أسيران سابقان يستذكران قصص التغذية القسرية بإسرائيل

صورة قديمة للأسير موسى الشيخ بعد تحرره من الاعتقال الاسرائيلي عم 1983 (2)
صورة قديمة للأسير موسى الشيخ عقب الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية عام 1983 (الجزيرة)

ميرفت صادق-رام الله

بعد أكثر من ثلاثة عقود على الإفراج عنهما من السجون الإسرائيلية، قدم الفلسطينيان موسى الشيخ وحافظ أبو عباية شهادتين قاسيتين عن إطعامها قسريا بأنابيب من الأنف والفم أثناء إضرابهما عن الطعام للمطالبة بتحسين أوضاعهما ووقف إذلالهما. 

ويعيش موسى الشيخ (69 عاما) في مدينة رام الله الآن، بينما أصبح حافظ أبو عباية (سبعون عاما) رئيسا لمجلس قريته ياسوف قرب سلفيت (شمال الضفة الغربية)، ولا يزال الرجلان يعانيان من تداعيات صحية وأمراض في القلب والرئتين نتيجة إطعامها قسريا بعد تقييدهما.  

وروى الرجلان قصتيهما بينما تستعد إسرائيل لفرض سياسة التغذية القسرية مجددا على الأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجونها وآخرهم محمد علان، لأول مرة منذ 35 عاما. 

تسبب الإطعام القسري في استشهاد ثلاثة أسرى فلسطينيين، هم إسحق مراغة وراسم حلاوة وموسى الجعفري، وكانوا يشاركون في إضراب جماعي عن الطعام لتحسين أوضاعهم بسجن نفحة عام 1980. 

قانون التغذية القسري يعد شكلا من أشكال التعذيب الذي قد يفضي إلى الموت، كما أنه انتهاك لكرامة الإنسان وحرمة جسده، فضلا عن كونه انتهاكا لمواثيق مهنة الطب وكل المواثيق والأعراف الدولية

يروي موسى الشيخ -وشهرته أبو كبر- تعرضه للإطعام القسري مرتين: أولاهما في إضراب جماعي عام 1970 بسجن عسقلان جنوب الأراضي المحتلة عام 1948. 

يقول الشيخ "أضربنا عن الطعام ستة أيام، وكنا جميعا معتقلين تعرض بعضهم لإصابات والبعض الآخر لبتر الأطراف، ثم قرروا إطعامنا الحليب بواسطة أنبوب بلاستيكي يدخل من الأنف أو الفم إلى المعدة". 

في هذا الإضراب لم يكن الأسرى مخيرين حول طريقة التغذية، إذ قررت إدارة السجن إطعامهم جميعا بواسطة الأنف. وقال الشيخ "كانوا يقيدون الأسير من قدميه ويديه ويربطونه بالكرسي أيضا". 

بعد ذلك يجتمع عدد من السجانين لتثبيته من أطرافه وكتفيه ويقوم أحدهم بإدخال أنبوب بلاستيكي رفيع يبلغ طوله مترين عبر الأنف ويوضع فيه مقدار كوب من الحليب ليصل المعدة. 

يقول الشيخ "لم أحتمل التجربة، أصبت بتشنجات واختناق ونزيف وقاربت على الموت". وفي العيادة ذاتها استشهد زميله الأسير عبد القادر أبو الفحم من غزة أثناء تغذيته قسرا، حيث دخل الأنبوب إلى رئته مما أدى إلى اختناقه. 

وعاش الشيخ التجربة مرة أخرى في الإضراب الشهير بسجن عسقلان عام 1976، حيث أخضع أكثر من 250 أسيرا فلسطينيا للتغذية القسرية يوميا منذ اليوم التاسع لإضرابهم، وحتى انتهائه في اليوم الـ45.

وزير الأسرى عيسى قراقع يطالب بتدخل دولي لمنع تغذية الأسرى قسريا(الجزيرة)
وزير الأسرى عيسى قراقع يطالب بتدخل دولي لمنع تغذية الأسرى قسريا(الجزيرة)

ذكريات أبو عباية
وفي هذا الإضراب بالذات، نقلت مجموعة من الأسرى المضربين عن الطعام من سجن عسقلان إلى سجن كفار يونا (جنوب حيفا)، وكان حافظ أبو عباية من بينهم. 

يتذكر أبو عباية أيضا إطعامه قسريا عدة مرات، أبرزها في إضراب 1976، حيث استخدم الإطعام بالأنبوب وقتها عبر الأنف والفم. وحسب الرجل، فإن الأنبوب ذاته كان يستخدم مع عشرات الأسرى بدون تعقيم. 

ويذكر أبو عباية كيف أن يديه وقدميه قُيدتا إلى المقعد وأحاط به خمسة جنود وممرض، وجلس على ركبتيه جنديان وأمسك آخران بكتفيه، بينما كُلِّف الخامس بمهمة فتح الفم. في هذه الأثناء يقوم الممرض بإدخال وإخراج الأنبوب عبر الفم إلى البلعوم والمريء إلى المعدة في عملية مؤلمة جدا. 

تغذية بحصانة قانونية
وتوافقت شهادتا الشيخ وأبو عباية مع تحذيرات فلسطينية رسمية وحقوقية من إعادة فرض التغذية القسرية على الأسرى الفلسطينيين للمرة الأولى منذ 35 عاما بعد إعلان مصلحة سجون الاحتلال نيتها استصدار قرار قضائي يسمح بتغذية الأسير المضرب محمد علان قسريا بعد إضرابه أكثر من خمسين يوما. 

واعتبر وزير الصحة الفلسطيني جواد عواد قانون التغذية القسري شكلا من أشكال التعذيب الذي قد يفضي إلى الموت، كما أنه انتهاك لكرامة الإنسان وحرمة جسده، فضلا عن كونه انتهاكا لمواثيق مهنة الطب وكل المواثيق والأعراف الدولية التي تتعلق بحق الإنسان في تناول الطعام والشراب أو الامتناع عنه. 

وأوضح عواد أن خطورة الإطعام القسري صحيا تكمن في أن إدخال السوائل إلى المعدة بواسطة أنبوب وباستخدام العنف وتكبيل اليدين والقدمين قد تنجم عنه أضرار في جدار المعدة والمريء، بالإضافة إلى أن استخدام هذه الطريقة يزيد من مخاطر دخول الطعام والسوائل إلى الرئتين وما يعقبه من إحداث التهابات قد تؤدي إلى الموت على المديين القصير والبعيد. 

زملاء الأسير المضرب عن الطعام محمد علان يرفعون صورته مطالبين بالإفراج عنه (الجزيرة)
زملاء الأسير المضرب عن الطعام محمد علان يرفعون صورته مطالبين بالإفراج عنه (الجزيرة)

ورغم رفض مصلحة سجون الاحتلال وجهاز مخابراته التفاوض مع الأسير محمد علان بشأن مطلبه بوقف تمديد اعتقاله إداريا دون تهمة، فإن الأسير أبلغ عائلته ومحاميه نيته المضي في إضرابه حتى لو كان الثمن استشهاده بالتغذية القسرية. 

ولاقى قانون التغذية القسرية عند إقراره في الكنيست الإسرائيلي نهاية يوليو/تموز المنصرم مناهضة شديدة من جمعيات حقوق الإنسان ونقابة الأطباء الإسرائيلية، التي طلبت أمرا احترازيا من المحكمة بعدم تطبيقه، لكن مصلحة السجون والمخابرات تصر على فرضه أمرا واقعا على الأسرى المضربين، حسب النائب في الكنيست أسامة السعدي. 

وقال رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين عيسى قراقع إن إسرائيل تجدد جريمة التغذية القسرية بعد 35 عاما ولكن هذه المرة بحصانة القانون، ووصف الخطوة بإرهاب الدولة المنظم الهادف إلى الانتقام من الأسرى. 

وقال قراقع للجزيرة نت إن اتحادات البرلمانات ومنظمات الأمم المتحدة مطالبة بالتحقيق في الانتهاكات الواسعة لمواثيق حقوق الإنسان الدولية من خلال تشريع إسرائيل قوانين معارضة لها. ودعا إلى التدخل لمنع الانفراد بالأسير علان وإخضاعه لتغذية قسرية قد تودي بحياته.

المصدر : الجزيرة