أوروبا ورابعة.. لم الصمت؟

الإعلام الألماني أدان بشدة مجزرة رابعة العدوية ووصف السيسي بعدها بالإنقلابي ونظامه بالحكم العسكري. الجزيرة نت
في مقابل الموقف السياسي المتراخي تجاه المجزرة أدانها الإعلام الألماني بشدة ووصف السيسي بالانقلابي (الجزيرة نت)

خالد شمت–برلين

تعيد ذكرى مرور خمس سنوات على مذبحة رابعة طرح أسئلة ما زالت مفتوحة حول أسباب عدم تنديد معظم الدول الأوروبية بشكل واضح بهذه الحادثة، التي قتل فيها وجرح الآلاف في يوم واحد.

وباستثناء إدانة فرنسا لـ"أعمال العنف الدامية"، ومطالبتها الحكومة المصرية بـ"وضع حد للقمع"، وتعليق الدانمارك مشروعين تنفذهما في مصر، اكتفت معظم الحكومات الأوروبية بالتعليق على هذه المجزرة عبر بيانات مثل التعبير عن القلق والدعوة لضبط النفس والدعوة للحوار.

ووصفت منظمات وهيئات حقوقية عالمية فض اعتصامي رابعة والنهضة بأكبر مذبحة جماعية في التاريخ المصري الحديث، واعتبرت كاترين أشتون مفوضة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي –حينذاك- أن العنف لن يؤدي إلى حل، وبعد أسبوع من وقوع المجزرة علق الاتحاد الأوروبي تصدير الأسلحة التي قد تستخدم في القمع الداخلي إلى مصر.

البروفسير أودو شتاينباخ: أوروبا شاركت في مجزرة رابعة وفي انتهاكات حقوق الإنسان بمصر (الجزيرة نت)
البروفسير أودو شتاينباخ: أوروبا شاركت في مجزرة رابعة وفي انتهاكات حقوق الإنسان بمصر (الجزيرة نت)

مشاركة أوروبا
وتجاوز الخبير الألماني بقضايا العالم العربي البروفسور أودوشتاينباخ انتقاد الصمت الأوروبي الرسمي تجاه مجزرة رابعة العدوية، واعتبر أن أوروبا شاركت في هذه المجزرة وبانتهاكات حقوق الإنسان بمصر في السنوات الخمس الأخيرة، عبر تأييدها انقلاب وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي في صيف 2013 على رئيسه المنتخب محمد مرسي، ودعمها وصول السيسي للسلطة.

ونوه شتاينباخ –في تصريحات للجزيرة نت– إلى أنه أدان فض اعتصام رابعة العدوية من البداية، باعتباره مذبحة وإجراء يهدف إلى توطيد سلطة الانقلاب الذي نفذه الجيش، ورأى أن الاتحاد الأوروبي تجاوز فتح أبواب دوله أمام السيسي وعقد الصفقات معه، إلى التعامل مع نظامه بشكل طبيعي وصمته على انتهاكاته غير المسبوقة لحقوق الإنسان.

وقال الخبير الألماني المعني بالشأن المصري منذ أكثر من نصف قرن إن الدول الأوروبية، ومن بينها ألمانيا، تدرك أن السيسي يقود سلطة قمعية هوت بمصر لدرك سياسي واقتصادي سحيق فاق بسوء إدارته وقمعه كل ما فعله نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.

وحول اهتمام أوروبا بتحقيق النظام المصري انفتاحا سياسيا، أوضح شتاينباخ أن الغرب لم يعد مهتما بممارسة أي ضغط على السيسي للسير بمصر باتجاه الديمقراطية، وذكر أن العواصم الأوروبية تعرف أنه لا مجال أساسا للسؤال عن تحقيق انفتاح سياسي ومصالحة مجتمعية في بلد يحكمه نظام عسكري بالحديد والنار، وخلص إلى أن السيسي لا يرى مصلحة مصر إلا من خلال حكمه ومصالح جيشه.

وفي السياق نفسه، قال الدكتور شتيفان رول نائب رئيس وحدة الشرق الأوسط بالمؤسسة الألمانية للدراسات السياسية والأمنية إن العواصم الأوروبية –ومن بينها برلين- لم تصدر منها إدانة تذكر لمجزرة رابعة العدوية، وأشار إلى أن هذه الدول بدلا من سحب سفرائها من القاهرة كإدانة رمزية للمجزرة، سارعت بتطبيع علاقاتها خلال وقت وجيز مع نظام الحكم الجديد بالقاهرة.

ورأى الباحث الألماني أن مجزرة رابعة أظهرت بوضوح عدم مبالاة الأجهزة الأمنية المصرية بسقوط أعداد هائلة من الضحايا عند فضها الاحتجاجات، وأشار إلى أن تداعيات هذه المجزرة ما زالت تعكس حتى اليوم أن أي معارضة لقيادة السيسي هي مجازفة بالحياة.

‪لؤي المدهون: الهجرة غير النظامية وصعود اليمين المتطرف يلعبان دورا في تحديد علاقة أوروبا مع مصر‬  (الجزيرة نت)
‪لؤي المدهون: الهجرة غير النظامية وصعود اليمين المتطرف يلعبان دورا في تحديد علاقة أوروبا مع مصر‬ (الجزيرة نت)

قمع وفشل
وأوضح رول أنه طالب الحكومة الألمانية منذ وقت طويل بإعطاء وزن كبير لاحترام حقوق الإنسان في علاقتها مع مصر، ورأى أن السيسي نجح في ترسيخ نظامه معتمدا على القمع الأمني الشديد وغض الخارج طرفه عن سياساته، وفشل في تحقيق أي تنمية اقتصادية لمواجهة السخط المتزايد.

من جانبه، أوضح الباحث بجامعة كولونيا الألمانية لؤي المدهون أن عدم تنديد الدول الأوروبية بمجزرة رابعة مرتبط بمجمل مواقفها تجاه مصر بعد انقلاب يوليو/تموز 2013.

وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى أن عدم وجود سياسة ألمانية رسمية محددة للتعامل مع مصر، يقابله رفض أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني استقبال السيسي والتعاون معه، وتنديد وسائل الإعلام الألمانية بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

وقال المدهون إن العلاقات الأوروبية مع مصر محكومة بالحفاظ على علاقة مع هذا البلد العربي مهما كان النظام القائم فيه، وبالتعاون الاقتصادي، ونوه إلى أن هذه العلاقات تأثرت مؤخرا بمتغيرين جديدين: صعود اليمين الشعبوي بعدد من الدول الأوروبية، خاصة إيطاليا، وموجات الهجرة وتقديم السيسي نفسه كضمانة ضد وصول طالبي اللجوء لأوروبا. 

المصدر : الجزيرة