حزب العمال.. هيئة سياسية ولدت من الطبقة العاملة في بريطانيا

شعار حزب العمال البريطاني - الموسوعة
شعار حزب العمال البريطاني (الجزيرة)

حزب بريطاني تأسس في مطلع القرن العشرين بهدف إسماع صوت الطبقة العاملة وتمكينها من التمثيل في البرلمان. قاد الحكومة لأول مرة سنة 1924. وحقق في فترة الأربعينيات إنجازات مهمة، منها إنشاء خدمة الصحة العمومية، ووضع أسس دولة الرفاهية وتمكن خلال قيادته الحكومة من إقناع الولايات المتحدة بدعم أوروبا في مواجهة الخطر الشيوعي عبر تأسيس حلف شمال الأطلسي (ناتو). 

النشأة والتأسيس

تأسس حزب العمال البريطاني في مطلع القرن العشرين، ففي عام 1900 تحالف حزب العمال المستقل مع الجمعيات الاشتراكية (الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي ذي التوجه الماركسي والجمعية الفابيانية التي ضمّت مثقفين من الطبقة الوسطى)، وأنشؤوا "لجنة تمثيل العمال"، التي غيرت اسمها إلى حزب العمال عام 1906 بعد حصولها على 29 مقعدا في الانتخابات البرلمانية العامة.

كان الحزب في بدايته يفتقر إلى كتلة جماهيرية ممتدة في البلاد، واتسم جهازه السياسي حديث النشأة بالضعف، وعانى من صعوبات مالية، حتى عام 1914، إذ استعاد نشاطه بفضل عدة عوامل من بينها القوانين الجديدة التي أقرها البرلمان البريطاني، ومنها قانون رواتب النواب وقانون نقابي جديد يتيح للنقابات استيفاء رسم سياسي من أعضائها، إضافة إلى التوصل إلى اتفاق غير رسمي مع حزب الليبراليين ينص على اقتسام المواقع الانتخابية حيث لا يقدم الحزبان مرشحيهما في المنطقة نفسها.

ساهم تراجع شعبية الحزب الليبرالي بعد الحرب العالمية الأولى في إعطاء دفعة كبيرة لحزب العمال، فأصبح الحزب المعارض الرئيسي في البلاد، وزاد من فرصة الإصلاح الانتخابي عام 1918 مما ساهم في زيادة أعداد منتسبيه.

الفكر والأيديولوجيا

نشأ الحزب بهدف الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وإيصال صوتها إلى البرلمان، وحمل في بداية تأسيسه أفكارا اشتراكية، ودافع عن تأميم المؤسسات وتوزيع الثروة والعدالة الاجتماعية والقضاء على الفوارق الطبقية. وبعد عقود، بدأ الحزب يتجه نحو مسار أكثر ليبرالية خاصة في مرحلة زعيمه توني بلير، الذي جاء بأفكار جديدة قطعت مع الماضي.

أعلن بلير في خطاب له بمؤتمر حزب العمال في أكتوبر/تشرين الأول 1994 عن تعديل دستور الحزب وإلغاء البند الرابع منه، وتخلى عن فكرة التأميم واحتضان فكرة اقتصاد السوق.

كما تضمن التعديل التزام الحزب بالعمل على توازن السوق والملكية العامة وتحقيق التوازن بين خلق الثورة مع عدالة اجتماعية، وطرح شعارا جديدا للمرحلة استعمل لأول مرة في ذلك المؤتمر، وهو "حزب العمال الجديد حياة جديدة لبريطانيا".

تأثر حزب العمال الجديد بأفكار المفكر السياسي "أنطوني كروسلاند" وعالم الاجتماع الشهير "أنتوني جيدنجر"، الذي طور منهجية ما عرف بـ"الطريق الثالث"، وصدر له كتاب بشأنها عام 1989 عنوانه "الطريق الثالث تحديد الديمقراطية الاشتراكية".

سعت أيديولوجية "الطريق الثالث" إلى التوفيق بين إيجابيات بعض التوجهات الاشتراكية وأبرزها عدالة التوزيع وحركية بعض النزعات الرأسمالية، وأهمها التركيز على الحافز الفردي أساسا للتقدم والنمو.

وتعد هذه الأيديولوجية نتاج العمل المشترك بين مجموعة من علماء السياسة والاجتماع البارزين ونخبة من السياسيين الطامحين إلى التعامل الإيجابي مع حقائق العصر، وأهمها ضرورة فتح الأسواق وتطبيق مذهب الحرية الاقتصادية على المستوى الكوني، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الاستقرار السياسي من خلال الاهتمام الشديد بالبعد الاجتماعي للتنمية بصياغة شبكات للأمان الاجتماعي وللرعاية الشاملة.

البنية التنظيمية لحزب العمال

يعد المؤتمر العام أعلى سلطة في الحزب، ويتألف من مندوبين عن نقابات العمال والجمعيات الاشتراكية والفروع المحلية والمؤسسات والهيئات الأخرى.

ينعقد المؤتمر سنويا أو في دورات استثنائية، وله سلطة مطلقة على دستور الحزب، وكذلك له سلطة فعلية لتحديد المواضيع التي يجب أن يتضمنها برنامج الحزب، كما يراقب المؤتمر ويوجه النشاط العام للحزب، وينتخب اللجنة القومية التنفيذية، التي تعمل وفقا لتوجيهه وتقدم له تقارير عامة ومالية سنويا.

تأتي بعد المؤتمر في البنية التنظيمية اللجنة القومية التنفيذية، ويساعدها المكتب المركزي، وتتألف من زعيم الحزب وسكرتيره وأمين الصندوق وممثلين عن النقابات وعن الفروع المحلية وعدد من الأعضاء ينتخبهم المؤتمر القومي العام، إضافة إلى ممثل تنتخبه الجمعيات الاشتراكية والتعاونية. وتجتمع اللجنة القومية التنفيذية مرة أو مرتين في الشهر.

وتعمل ثلاث هيئات على صياغة السياسات داخل الحزب، وهي المنتدى الوطني للسياسات، وينعقد بوتيرة منتظمة لمناقشة الوثائق الصادرة عن اللجان الست المعنية بالسياسات، ثم يرفع الوثائق الاستشارية النهائية للسياسات والتقارير السنوية إلى المؤتمر الحزبي.

وتوجه اللجنة المشتركة للسياسات عمل المنتدى الوطني للسياسات وتحديد الأولويات والنقاشات.

ويضم الحزب ست لجان معنية بالسياسات، تنعقد عدة مرات في السنة ودورها النظر في اقتراحات السياسات التي تتلقاها من مختلف أقسام الحزب، كما تراقب التزام الحزب بالقضايا ذات الصلة.

وهذه اللجان هي: بريطانيا والعالم، إنشاء مجتمعات محلية مستدامة، الجريمة والعدالة والمواطنة والمساواة، التعليم والمهارات، الصحة، الازدهار والعمل.

مالية الحزب

يعتمد حزب العمال البريطاني على الاشتراكات التي يدفعها الأعضاء في نقابات العمال والجمعيات الاشتراكية والتعاونية والفروع المحلية، ويأتي نحو نصف تمويله من مصادر نقابية، بينما يأتي الباقي من الأعضاء الأفراد، ومجموعة متنوعة من المانحين الأثرياء، وعائدات من الاستثمارات.

جرت محاولات منذ أوائل التسعينيات من القرن العشرين لتقليل الاعتماد على النقابات في التمويل، إلا أن هذه المحاولات كانت ذات تأثير محدود، واقترح زعيم الحزب "إد ميليباند" عام 2013 أن تصبح مساهمات الأعضاء مسألة اختيارية.

مراحل رئيسية في تاريخ الحزب

شكل الحزب أول حكومة عمالية في تاريخ بريطانيا عام 1924، بدعم من الليبراليين وبقيادة "رامزي ماكدونالد"، لكنها لم تدم سوى 11 شهرا، إذ تعرضت لحملة معادية من الصحف اليمينية، اتهمتها بالتعاطف مع الاتحاد السوفياتي وبالخضوع للنفوذ الشيوعي.

عاد حزب العمال إلى السلطة عام 1929 بعد تشكيله حكومة ائتلافية مع الحزب الليبرالي، إلا أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع البطالة فيما عرف بالفساد الكبير، أوقع الحكومة في ديون كبيرة انتهت بالهزيمة في انتخابات 1931.

دفعت هذه الهزيمة الحزب إلى مراجعة فكرية وتنظيمية خلال فترة الثلاثينيات، خصوصا بعد أن تحدى ماكدونالد اعتراضات معظم مسؤولي الحزب وشارك في حكومة ائتلافية مع المحافظين والليبراليين.

ظل الحزب خارج السلطة حتى عام 1940، عندما انضم وزراء منه إلى حكومة ائتلافية في زمن الحرب بقيادة ونستون تشرشل، وأصبح زعيمه "كليمنت آتلي" نائبا لرئيس الوزراء، إلا أنه ترك الحكومة عام 1942 وعاد إلى السلطة بعد انتهاء الحرب عام 1945 وحقق فوزا ساحقا على المحافظين.

حقق الحزب إنجازات مهمة في تلك الفترة، إذ أنشأ خدمة الصحة العمومية، ووضع أسس دولة الرفاهية، وأقنعت الحكومة الولايات المتحدة بدعم أوروبا في مواجهة الخطر الشيوعي عبر تأسيس حلف شمال الأطلسي.

في الخمسينيات تراجع أداء الحزب لصالح المحافظين، إلا أن انتخاب الشاب "هارولد ولسون" عام 1963 مكن من تحقيق الفوز على المحافظين، وكذا فوز آخر أكبر في الانتخابات المبكرة عام 1966.

لم يتمكن ولسون خلال ست سنوات على رأس السلطة من تحقيق وعوده، وشهدت فترته العديد من الأزمات الاقتصادية والانقسام الداخلي بسبب الجدل الذي رافق دعمه الولايات المتحدة الأميركية في حربها على فيتنام خلافا لآراء الكثيرين داخل الحزب.

في نهاية السبعينات من القرن العشرين، شهدت بريطانيا عددا من الأزمات، منها أزمة تخفيض سعر الجنيه الإسترليني والإضرابات العمالية، واصطدم الحزب في هذه الفترة مع نقابات العمال، ما أدى إلى خسارته الانتخابات عام 1979 لصالح حزب المحافظين بقيادة "مارجريت تاتشر".

وتلا هذه الهزيمة القاسية انشقاق التيار اليميني وتشكيله حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وظل الحزب بعدها بعيدا عن الحكم لمدة 18 عاما.

حزب العمال الجديد

انتخب الحزب "توني بلير" زعيما له عام 1994، وأعلن هذا الأخير تدشين مرحلة جديدة في تاريخه عرفت بـ"حزب العمال الجديد"، وخلال خطاب له ألقاه في المؤتمر أعلن عن تعديل دستور الحزب والتخلي عن فكرة التأميم واحتضان فكرة اقتصاد السوق.

هيمن حزب العمال على الحكومة في الفترة ما بين 1997 و2010، إلا أن بلير أعلن استقالته عام 2007 من رئاسة الوزراء ومن قيادة الحزب بعد تصاعد الانتقادات الموجهة ضده لمشاركة بريطانيا في غزو العراق عام 2003.

خلفه غوردون براون، الذي واجه تحدي إعادة تنظيم صفوف الحزب واستعادة القاعدة الشعبية التي خسرها ومواجهة الأزمة الاقتصادية، ورغم نجاحه في منع انهيار النظام المصرفي البريطاني، إلا أن ذلك لم يساعده في تحقيق الفوز لحزب العمال في انتخابات 2010 فخرج من السلطة بعد 13 عاما من الحكم المتواصل.

اختار الحزب في مؤتمره السنوي إدوارد صامويل ميليباند زعيما له، واعتُبر اختياره بمثابة قطيعة مع ميراث بلير وسياسات حزب العمال الجديد، خاصة وأنه لقي دعما واسعا من قبل النقابات العمالية الكبرى في البلاد.

لم يفلح الحزب في انتخابات 2015 و2019 في إحراز نتائج إيجابية تمكنه من ترؤس الحكومة.

وفي 2024 تعهد زعيم حزب العمال كير ستارمر في المؤتمر السنوي للحزب في أكتوبر/تشرين الأول 2023 بأن بريطانيا ستشهد عقدا من التجديد الوطني بعد 13 عاما من حكم المحافظين، معتبرا أن ما كسر يمكن إصلاحه.

ورطة حرب غزة

تسبب رفض ستارمر دعم وقف إطلاق النار في غزة، في خلافات وانقسامات واستقالات داخل الحزب بينما الاستعدادات جارية للانتخابات العامة في النصف الثاني من عام 2024.

وصوت 56 نائبا من نواب الحزب يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لصالح مطالبة الحكومة بالدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة التي تعرضت لعدوانا إسرائيلي بدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ويوم 5 فبراير/شباط 2024 حذر بيان صادر عن شبكة العمال المسلمين التي تضم نوابا مسلمين ورؤساء بلديات وأعضاء في حزب العمال، من خسارة الحزب أصوات الناخبين المسلمين في البلاد إذا لم يغير موقفه الداعم لإسرائيل في حربها على قطاع غزة.

وقالت الشبكة إن الناخبين المسلمين بعثوا برسالة واضحة مفادها أنهم لن يدعموا أي حزب لا يستطيع إبداء معارضة قوية ضد الجرائم المرتكبة ضد سكان غزة.

وخيرت قيادة الحزب بين أن تغير مسارها أو تخاطر بخسارة دعم المجتمع المسلم الذي استمر لأجيال.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية