الصحفيون والمحيط المعادي

توفر الصحافة الحرة الحقيقة بالإضافة إلى مساءلة السلطة وتتصدى لأي تهديد للحرية والعدالة، ولكن الصحافة لا يمكن أبدا أن تكون حرة إذا لم يكن أفرادها في وضع آمن.

هانا ستورم*

منذ وقت ليس ببعيد، كان الصحفيون الوحيدون الذين يعملون في بؤر الصراع حول العالم والذين قد يحصلون على الحماية؛ هم الصحفيين الذين يعملون لحساب مؤسسات إخبارية غنية، وهي في غالبيتها مؤسسات إخبارية غربية، حيث عادة ما يحضر هؤلاء الصحفيون دورات مكلفة يديرها أفراد سابقون في القوات الخاصة يدربونهم على العمل ضمن بيئة عدائية، كما يتم تزويدهم بسترات واقية وخوذ، بالإضافة إلى مجموعة من الإسعافات الأولية.

لكن الصحفيين في الأماكن الأخرى نادرا ما يستفيدون من ثقافة السلامة تلك، ففي حالات كثيرة تعرض صحفيون من المكسيك والبرازيل إلى باكستان والصومال للقتل مع إفلات قاتليهم من العقاب، وفي كثير من الأحيان عندما يتم إسكات الرسول يتم وقف الرسالة كذلك.

لقد جمع المعهد الدولي لسلامة الأخبار على مدى السنوات الـ15 الماضية قائمة الصحفيين الذين لقوا حتفهم أثناء تأدية مهام عملهم. وكانت النتائج صادمة، حيث وجدنا أن من بين كل عشرة صحفيين قتلوا تسعة منهم لقوا حتفهم أثناء ممارسة مهام عملهم في وطنهم. وقد اضطر عدد لا يحصى من الصحفيين الآخرين للتخلي عن منازلهم ووظائفهم وبلدانهم، بينما في أحيان كثيرة يعيش أولئك الذين فضلوا البقاء بأوطانهم في خوف دائم على سلامتهم.

يتعرض الصحفيون منذ فترة طويلة لخطر الاختطاف أو القتل في الأماكن التي تريد فيها الأنظمة الفاسدة أو الجماعات المسلحة التحكم بتدفق المعلومات، لكن هذا التهديد أصبح كبيرا في السنوات الأخيرة، لدرجة أن بعض البلدان أصبحت الآن فعليا مناطق محرمة على المؤسسات الإخبارية العالمية.

إن المراسلين الغربيين يدركون هذه المخاطر عند سفرهم إلى الخارج لتغطية مناطق الحرب الساخنة، ولكنهم يواجهون الآن مخاطر مماثلة في الداخل، فحيثما يعمل الصحفيون -سواء أكانوا متصلين بالإنترنت أو غير متصلين- يجب عليهم أن يضعوا في اعتبارهم المخاطر الجسدية والنفسية والرقمية أكثر من أي وقت مضى.

لقد أثرت الهجمات الإرهابية على المؤسسات الإخبارية بطرق غير متوقعة ولا سيما في أوروبا، حيث إن الكثير من أولئك الذين وصلوا أولا إلى موقع تفجير "مانشستر أرينا" أو المذبحة التي وقعت في قاعة الحفلات الموسيقية في باتاكلان بالعاصمة باريس، لم يتلقوا التدريب البدني لمثل هذه الاحتمالات، كما لم يكونوا مستعدين نفسيا لتغطية القصص التي سيتعرضون فيها لتلك الدرجة من الصدمة.

واستجابة لهذه الأحداث، بدأت بعض غرف الأخبار بالاستعداد. ولدى المؤسسات الصحفية -بما فيها هيئة الإذاعة البريطانية ومؤسسة الخدمة العامة الهولندية وغيرهما في جميع أنحاء أوروبا- خطط موضوعة للصحفيين الذين يتعرضون للحوادث في مدنهم، أو تلك التي تستهدف مباشرة غرف الأخبار الخاصة بهم.

يتعرض الصحفيون منذ فترة طويلة لخطر الاختطاف أو القتل في الأماكن التي تريد فيها الأنظمة الفاسدة أو الجماعات المسلحة التحكم بتدفق المعلومات، لكن هذا التهديد أصبح كبيرا في السنوات الأخيرة لدرجة أن بعض البلدان أصبحت الآن فعليا مناطق محرمة على المؤسسات الإخبارية العالمية

ضرر معنوي
وبعيدا عن الرصاص والقنابل، يواجه الصحفيون أيضا تهديدات نفسية متزايدة في أوطانهم. وقد اختار تقرير شاركتُ في تأليفه للمعهد الدولي للسلامة في يوليو/تموز الماضي اسما لمثل هذا التهديد، وهو ظاهرة تعرف باسم "الضرر المعنوي". وقد تطرق التقرير الذي نشره معهد رويترز لدراسة الصحافة في جامعة أكسفورد؛ إلى تأثير تغطية أزمة اللاجئين الأخيرة في أوروبا على أفراد وسائل الإعلام، ووجدنا أن التغطية الإخبارية لقصة صادمة يمكن أن يكون لها تأثير عميق على الصحة النفسية للشخص.

وأشار بحثنا إلى أن مشاعر الذنب والعجز يمكن أن تكون طاغية عندما تتعارض الأحداث "مع القيم المعنوية الشخصية أو القيم الأخلاقية أو قواعد السلوك". لقد سلطنا الضوء على أهمية التعليم للوقاية من مخاطر الإصابة بالضرر المعنوي، وأوضحنا أن "الصحفيين بحاجة إلى فهم أن هذا هو المشهد الجديد، وهو جزء من المشهد النفسي للمهنة". واقترح تقريرنا أيضا أن على المؤسسات الصحفية تقديم الدعم لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الأفراد يستجيبون ويتعافون من الصدمة بطرق مختلفة.

يواجه الصحفيون في الولايات المتحدة نوعا آخر من التهديد النفسي وهو المضايقة من قبل حكومتهم، فعلى الرغم من أن الصحفيين يتمتعون بالحماية بموجب التعديل الأول لدستور البلاد، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استخدم موقعه المتميز على وسائل التواصل الاجتماعي لتشويه سمعة وسائل الإعلام الإخبارية برمتها بشكل دائم، علما بأن ازدراء ترمب لحرية التعبير يشبه ما تفعله "الحكومات الاستبدادية"، حيث يتم اعتقال وسجن ومضايقة أعداد قياسية من الصحفيين.

كما أن الصحفيين معرضون للهجوم بشكل متزايد على الإنترنت، إذ أوجد عدمُ الكشف عن هوية الشخص ثقافة التصيد والتحرش، واضطرت الصحفيات إلى تحمل العبء الأكبر من الهجمات الرقمية التي يمكن أن تتصاعد بسرعة لتصبح تهديدات بالعنف الجنسي. وردا على ذلك ترك العديد من الصحفيين وسائل التواصل الاجتماعي، بينما ترك آخرون مهنة الصحافة برمتها.

يعتبر العالم مكانا محفوفا بالمخاطر بالنسبة للصحفيين، وهذا بالتحديد السبب الذي يجعلنا نفعل كل ما بوسعنا لحمايتهم، إذ أصبحت الصحافة مهمة أكثر من أي وقت مضى.

نحتاج -ونحن نعيش اليوم ضمن مشهد الأخبار الصاخب والمربك والمتعدد القنوات حيث تباع الأخبار المزيفة كحقيقة- إلى تقارير وتحليلات مسؤولة ولها مصداقية أكثر من أي وقت مضى.

توفر الصحافة الحرة الحقيقة بالإضافة إلى مساءلة السلطة، وتتصدى لأي تهديد للحرية والعدالة، ولكن الصحافة لا يمكن أبدا أن تكون حرة إذا لم يكن أفرادها في وضع آمن.
____________________
*مديرة المعهد الدولي لسلامة الأخبار

المصدر : بروجيكت سينديكيت