حلف شمال الأطلسي (الناتو).. تحالف عسكري لاحتواء "الخطر الشيوعي"

تحالف عسكري تأسس عام 1949 من 12 دولة بهدف مواجهة توسع الاتحاد السوفياتي في أوروبا والعالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ويقع مقر الحلف في بروكسل، وبعد توسعه أصبح يضم 32 دولة، وكانت السويد آخر دولة انضمت إليه في السابع من مارس/آذار 2024.

التأسيس

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية باستسلام القوات الألمانية للحلفاء في مايو/أيار 1945، ظهرت التهديدات التوسعية للاتحاد السوفياتي، مما دفع دول أوربا الغربية إلى التفكير في وسيلة "لردع الخطر الشيوعي" واحتوائه في أوروبا وأميركا الشمالية.

وفي الرابع من أبريل/نيسان 1949، وقع وزراء خارجية 12 دولة على معاهدة شمال الأطلسي في العاصمة الأميركية واشنطن لإنشاء تحالف عسكري أطلق عليه حلف شمال الأطلسي، ويعبّر عنه اختصارا بـ"الناتو".

والدول المؤسسة للحلف هي الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، كندا، بلجيكا، فرنسا، الدانمارك، آيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، النرويج، البرتغال.

بعد 5 أشهر من توقيع المعاهدة، صادقت عليها برلمانات جميع البلدان المؤسسة.

قوات تابعة للناتو تتجه إلى بولندا للمشاركة في مناورات للحلف (غيتي)

مراحل توسع التحالف

بعد 3 سنوات من تأسيس الحلف، ازدادت المخاوف من التوسع السوفياتي في أنحاء أوروبا والعالم، خاصة بعد الدعم السوفياتي لكوريا الشمالية في حربها مع كوريا الجنوبية عام 1950، فبدأ العمل على توسيع نطاق نفوذ التحالف ليشمل دول جنوب شرق أوروبا، فانضمت اليونان التي كانت قد خرجت لتوها من الحرب الأهلية وتركيا في 18 فبراير/شباط 1952.

وفي السادس من مايو/أيار 1955، أصبحت ألمانيا عضوا في الناتو، وذلك بعد سنوات من المداولات بين قادة دول الحلف لإيجاد طرق لدمج جمهورية ألمانيا الاتحادية في الهياكل الدفاعية لأوروبا الغربية، ومع إعادة توحيد ألمانيا في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 1990، انضمت ولايات جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية في عضويتها في حلف شمال الأطلسي.

وانضمت إسبانيا إلى التحالف يوم 30 مايو/أيار 1982 بعد نهاية مرحلة نظام فرانسيسكو فرانكو عام 1975، والانقلاب العسكري الفاشل عام 1981، وشاركت بشكل كامل في الهياكل السياسية للمنظمة، لكنها امتنعت عن المشاركة في الهيكل.

وتضاءلت تحفظات مدريد تدريجيا، إذ صادق البرلمان الإسباني على مشاركة البلاد في هيكل القيادة العسكرية المتكاملة عام 1996، وهو القرار الذي تزامن مع تعيين خافيير سولانا لحلف شمال الأطلسي في الفترة ما بين (1995-1999)، وهو أول أمين عام إسباني للناتو.

بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وتفكك حلف وارسو، أصبحت الفرصة متاحة لتوسيع الحلف وضم أعضاء جدد من أوروبا الوسطى والشرقية، وعام 1997 بدأت في مدريد محادثات مع دول التشيك والمجر وبولندا للانضمام إلى الحلف، وفي 12 مارس/آذار 1999 أصبحت هذه الدول الثلاث أول أعضاء سابقين في حلف وارسو ينضمون إلى الناتو.

وفي 29 مارس/آذار 2004، أصبحت دول بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، رسميا أعضاء في الحلف، وكانت هذه أكبر موجة توسع في تاريخ الناتو.

وفي الأول من أبريل/نيسان 2009، وقّعت كل من ألبانيا وكرواتيا بروتوكولات الانضمام للحلف، ثم انضمت إليه جمهورية الجبل الأسود عام 2017، وجمهورية مقدونيا الشمالية عام 2020، ثم فنلندا في 2023، وفي السابع من مارس/آذار 2024 أودعت السويد وثيقة انضمامها إلى الحلف لتصبح الدولة العضو رقم 32.

وإلى جانب الدول الأعضاء، عقد الحلف شراكات مع العديد من الدول من خارج أوروبا، وخلال العقود الماضية وقّع اتفاقيات شراكة مع نحو 40 دولة حول العالم، وتندرج ضمن 4 اتفاقيات رئيسية: دول شركاء سلام، ودول الحوار المتوسطي، ودول مبادرة إسطنبول للتعاون، وأخيرا اتفاقية الشركاء الدوليين. ويسهم هؤلاء الشركاء في العمليات والمهام التي يقودها الناتو في مناطقهم.

وسائل العمل

وحسب الموقع الإلكتروني للناتو، فإن الهدف من تأسيسه هو ضمان حرية وأمن أعضائه من خلال الوسائل السياسية والعسكرية.

على المستوى السياسي، يعلن الحلف أنه يعمل على "تعزيز القيم الديمقراطية" وتمكين أعضائه من التشاور والتعاون في القضايا المتعلقة بالدفاع والأمن لحل المشاكل، وبناء الثقة، ومنع الصراعات على المدى الطويل.

وعلى المستوى العسكري، فإن المنظمة ملتزمة بالحل السلمي للنزاعات، وفي حال فشل الجهود الدبلوماسية، فإنها تلجأ إلى القوة العسكرية اللازمة للقيام بعمليات إدارة الأزمات، ويتم تنفيذها بموجب بند الدفاع الجماعي في المعاهدة التأسيسية لمنظمة حلف شمال الأطلسي أو بموجب تفويض من الأمم المتحدة، بمفردها أو بالتعاون مع بلدان ومنظمات دولية أخرى.

شروط العضوية

العضوية مفتوحة أمام أي دولة أوروبية في وضع يمكنها من تعزيز مبادئ المعاهدة التأسيسية للحلف والمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي.

وللانضمام للحلف على الدولة المرشحة إرسال خطاب نوايا، وبعد الموافقة عليه يتم إجراء محادثات فنية داخل اللجان المتخصصة، وتركز هذه المحادثات على القضايا السياسية والدفاعية والعسكرية، إضافة إلى بحث الموارد والميزانية المشتركة.

ويشترط للعضوية أن تتوفر الدولة المرشحة على نظام ديمقراطي موحد واقتصاد السوق المفتوح والقدرة على المساهمة في العمليات العسكرية للحلف، ولا يتم قبول العضوية رسميا إلا بعد موافقة جميع برلمانات الدول الأعضاء.

آلية الدفاع الجماعي

كان الهدف الرئيسي لمعاهدة شمال الأطلسي هو إنشاء ميثاق للتعاون المتبادل بين الدول الأعضاء لمواجهة مساعي الاتحاد السوفياتي لبسط سيطرته على أوروبا الشرقية وباقي أجزاء القارة والعالم، ويعدّ هذا الشكل التضامني هو قلب المعاهدة، والذي ترجمته المادة 5 منها المتعلقة بالدفاع الجماعي.

وتنص هذه المادة على أنه "إذا تعرض أحد أعضاء الحلف لهجوم مسلح، فإن هذا العمل سيعتبر بمثابة هجوم ضد جميع الأعضاء وعليهم اتخاذ التدابير التي يرونها ضرورية لمساعدة الحليف الذي تعرض للهجوم".

هذه المساعدة ليست عسكرية بالضرورة، بل إن أمر تقديرها متروك لكل دولة لتحديد كيفية مساهمتها بناء على قدراتها ومواردها المادية.

لم تستخدم المادة 5 من المعاهدة إلا مرة واحدة ردا على الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميركية في 11 سبتمبر/أيلول 2011، إذ تقدمت بطلب للناتو أطلقت على إثره أول عملية للحلف "لمكافحة الإرهاب" في الفترة من منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2001 إلى منتصف مايو/أيار 2002، وأطلق عليها اسم "مساعدة النسر"، إذ قامت 7 طائرات رادار أواكس تابعة لحلف شمال الأطلسي بدوريات في سماء الولايات المتحدة.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2001، أطلق التحالف عمليته الثانية لمكافحة الإرهاب، وهي عملية "المسعى النشط"، إذ أُرسلت عناصر من القوات البحرية الدائمة التابعة لحلف شمال الأطلسي للقيام بدوريات في شرق البحر الأبيض المتوسط ومراقبة الشحن لكشف وردع الأنشطة الإرهابية، وفي مارس/آذار 2004 توسعت العملية لتشمل منطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها.

واتخذ الناتو تدابير دفاعية جماعية في 3 مناسبات، إذ نشر صواريخ باتريوت خلال حرب الخليج عام 1991، وعام 2003 تم الاتفاق على حزمة من التدابير الدفاعية وإجراء خلال الأزمة في العراق، وعام 2012 نشر صواريخ باتريوت ردا على التطورات في سوريا.

الإنفاق الدفاعي

يلزم حلف الناتو الدول الأعضاء بإنفاق 2% على الأقل من ناتجها المحلي الإجمالي لتمويل المنظمة، إلى جانب المساهمات غير المباشرة التي يتحملها الأعضاء بشكل فردي، والتي تمثل أكبر عنصر في تمويل الحلف، وتشمل القوات التي تنشرها كل دولة، والتي تقدمها للمنظمة لأغراض الردع والعمليات العسكرية.

وأبرز التقرير السنوي للمنظمة لعام 2023 أن الحلفاء الأوروبيين وكندا زادوا الإنفاق الدفاعي للعام التاسع على التوالي، إذ ارتفع بنسبة 11% بالقيمة الحقيقية مقارنة بعام 2022، واستوفى 11 حليفا المبدأ التوجيهي المتمثل في إنفاق 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، وأوائل عام 2024، ارتفع هذا العدد إلى 18 حليفا.

وتسهم الولايات المتحدة الأميركية بـ67% من الإنفاق العسكري المشترك، ويقدر إجمالي الإنفاق في عام 2023 بحوالي 1.1 تريليون دولار.

الانتشار العسكري

يبلغ مجموع الجنود في كل دول حلف الناتو 3.5 ملايين جندي، 1.2 مليون منهم من الولايات المتحدة.

يتوزع 7 آلاف جندي من قوات الناتو في كل من إستونيا (800 جندي) ولاتفيا (1200 جندي) وليتوانيا (1200 جندي) وبولندا (4 آلاف جندي) حيث توجد قواعد عسكرية أميركية، وتنتشر فرقة من البحرية الأميركية من 300 جندي في النرويج لمراقبة الدائرة القطبية الشمالية، التي تتشارك فيها الحدود مع روسيا.

وفي 2023، أعلن الحلف عن زيادة عدد قواته التي يضعها في حالة تأهب في أوروبا من 40 ألفا إلى أكثر من 300 ألف، كما عزز قواته الدفاعية في المنطقة الشرقية من أوروبا المتاخمة لروسيا بـ8 مجموعات قتالية متعددة الجنسيات.

الفكر الإستراتيجي

منذ تأسيسه، تطور الفكر الإستراتيجي لحلف شمال الأطلسي خلال فترتين تاريخيتين متميزتين: فترة الحرب الباردة وفترة ما بعد الحرب الباردة. وتتضمن وثيقة المفهوم الإستراتيجي -التي يحدثها الحلف كل عقد- أهدافه الإستراتيجية التي توضع بناء على تقييم جماعي للتهديدات والمخاوف الأمنية.

وقامت إستراتيجية الحلف في الفترة من عام 1949 إلى عام 1991 -واتسمت بالمواجهة الثنائية القطبية بين الشرق والغرب- على الدفاع والردع والمواجهة بشكل أساسي أكثر من التركيز على الحوار والتعاون، مما أدى إلى سباق تسلح خطير ومكلف في كثير من الأحيان.

ومنذ عام 1991، تبنى الحلف نهجا أوسع، إذ كانت مفاهيم التعاون والأمن مكملة للمفاهيم الأساسية للردع والدفاع، وبعد الهجمات التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة الأميركية، كثف حلف الناتو اهتمامه بمكافحة الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والحرب الهجينة، والتكنولوجيات الناشئة والمدمرة.

مع هجوم روسيا على أوكرانيا عام 2014 وضمها شبه جزيرة القرم، دفعت المخاوف من التهديد الروسي وصعود الصين إلى ظهور مشهد جيوستراتيجي جديد، فبدأ الناتو إعادة نشر قواته على جناحيه الشرقي والجنوبي الشرقي عام 2017، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022، اتجه الحلف صوب تعزيز قوة الردع والدفاع بشكل كبير.

ووافق رؤساء دول وحكومات حلف شمال الأطلسي في يونيو/حزيران 2022 على وثيقة مفهوم إستراتيجي جديد، يحدد أولويات الحلف ومهامه الأساسية للعقد التالي، كما يقدم الهدف الأساسي للحلف ورؤيته ومبادئه، إضافة إلى تقييم البيئة الإستراتيجية وتحديد المهام الأساسية لحلف الناتو وهي: الردع والدفاع ومنع الأزمات وإدارتها والأمن التعاوني.

واعتبرت الوثيقة روسيا "أكبر وأهمّ تهديد مباشر لأمن الحلفاء واستقرار المنطقة الأوروبية الأطلسية"، في حين رأت في "طموحات الصين وسياساتها المعلنة وسعيها إلى التحكم في القطاعات التكنولوجية والصناعية الرئيسية وسلاسل التوريد والمواد الإستراتيجية تحديا لمصالح دول الحلف وأمنها وقيمها"، ووضعت ما يسمى "الإرهاب" بجميع أشكاله ضمن التهديدات المباشرة لهذا التحالف ولمواطني دوله.

المصدر : الجزيرة