الرعب.. خبز يومي لصحفيي الصومال

أحد عشر من صحفيي الإذاعة اغتيلوا في هجمات متفرقة
أحد عشر من صحفيي الإذاعة اغتيلوا في هجمات متفرقة (الجزيرة)

محمد غلام ولد محمدو-مقديشو

حين تتناثر أسرّة الإسفنج يمينا ويسارا وتختلط بأوراق الصحفيين ولواقطهم الصوتية، وحين يستحيل خروج هؤلاء لأداء مهام عملهم اليومية إلا في ظل حراسة مدججة بالسلاح، فأنت بالتأكيد في إذاعة "شبلي" المحلية جنوب عاصمة الصومال مقديشو، حيث يعيش الصحفيون أجواء رعب حقيقية.

لا يستطيع صحفيو الإذاعة السكن مع ذويهم لأن الموت يتربص بهم في كل مكان، فقد اغتيل منهم 11 وجرح سبعة آخرون في محاولات اغتيال فاشلة، كما يتلقى اثنان من صحفييها عبر الهاتف تهديدات متكررة بالقتل.

ولكل تلك الأسباب، يلزم موظفو الإذاعة مقر عملهم الخاضع لحراسة مشددة، ولا يبارحونه إلا في حال الضرورات القصوى ومنها تغطية الأحداث، إذ ينامون بين أدوات عملهم، ولهم مطبخ داخل المقر يقدم لهم وجباتهم اليومية.

صدمة مروعة
مدير الإذاعة السابق حسن عثمان عبدي كان من ضمن من دفع حياته ثمنا لتلك الهجمة الشرسة على وسائل الإعلام. وتصف زوجته حبيبة آدم أحمد التي زرناها في حي ودجر جنوب مقديشو، حادثة الاغتيال التي جرت في يناير/كانون الثاني 2012 أمام منزلهم المستأجر بأنها "صدمة مروعة".

‪إذاعة شبلي تدفع ثمن تمسكها بنقل الحقيقة‬ (الجزيرة)
‪إذاعة شبلي تدفع ثمن تمسكها بنقل الحقيقة‬ (الجزيرة)

ولم يترك لهم عبدي أي مال، وفق ما تقول أرملته التي أنجبت منه بنتين وولدا. ويقيم الآن على شؤون الأسرة محمد عثمان عبدي شقيق المتوفى، العامل صحفيا بالإذاعة الرسمية براتب 350 دولارا فقط.

وعن السر في استهداف صحفيي الإذاعة بشكل أكبر من الجهات الإعلامية الأخرى، يقول مديرها الحالي محمد موسى محمود إنه "التزامها بنقل الحقيقة ببلد لا يريد فيه البعض لها أن تظهر".

وبشأن من يقوم بعمليات الاغتيال تلك، يقول محمود إنها "جهات مجهولة"، مرجحا أنها من حركة الشباب المجاهدين المتهمة بالارتباط بتنظيم القاعدة، أو "من بعض الأطراف السياسية الأخرى".

لفت الانتباه
ويقول الصحفي بالإذاعة علي أحمد عبد الله إنه -إلى جانب زميل آخر- تلقى اتصالات متكررة مؤخرا تهدده بالقتل. وفي إحدى المرات برر له المتصل استهدافه بأنه "يعمل بمحطة معادية للإسلام".

وبشأن ما إذا كان ذاك مؤشرا على أن المتصل من حركة الشباب، لفت هو ومديره إلى أنها قد تكون وسيلة لصرف الانتباه عن الجهة الحقيقية الفاعلة.

وصنفت لجنة حماية الصحفيين ومراسلون بلا حدود -خلال السنوات الأخيرة- الصومال بأنه واحد من أكثر مناطق العالم خطورة على الصحفيين. وفي تقرير للجنة بداية العام الحالي حل الصومال بالمرتبة الثانية، بعد العراق، ضمن "مؤشر الإفلات من العقاب".

كبت الحريات
وفضلا عن عمليات الاغتيال المنهجية، يعاني الصحفيون الاعتقال والتضييق وإغلاق المقار. ووفق الأمين العام للاتحاد الوطني للصحفيين الصوماليين محمد إبراهيم باكستان، تعتقل السلطات الإدارية بمختلف أرجاء البلاد الصحفيين دون تقديمهم للمحاكمة.

‪إحدى صحفيات الإذاعة أثناء تقديم برنامج‬ (الجزيرة)
‪إحدى صحفيات الإذاعة أثناء تقديم برنامج‬ (الجزيرة)

ويقول باكستان إن إقليم أرض الصومال يعيش "موجة حقيقية من كبت الحريات الصحفية", وقد أغلقت سلطاته قبل شهرين مكاتب تلفزيون "يونيفيرسال" ومقره بريطانيا وحظرت نشاطه، وذلك بعد بثه برنامجا تحدث بسخرية عن رئيس الإقليم أحمد محمود سيلانو.

كما أغلقت سلطات الإقليم في نفس الفترة صحيفتين أخريين وحجبت موقعيهما على الإنترنت واعتقلت مديريْهما ومحررِيهما، حسب باكستان الذي أشار إلى أنه منذ مطلع العام الجاري اعتقل عشرة صحفيين بأرض الصومال وحدها، وخمسة في بونتلاند، وثلاثة بمقديشو.

ويشاطر باكستان مدير إذاعة شبلي الرأي بأن من يقتل الصحفيين هم إما حركة الشباب وإما "سياسيون متنفذون أمنيا يعملون ضمن الأجهزة الحكومية"، معتبرا أن ما يرجح الفرضية الأخيرة هو أن أغلب التحقيقات "لا تسفر عن شيء" حيث لم يعاقب في كل حوادث القتل المتلاحقة للصحفيين إلا شخص واحد، كما أن أغلب الاغتيالات جرت بمناطق تسيطر عليها الحكومة.

ويضيف المسؤول أنه في الحالات التي يقتل فيها مدنيون عاديون يُقبض بسرعة على قتَلتهم، وحين يتعلق الأمر بالصحفيين تغيب الحقيقة.

وبينما تغيب الحقيقة ويبقى القتلة بمنأى عن العقاب، لا يبقى لصحفيي إذاعة شبلي وغيرها من وسائل الإعلام الصومالية إلا الحذر والحيطة واتخاذ المزيد من الحراسة. 

المصدر : الجزيرة