باب العزيزية.. حصن الرعب سابقا

جانب من حطام السور الخارجي لباب العزيزية

جانب من حطام السور الخارجي لباب العزيزية (الجزيرة نت)


مراد بن محمد

لم يعد "باب العزيزية" -مقر إقامة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي– محاطا بهالة من الغموض حول ما تخفيه أسواره، فالمكان الذي ظل حصنا مغلقا لعقود طويلة أصبح اليوم سوقا مفتوحا يزوره الكبار والصغار للاكتشاف والتسوق منذ سقوطه على يد قوات ثوار 17 فبراير.

يقع "باب العزيزية" شديد التحصين في قلب العاصمة طرابلس على مساحة ستة كيلومترات مربعة في موقع يتوسط أحياء شعبية من كل الجهات تقريبا، وبجوار الطريق السريع المؤدي إلى مطار طرابلس الدولي.

ولا يقصد سكان طرابلس أو زوارها المكان بغرض التسوق فقط، فهم يأتون مدفوعين بحب الاطلاع والبحث عن أجوبة تروي تساؤلاتهم المتعطشة لمعرفة بعض أسرار "ساكن العزيزية"، الذي لم يكن مجرد قصر يسكنه القذافي حيث إنه يضم عددا من الثكنات العسكرية والأمنية.

إقبال كبير على السوق (الجزيرة نت)
إقبال كبير على السوق (الجزيرة نت)

ملامح
ولدخول باب العزيزية في شكله الجديد عليك أن تعبر فوق حطام ثلاثة أسوار من الأسمنت المسلح، والمشهد خلف الأسوار المحطمة يبدو متداخلا بين الأشجار والبيوت والركام الطاغي على المكان.

لكن الركام لم يمنع عددا من التجار من القدوم لعرض سلعهم المختلفة، فكل شيء متوفر من أحذية وملابس وألعاب ومستلزمات منزلية وأغراض مستعملة، إلى الدجاج والعصافير والكلاب.

ويتجول المتسوقون بين المعروضات يفحصون هذا ويسألون عن سعر ذاك، ومنهم من يستغل مجيئه لتناول بعض الأكلات الخفيفة التي ينتشر باعتها في كل الأماكن بين التجار.

وبالنسبة لأغلب الأطفال فيبدو أنهم غير مهتمين بمن كان يسكن خلف أسوار باب العزيزية، فاللعب التي تتمثل في الأسلحة هي شغلهم الشاغل وأصوات المفرقعات تطغى على أصوات التجار وهم ينادون بأسعارهم.

مواطنون يحاولون الاطلاع على أسعار كل ما هو متوفر قبل الشراء (الجزيرة نت)
مواطنون يحاولون الاطلاع على أسعار كل ما هو متوفر قبل الشراء (الجزيرة نت)

هل من معتبر
وتحدث الشيخ الصادق -وهو مواطن ليبي جاء للتسوق مع أبنائه- للجزيرة نت وهو يقف أمام باب المستشفى الخاص بالقذافي بعد أن أنهى جولته في السوق، فيقول إنه "ما اعتقد أن تبيد هذه أبدا ولكن سبحان الله ها نحن نتجول فيها"، ويضيف "بحكم قربي من المكان عشت ولدي فضول أن أعرف ما الذي يدور داخل هذا الحصن".

ويضيف "فضلت لو لم يتم حرق القصر ولا أي شيء هنا حتى لا تتبدل ملامح المكان الذي يمكن أن يصبح منتزها أو يكون القصر متحفا لمن يريد زيارته. ربما ليس المهم أن تزور منزل القذافي الآن ولكن بعد سنوات سيكون من المهم أن يتجول أبناؤنا هنا، خاصة عند الحديث عن ثورة 17 فبراير".

وعن سؤال حول الدلالة الرمزية لاختيار هذا المكان بالتحديد كسوق، يقول علي سالم -وهو ثلاثيني يعمل في بيع المعدات النحاسية- "إن وجودنا ليس باتفاق ولكن فيه دلالات فعلا، فلا أحد يخفي اليوم وجود عدد من فلول النظام البائد أو ما يسمون بـ"الطابور الخامس".. فوجودنا هنا ربما يذكرهم بتغير الأحوال وعدم دوامها وربما يعيدهم ذلك إلى رشدهم ويذكرهم بأن عهد القذافي قد مضى بلا رجعة".

ويضيف سالم "لا أخفي أنه كانت لدي رهبة في البداية من الدخول، والأهم كانت لي دروس وعبرة من هذه الخاتمة"، مشيرا إلى قدرة الإرادة العامة للشعوب على التغيير، وقال "في السابق الأكيد أن سجن أبو سليم لن يسع كل من يفكر بالتجول أمام باب العزيزية".

بيت القذافي بعد الحرق (الجزيرة نت)
بيت القذافي بعد الحرق (الجزيرة نت)

وجهة الأسرة
وتستغل العائلات فرصة السوق لاقتناء حاجياتها بأسعار تنافسية، ويقول أحمد عبد السلام الذي تعوّد التسوق من هذا المكان منذ سقوط النظام "أنا أسكن في المنصورة، يعني القذافي جارنا، ولكن لم نكن نعرف عن هذا المكان شيئا، وهذا ما كنت أتمنى أن أراه قبل الثورة ولهذا أنا هنا ليس للتسوق فقط ولكن أريد أن أعرف كيف كان يعيش؟ وها أنا أتجول في المستشفى المجاور لمنزله".

وللغرض نفسه أتى عبد الله عبد السلام وهو طالب جامعي أتيحت له فرصة دخول باب العزيزية قبل سقوط النظام، ويلاحظ "ليس من السهل تمييز ما كان عليه هذا الحصن، فالحرائق أتلفت ملامح المنازل والمستشفى، وكما ترى لا وجود لآثار بيت استقبال الضيوف الذي كان على شكل الخيمة المجاورة لبيت القذافي الذي يسميه البيت الصامد".

ويقول ماهر إبراهيم -وهو تاجر في أغراض السيارات المستعملة- "ليس من السهل أن تزور هذا المكان ولا تزيد قناعتك بأن مال الناس للناس".

ويضيف "أتمنى أن تتم إزالة الأسوار بالكامل، مع أني كنت أفضل لو لم يتم حرق وتهديم ما بالداخل وتحويل المكان لمتنزه".

وفي باب العزيزية هناك عدد من الأسر الليبية التي سكنت هنا لأن ليس لهم منازل، وكتبت على الجدار بأن المحل مخصص للسكنى حتى لا يزعجهم الزائرون.

المصدر : الجزيرة