أعباء الجنود الأميركيين بالعراق تهدد صحتهم مستقبلا

US soldiers check the site where five people were killed and 10 wounded in a car bombing and a suicide bombing near the heavily fortified Green Zone, the seat of the Iraqi government and headquarters

الجنود الأميركيون معرضون لمشاكل نفسية عدة (الفرنسية-أرشيف)

مازن النجار
يتعرض الجنود الأميركيون في العراق لأعباء وإجهادات وكروب فوق المعتاد في الحروب، نظرا لعدم كفاية القوات واضطرار القيادة السياسية والعسكرية إلى تغيير نظام تبديل الوحدات بما يطيل أمد وجودها في ميادين القتال أو إعادتها مرة أخرى إلى العراق رغم أنها أمضت هناك فترات خدمتها المقررة لها.

يتمثل اضطراب "كرب عقب الصدمة" -يصيب الجنود بعد التعرض لصدمات القتال- باسترجاعات مفزعة من الذاكرة، والمراوحة بين التنميل (الخدر) العاطفي واندلاع الغضب والشعور بالذنب والاكتئاب.

وقد يعاني بعضهم فقد الذاكرة والانتباه أو الأرق والقلق. وغالبا ما يقعون فريسة الإدمان على المخدرات والكحول لاحقا. لكن المعروف -بشكل أقل- أن هذا الاضطراب يؤدي لصحة بائسة جسديا كما هي نفسيا.

يلاحظ الباحثون أن الجنود المصابين بهذا الاضطراب، بعد خبرة قتالية أو من دونها، كانوا أكثر عرضة للوفاة بأسباب كالحوادث والمخدرات والانتحار. أما المصابون به نتيجة القتال فقد كانوا كذلك أكثر عرضة للوفاة بأمراض القلب، بل وبمختلف أنواع السرطان.

وأورد تقرير لمكتب المحاسبة العام (تابع للكونغرس) دراسة قدرت أن 16% من الجنود يعودون من العراق باضطراب "كرب عقب الصدمة"، رغم أن المسؤولين العسكريين يقولون إنهم لا يحتفظون بإحصائيات حول عدد المصابين المستمرين في الخدمة القتالية، فمعظم الجنود لا يتلقون فحوصا جماعية.

وكانت دراسة أخرى لعلماء الجيش الأميركي قدرت أن 18% من الجنود في العراق معرضون لكرب عقب الصدمة، وهذا يترجم عدديا بنحو 60 ألفا.

ويصبح الجنود أكثر تعرضا لهذا الكرب بازدياد الاشتباكات التي يخوضها الجنود، بينما يتنبأ خبير آخر -من محاربي فيتنام- أن مستويات كرب عقب الصدمة للجنود الأميركيين في العراق تماثل نظائرها لدى المحاربين في فيتنام.


ممارسة شائعة
وفي تقرير لمراسلة شبكة "سي بي أس" الأميركية، شارين ألفونسي، أفاد الأطباء العسكريون مؤخرا بأنه تحت ضغط متطلبات الحفاظ على مستويات تعبئة معينة، تصبح إعادة نشر جنود مصابين باضطرابات عقلية في ميادين القتال "ممارسة الشائعة".

وكان بعض هؤلاء الجنود قد أمضوا شهورا طويلة في العراق قبل أن يقوم أطباؤهم العسكريون بتشخيص إصابتهم بـ"كرب عقب الصدمة". وقد أرسل البعض إلى وحدات العلاج النفسي بمراكز العلاج.

ووفقا لنفس التقرير، أحد هؤلاء مثلا أخذ منه سلاحه، لاعتباره غير صالح لأداء مهامه العسكرية. وأودع قيد الاحتجاز والمراقبة تحسبا من إقدامه على الانتحار". وبعد عام أعيد إرساله إلى الرمادي بالعراق، في قلب مثلث العمليات، وأعيد إليه سلاحه. ولا يزال هنالك.

وقد أرسل لأسرته رسالة يقول "يكاد رأسي ينفجر من الدماء المتورمة داخله، ومن عاصفة البرق التي حدثت داخله". وكتب إلى والده أن العلاجات المضادة للاكتئاب تجعل حالته سيئة، وربما يتوقف عن تناولها.

الدكتور جون ويلسن، الخبير بصدمات القتال، يعتبر إعادة ذلك الجندي للعراق فكرة غير جيدة بتاتا. فهناك خطر حقيقي من دفع جنود يعانون من "كرب عقب الصدمة" إلى الخطوط الأمامية إذ إنهم عرضة لمخاطر، ويجعلون وحداتهم العسكرية عرضة لها أيضا، وقد ينهارون تحت وطأة القتال.


واجه مخاوفك
وجندي آخر نال أوسمة عسكرية وأصيب إصابة بالغة ببغداد لدى تفجير عربة همفي التي كان يقودها بواسطة لغم أرضي، ولقي صديقه حتفه، يلخص خبرته المؤلمة لاحقا بأن أسوأ يوم ممكن هو حقيقة كل يوم، وتزداد الأمور سوءا يوميا.

وأصبح مصابا بالاكتئاب وجنون الارتياب، وشخصه الأطباء بـ"كرب عقب الصدمة". وبعد أربعة أشهر من التفجير أعيد للعراق. وأرسل الجيش لأسرته يقول إنهم يعلمون بمعاناته من ذلك الكرب لكن "الأفضل لمصلحته" أن "يواجه مخاوفه" ويعود للجبهة.

يعتبر د. ويلسن هذا القرار مفتقرا للفهم السليم، فإرسال شخص بهذه الحال إلى الجبهة ويقال له "واجه مخاوفك" يناقض المعرفة الطبية الراهنة حول "كرب عقب الصدمة". يعتبر هذا الجندي أنه أعيد للعراق حتى تستكمل القيادة العسكرية أعداد الجنود اللازمة في صفوف قواتها هناك.

وكانت دراسات عديدة قد تناولت الآثار الضارة للحروب على صحة الجنود، وكشفت أمراضا ومعاناة طويلة تجعلهم أكثر عرضة لأمراض القلب والشرايين والبول السكري والسرطان أيضا، والمرجح أن تصيب الجنود الذين خبروا قتال حرب المدن، كما في العراق الآن.


ارتباطات متعددة
أظهر تحليل سجلات وبيانات أمراض ووفيات وكيفية وفاة -جنود خدموا في فيتنام ولبنان- فروقا دالة بمعدلات الوفاة بين مجموعة عانت أمراضا مستعصية نتيجة ضغوط وأمراض نفسية وتوفي أفرادها نتيجة ذلك، وأخرى توفي أفرادها طبيعيا خلال 30 عاما بعد نهاية حرب فيتنام.

ووجدت دراسات أخرى ارتباطا بين الإجهاد وأمراض القلب، وهي المرة الأولى التي يثبت فيها هذا الترابط مع اضطراب "كرب عقب الصدمة"، بعد حدوثه بسنوات. لكن السرطان هو مفاجأة توقف عندها الباحثون، ولم يمكن تفسيره بفروق بين الجنود في عادات التدخين.

كذلك وجد الباحثون أن المصابين بـ"كرب عقب الصدمة" قد يشهدون على المدى البعيد تغيرات في مختلف ردود الفعل المناعية، ومستويات هرمون الإجهاد "كورتيزول" وكيماويات متل "الأدرينالين" و"الدوبامين" المسؤولة عن انفعالات القتال والاشتباك.

ولاحظوا علاقة مباشرة بين مقدار تعرض الجنود للقتال وانخفاض مستويات هرمون الإجهاد، فازدياد وفيات المصابين بـ"كرب عقب الصدمة" يظهر أن الكرب قاتل، ولكن التأثير يزداد كثيرا بين جنود خاضوا القتال فعلا، ما يبين أن شيئا ما سيئا -بشكل خاص- يصاحب هذه الظواهر، وقد يعود إلى مستويات هرمونات الإجهاد والضغوط النفسية.

المصدر : الجزيرة