60 عاما من الحب مع الإبرة والخيط

الشيخ خليل مغامسة أبو إبراهيم (80) فلسطيني من مدينة الناصرة يعمل خياطا منذ 60 عاما
undefined

وديع عواودة-الناصرة

الشيخ الفلسطيني خليل مغامسة (أبو إبراهيم) قد ناهز عمره الثمانين عاما، وهو يعمل خياطا بمدينة الناصرة منذ 60 سنة، ويأبى وقف مشواره الطويل مع الإبرة والخيط خوفا من الملل وحبا للإنتاج.

زارته الجزيرة نت في مشغله الذي يبدو متحفا تراثيا، واستشعرت دفء الرابطة الوجدانية بين الخياط وإبرته. وهو يؤكد أن جلوسه خلف ماكينة الخياطة كل يوم منقلا عينه بين الإبرة والخيط لعدة ساعات يهبه الشعور بالمتعة والطاقة المتجددة.

ويختص مغامسة بخياطة الشوادر المعدة للمراكب والخيم وشرفات المنازل، كما يحيك الحقائب الجلدية المختلفة والمصنوعة من الخيطان القطنية.

ويقول أبو إبراهيم إن مشواره مع الإبرة والخيط بدأ مبكرا عام 1952، عندما ذهب لمدينة حيفا بحثا عن عمل ثم ما لبث أن وجد نفسه يعمل في أحد المشاغل فاكتسب المهنة وعمل فيه طيلة 13 عاما.

‪أبو إبراهيم يعتاد العمل على ماكينة الخياطة نفسها منذ 40 سنة‬ (الجزيرة نت)
‪أبو إبراهيم يعتاد العمل على ماكينة الخياطة نفسها منذ 40 سنة‬ (الجزيرة نت)

طاقة وصبر
وفي 1966 افتتح مشغلا خاصا به في الناصرة وما زال يعمل فيه، ومع تقدمه في العمر أخذ يكتفي بالعمل لأربع ساعات في اليوم، وما زال حتى الآن يوفق في إدخال الخيط بخرم الإبرة دون استخدام نظارات.

ويستهل أبو إبراهيم صباحه كل يوم بلقاء أصدقائه لاحتساء القهوة في مشغله، ويقول إن قهوة الصباح التي تجمع من تبقى من أصحابه هي أجمل ساعات اليوم.

وبينما ينقل ناظريه بين الإبرة والمارة في الشارع، يقول أبو إبراهيم إن ستة عقود من العمل المتواصل لم تطفئ قصة حبه مع ماكينة خياطة ألمانية الصنع بحوزته منذ 40 عاما، فهي "وفية مخلصة لي وتكاد لا تصاب بعطل".

ويستطرد الخياط العجوز بقوله إن مصطلح ملل غير موجود في قاموسه، مشددا على أن الحياة أمل وأن العمل مصدر طاقة لا مصدر رزق فحسب، ويتابع واثقا "أعمل اليوم بحثا عن الطاقة وللمعيشة، فالبطالة عدو للإنسان، والحركة بركة وحياة".

ورغم أن مهنة الخياطة تحتاج لصبر وتأن كبيرين، يقول الشيخ أبو إبراهيم متوددا بأنه متفاهم جدا مع الإبرة والخيط وأنه صبور بطبعه، ويضيف أن الخياطة علمته الصبر بدلا من العكس كما يعتقد الناس.

‪أبو إبراهيم يستعد لنشر ديوانه‬ (الجزيرة نت)
‪أبو إبراهيم يستعد لنشر ديوانه‬ (الجزيرة نت)

إبرة وقلم
وبعد العمل، يمارس أبو إبراهيم هوايته المفضلة في قراءة الكتب وكتابة القصائد، وهو يستعد لإصدار نتاجه الأدبي في ديوان شعري، ويشير إلى أنه لم يتمكن من مواصلة تعليمه الجامعي بسبب الفقر، ويتابع "من أجل استكمال المرحلة الثانوية طلبت المدرسة مني تسديد 30 ليرة سنويا وكان كل ما بحوزة والدي 25 ليرة فقط فعدلت عن الفكرة كي لا أظلم بقية إخوتي".

ويقول إنه كان الأول في صفه وإنه دأب على الاستزادة بالمعرفة من خلال مطالعة الكتب والصحف.

ويبدو أبو إبراهيم انتقائيا في قراءته للصحف الوطنية وكتب الملتزمين بقضية الشعب الفلسطيني. لكنه يميل للكتابة أكثر من القراءة، وقبل زيارة الجزيرة نت لمشغله كان على وشك إنهاء قصيدة مطولة باسم "الشهيد".

ويقول الخياط المثقف إن المتنبي هو أقرب الشعراء العرب إلى قلبه، حيث استشعر بقوة معاني قصائده وعدم قصر اهتمامه على القافية فحسب، كما استهواه عنفوانه وثقافته الواسعة وقدرته على التعبير.

ويعود أبو إبراهيم في حديثه إلى المهنة التي ملكت قلبه لعقود، ويؤكد أنه سيواصل مشواره مع الإبرة والخيط حتى يسقطا من يده عنوة، مبديا أسفه لأن أحدا من أبنائه أو أحفاده لم يمتهن الحياكة رغم إيمانه بأن أنواع الخياطة التي يتقنها لن تنقرض رغم التطور التكنولوجي.

المصدر : الجزيرة