كنز فاطمي ضخم في "قيسارية" الفلسطينية

الكنز بعد استخراجه من قاع بحر قيسارية
كنز الذهب الفاطمي بعد استخراجه من قاع بحر قيسارية جنوب حيفا (الجزيرة)

وديع عواودة-حيفا

لطالما كانت مدينة قيسارية التاريخية مصدرا للاكتشافات الأثرية التي تعود للعديد من الحضارات السابقة، لكنها سجلت أمس الثلاثاء رقما قياسيا جديدا بعدما اكتشف في مينائها كنز ذهبي هو الأكبر في تاريخ فلسطين.

وكشفت سلطة الآثار الإسرائيلية أمس الثلاثاء عن عثورها على نحو ألفي قطعة ذهبية في قاع البحر المتوسط قبالة ساحل قيسارية -الواقعة جنوب مدينة حيفا- عمرها ألف سنة وتعود لفترة الحكم الفاطمي.

وتوضح سلطة الآثار أن الكشف عن الكنز الفاطمي تم بفضل العاصفة الجوية الأخيرة التي رافقها هيجان البحر المتوسط، مما أدى لتحريك أرضيته وملاحظة غواص القطع الذهبية صدفة.

وأخذ الغواص بعض هذه النقود الذهبية معه وسارع لإبلاغ سلطة الآثار التي انتشل غواصوها الكنز من قاع البحر، وهو عبارة عن دنانير وأنصاف دنانير ما زالت بحالة ممتازة.

وكان الكنز قد استقر في قاع البحر بعمق عشرة أمتار وعلى بعد عشرات الأمتار من ساحل قيسارية، وهي مدينة مليئة بالآثار العمرانية الكنعانية والهيلينية والبيزنطية، أبرزها مسرح ضخم جدا.

الكنز الفاطمي حيث وجده الغواص قرب ساحل قيسارية الفلسطينية(الجزيرة)
الكنز الفاطمي حيث وجده الغواص قرب ساحل قيسارية الفلسطينية(الجزيرة)

سيناريوهات عدة
ومن أبرز آثارها الإسلامية مسجد بني في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قائم على حافة الساحل، ويستخدم اليوم مطعما وخمارة منذ احتلال قرية قيسارية الفلسطينية عام 1948 من قبل إسرائيل التي أقامت على أنقاضها بلدة تحمل اسمها.

وتنقل سلطة الآثار عن الغواص الذي عثر على الكنز ظنه أنه عثر على نقود صناعية معدة للألعاب، لكنه ما لبث أن عرف قيمتها فخرج من الماء مسرعا وبيده بعض الدنانير وهي بأوزان وأحجام مختلفة وأطلع المسؤولين عليها.

ويعتبر مسؤول الآثار البحرية في سلطة الآثار الإسرائيلية يعقوب شاربيط أن الكنز يشمل شهادة تاريخية مثيرة ونادرة عن الحياة في البلاد في العهد الفاطمي، لافتا إلى أن أهمية الكنز تتعدى قيمته المالية بصفته وثيقة تاريخية أثرية نادرة.

ويرجح أن هناك عدة سيناريوهات تفسر رسوب الكنز في قاع البحر، منها غرق سفينة كانت تحمل أموال الضرائب من فلسطين إلى الحكم المركزي في القاهرة، أو أنها كانت رواتب موظفين أرسلت من مصر للجنود في حامية قيسارية.

كما يرجح أن يكون الكنز على متن سفينة تجارية كبيرة قد غرقت في ميناء قيسارية، وهي في طريقها بين مدن ساحل المتوسط، مؤكدا أن عمليات تنقيب وشيكة في المكان من شأنها أن تفك لغز الكنز الذهبي.

مسجد أموي من الآثار المتبقية في قيسارية التاريخية(الجزيرة)
مسجد أموي من الآثار المتبقية في قيسارية التاريخية(الجزيرة)

الحاكم بأمر الله
ويوضح الباحث في الآثار د. وليد أطرش أن حالة الدنانير الفاطمية ممتازة رغم مرور ألف عام وتعرضها للماء، مما يشير إلى جودة الذهب المصنوعة منه.

يشار إلى أن بعض الدنانير تبدو عليها آثار عض أسنان بشرية وهذه طريقة مألوفة حتى اليوم للتثبت من جودة الذهب ومن كونه صافيا خالصا، وقد بدا عدد منها متآكلا، لكن أغلبيتها بدت وكأنها صكت حديثا.

ويستذكر أطرش في حديثه للجزيرة نت أن الدنانير الفاطمية التي أنتجت في صقلية بالقرن التاسع ظلت متداولة بعد الاحتلال الصليبي للبلاد في نهاية القرن الـ11الميلادي، لافتا إلى اكتشاف دنانير فاطمية في مدينة طبريا قبل سنوات. وصك عليها لاحقا في مصر وشمال أفريقيا اسم الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله المنصور (1021-996) واسم نجله الخليفة الظاهر.

مدينة مزدهرة
ويؤكد المؤرخ المختص بالتاريخ الفلسطيني البروفيسور محمود يزبك أن الكنز المكتشف شهادة إضافية على ازدهار قيسارية كمدينة ساحل تراكم فيها إرث حضاري ثري جدا.

ويشير إلى أن قيسارية ما زالت تترك انطباعا كبيرا على زائريها حتى اليوم بفضل العمارة الأثرية المتنوعة والضخمة فيها، لافتا إلى أنها طالما زودت باكتشافات أثرية مفاجئة.

ويرجح يزبك في حديث للجزيرة نت أن يكون "الكنز المكتشف جزءا من الضرائب المقدمة للحكم المركزي ويستذكر أن المصادر التاريخية الإسلامية كالرحالة الأندلسي ابن جبير قد تطرقت لذلك".

ويقول إن ابن جبير تناول جباية الفاطميين للضرائب في "تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار"، وبقية مؤلفات أخرى التي قال فيها إن العامة قدموا نصف غلالهم الزراعية ودينارا عن كل رأس كضريبة للدولة الفاطمية التي اتسمت بثرائها وازدهار تجارتها ومدنها كقيسارية التي تم ترميها وتحصينها.

المصدر : الجزيرة