حرب الكرملين على الحريات

مقال حقوق وحريات لناديزدا أزكيخينا

ناديزدا أزكيخينا*

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بدأ ما يسمى "الحرب على الإرهاب"، لكن الغزوات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق لم تكن كلها بسبب الإرهاب. وكثفت العديد من الدول من مراقبة وسائل الإعلام المحلية والمواطنين العاديين، وزعمت الحكومات أن حرية التعبير والخصوصية الشخصية سيتعين تقليصها من أجل الأمن.

وقد تضررت روسيا على الخصوص، حيث استخدمت قوانين مكافحة الإرهاب أداة لإسكات أصوات الآراء المستقلة، لاسيما المنتقدة حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، ومن خلال استخدام الأمن ذريعة لمسخ التشريعات الإعلامية في روسيا، التي كنت تحمي الصحفيين من الرقابة بشكل واضح، قوضت الحكومة الصحافة إلى حد كبير.

وقد ارتكزت هذه التشريعات على القانون الأوروبي والدولي، الذي يرمز إلى انتصار الديمقراطية في روسيا، لكن سلامة التشريع تآكلت تدريجيا بفعل التعديلات الدستورية والقانونية التي تحد من حرية التعبير وقدرة الصحفيين على العمل دون عوائق، وبفعل التباين في تطبيق القواعد القائمة.

لننظر إلى "قانون مكافحة الأنشطة المتطرفة" الذي يحد من الحق في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، صدر هذا القانون في عام 2012، وسط احتجاجات في أنحاء البلاد ضد الانتخابات المزورة، وقد استخدم في معظم الأحيان لاستهداف الصحفيين والمدونين.

وقد لاحظت مديرة مركز الدفاع عن وسائل الإعلام غالينا أرابوفا -التي كانت مستهدفة- أن القانون يمكن تطبيقه كلما وجهت انتقادات إلى مجموعات أو أنظمة كاملة، وهذا يسلط الضوء على المشكلة المركزية المتعلقة بقانون مكافحة التطرف، ونظرا لكون "التطرف" وصفا غامضا يمكن وصم الجميع به.

هناك غموض مماثل محيط بمصطلحات أخرى ذات الصلة، مثل "التشهير" و"خطاب الكراهية". فالتشهير الذي عرف بوصفه يلحق "أضرارا بالسمعة" أعيد اعتباره عملا إجراميا في عام 2012 أيضا، كما اعتبرت التشريعات أن "التشهير ضد القضاة والمحلفين والمدعين العامين والمسؤولين عن تنفيذ القانون" عمل يستحق عقوبة قاسية.

هذه القوانين تجعل التحقيقات في الفساد الرسمي أكثر صعوبة بكثير بالنسبة للصحفيين المستقلين، الذين غالبا ما تجري محاكمتهم من قبل كبار المديرين والمسؤولين في الدولة لمجرد الإبلاغ عن أنماط حياتهم الفخمة.

ولكن في السنوات الأخيرة انخفضت الدعاوى الشعبية ضد التشهير لصالح اتهامات التطرف والتحريض على الكراهية، والآن يعتبر البحث في قضايا فساد الشرطة المحلية بمثابة التحريض على الكراهية ضد تلك "الفئة الاجتماعية"، وقد وجد اللغويون "الخبراء" أيضا أن الصحفيين يحرضون على الكراهية" ضد موظفي الإدارات الإقليمية والقضاة وغيرها من السلطات.

يمكن تطبيق القوانين المقيدة للحريات في روسيا بطرق غريبة جدا، لمجرد عرقلة أعمال وسائل الإعلام، وعلى سبيل المثال يمكن أن تُتهم صحيفة بالكراهية وتحاكم لمجرد نشرها صورا للعلم النازي إلى جانب مقال عن الحرب العالمية الثانية.

ترصد وتصيد
في بعض الأحيان، يمكن تطبيق هذه القوانين بطرق غريبة جدا، لمجرد عرقلة أعمال وسائل الإعلام، وعلى سبيل المثال يمكن أن تُتهم صحيفة بالكراهية وتحاكم لمجرد نشرها صورا للعلم النازي إلى جانب مقال عن الحرب العالمية الثانية.

وتتوافد القوانين بشكل كبير، ففي العقود الأخيرة جرى سن أكثر من عشرين قانونا وأنظمة جديدة متعلقة بوسائل الإعلام، وتُقيد معظمها الحريات. هذه الضوابط لا تحد من الموضوعات التي يمكن للصحفيين تغطيتها بأمان فحسب، بل تعمل أيضا على الحد من تمويل وسائل الإعلام المستقلة من خلال فرض قيود على الاستثمار الأجنبي والإعلانات. وقد أجبرت هذه القوانين العديد من المؤسسات الإعلامية على الانتقال كليا إلى الإنترنت أو التوقف نهائيا.

ولا تعاني وسائل الإعلام التقليدية وحدها، فمن أجل استهداف منشورات على شبكة الإنترنت، بما في ذلك المواقع، فرضت روسيا أنظمة جديدة على استخدام الإنترنت، فأي موقع له أكثر من ثلاثة آلاف زائر يوميا يعتبر الآن "وسيلة إعلام"، وبالتالي يخضع لقوانين تقييدية، وعلاوة على ذلك لا يمكن لأصحاب المواقع الإلكترونية أن يكونوا مجهولي الهوية، ويمكن أن تُمنع وسائل الإعلام على الإنترنت دون سابق إنذار.

ما يسمى "بقانون ياروفايا" الذي وقعه بوتين الصيف الماضي يأخذ هذا القمع لمدى أبعد من ذلك. فمن بين أمور أخرى يلزم هذا القانون مزودي الهاتف والإنترنت بتخزين سجلات جميع الاتصالات لمدة ستة شهور، وجميع البيانات الوصفية لمدة ثلاث سنوات، ويجب عليهم أيضا مساعدة وكالات الاستخبارات في فك شفرة الرسائل المشفرة، كما يفرض عقوبات قاسية على "التطرف" و"أعمال الشغب".

النص الوحيد الذي نادرا ما يطبق هو المادة 144 من قانون العقوبات، وهو النص الذي يهدف إلى حماية الصحفيين من المضايقات وغيرها من الإجراءات التي تعيق "الأنشطة المهنية المشروعة". ونتيجة لذلك، وفقا لمؤسسة دفاع الغلاسنوست، تُنتهك حقوق الصحفيين عشرات المرات كل شهر في روسيا.

ويواجه الصحفيون تهديدات وهجمات وإتلاف المعدات والغرامات غير العادلة والطرد والحظر وغيرها من أشكال الرقابة غالبا بعد وقت قصير من نشر بعض أنواع الانتقادات للسلطات الإقليمية، والسلطات الأمنية، أو رجال الأعمال الأثرياء، مع العلم أن أي محاولة لاتخاذ إجراءات قانونية ضد السلطات أو أصحاب النفوذ الذين يهددون الصحفيين لن يسفر عن أي نتائج، ولذلك يخضع العديد من الصحفيين للرقابة الذاتية.

لكن في النهاية يمكن للحكومة الروسية أن تهاجم وسائل الإعلام المستقلة، ولكن لا يمكنها حظر التحليل العميق والتحقيقات الصحفية التي لا غنى عنها في سير الديمقراطية.

————–
*ناديزدا أزكيخينا هي نائبة رئيس الفدرالية الأوروبية للصحفيين في روسيا.

المصدر : بروجيكت سينديكيت