القدس في المتحف الإسلامي بالمسجد الأقصى، ويستخدم حاليا مدفع بديل أرسله الأردن إلى القدس قبل عام 1967، بحسب صندوقة.

ويروي صندوقة أنهم كانوا يستخدمون في الماضي البارود لإطلاق المدفع، ولكن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في نهاية الثمانينيات، منعت السلطات الإسرائيلية استخدام البارود.

ويقول إن "المنع كان يعني توقف المدفع، ولكنني سعيت من أجل الإبقاء عليه لأنه بات جزءًا من تراث المدينة، وبعد جهود توصلنا إلى تفاهم باستخدام قنبلة الصوت بدلا من البارود".

ويقوم موظفون من البلدية الإسرائيلية في القدس بتسليم صندوقة قنبلة صوت في موعد الإفطار، وأخرى في موعد الإمساك، ولا يغادرون المنطقة حتى يتأكدوا من استخدامهما.

وفي الماضي كان يتم إطلاق المدفع مرتين في فترة السحور الأولى لإيقاظ سكان المدينة، والثانية لإشعارهم بدخول وقت الإمساك، أما حاليا فيتم إطلاقه مرة واحدة فقط في موعد بدء الإمساك.

مسحراتي حارة باب حطة يعاني من ملاحقة الاحتلال له بسبب شكاوى المستوطنين (الجزيرة-أرشيف)
مسحراتي حارة باب حطة يعاني من ملاحقة الاحتلال له بسبب شكاوى المستوطنين (الجزيرة-أرشيف)

ولربما وجد الفلسطينيون من سكان القدس من يعوضهم عن عدم إطلاق المدفع مرتين في موعد السحور، فالمدينة حافظت أيضا على "المسحراتي" الذي لا يزال يجوب شوارعها، مستخدما صوته الجهوري لإيقاظ السكان.

ويقول بهاء نجيب (27 عاما)، الذي يقوم بمهمة المسحراتي في حارة باب حطة في البلدة القديمة "بدأت عملي قبل سبع سنوات برفقة أحد أصدقائي، نردد أناشيد جميلة، ونقرع طبلاً صغيرًا لإيقاظ النائمين".

ويضيف "يتحدث الآباء والأجداد عن أناس قاموا بمهمة المسحراتي في القدس على مدار الأزمان، وكانت هناك فترات متقطعة لم يقم فيها أشخاص بهذه المهمة ولكن ظاهرة المسحراتي بالإجمال مستمرة منذ مئات السنين".

ويحظى نجيب بردود إيجابية من السكان الفلسطينيين، إلا أن عشرات المستوطنين الإسرائيليين يشكونه إلى الشرطة الإسرائيلية التي تلاحقه بشكل دائم.

ورغم الملاحقات المتواصلة فإن المسحراتي المقدسي يصر على مواصلة عمله خلال ليالي شهر رمضان، في محاولة منه للحفاظ على التراث الإسلامي في المدينة.

المصدر : وكالة الأناضول