خضر ضبايا.. قصة أسر بلا ذاكرة

خضر ضبايا في صورة تحملها والدته
والدة خضر ضبايا المكلومة تحمل صورته في أحد اعتصامات أهالي الأسرى (الجزيرة)
ميرفت صادق-رام الله

قبل أربعة شهور، تمكنت جانيت شقيقة الأسير الفلسطيني خضر ضبايا من زيارته في سجن "بئر السبع" الإسرائيلي، وظلت طيلة 45 دقيقة -هي الوقت المتاح فقط- تسأله: "عارفني يا خوي؟" وكان أحيانا يهز رأسه إيجابا، وغالبا يصمت ويتفادى الإجابة.

تتذكر جانيت اليوم شقيقها خضر (29 عاما) ذلك الشاب اليافع الذي شارك في صدّ محاولات الجيش الإسرائيلي اقتحام مخيم جنين شمال الضفة الغربية قبل اجتياحه عام 2002 رغم صغر سنه، وكيف انتهى مصيره فاقدا الذاكرة بعد تعرضه للضرب المبرح في السجون الإسرائيلية.

‪‬ اعتقل خضر في عمر الـ17 بعد مطاردته وأصيب بتسع رصاصات(الجزيرة)
‪‬ اعتقل خضر في عمر الـ17 بعد مطاردته وأصيب بتسع رصاصات(الجزيرة)

واعتقل خضر ضبايا في أبريل/نيسان 2002 بعد عشرين يوما من استشهاد شقيقه الأصغر لؤي (16 عاما). وبسبب مطاردته في ذلك الوقت لم يتح له توديع شقيقه أو المشاركة في تشييعه. وكان لذلك أثر حزين في نفسه، كما كان شقيقه فادي (21 عاما) أول شهيد في انتفاضة الأقصى من منطقة جنين.

وكان خضر ضبايا من بين عشرات المطلوبين الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال، حيث لجأت السلطة الفلسطينية إلى نقلهم من جنين إلى مقر الرئاسة في رام الله، لكنهم غادروا المقر قبيل محاصرة الرئيس الراحل ياسر عرفات في أبريل/نيسان 2002.

وخلال اعتقاله، كان خضر متخفيا بإحدى المناطق بين رام الله والقدس، إلا أن تقارير مخابراتية إسرائيلية قادتهم إلى مكانه. ولدى محاولته الهرب أصيب بتسع رصاصات في رجليه وخاصرته، واستغرقت العائلة نحو عامين في البحث عنه، حتى وجدته في حالة صعبة بأحد المشافي الإسرائيلية.

وبعد شهور من اعتقاله، حكم على ضبايا بالسجن 16 عاما ونصف العام بتهمة المشاركة في المقاومة والنشاط في كتائب شهداء الأقصى، الذراع المسلحة لحركة فتح.

وقضى سنوات طويلة متنقلا بين سجون شطة وبئر السبع وجلبوع وهداريم، وأخيرا في سجن النقب، حيث يُعتقل شقيقه رائد (32 عاما) ويقضي هو الآخر حكما بالسجن لعامين ونصف العام.

ضربه وعزله
في عام 2009 حاولت إدارة السجون الإسرائيلية فرض الزي البرتقالي الموّحد على الأسرى الفلسطينيين، على غرار المعتقلين في سجن غوانتنامو الأميركي، وكان خضر ضبايا من بين المعارضين لذلك، وخاض اشتباكا بالأيدي مع سجانيه. وتقول شقيقته "اجتمع عليه أكثر من 15 جنديا من وحدات القمع، وانهالوا بالضرب على رأسه" وأصيب بجروح عديدة.

ولشهور طويلة لم تجد العائلة وسيلة اتصال به، وأخبرتهم مصلحة السجون أنه يرفض التحدث مع أحد بعد أن فقد ذاكرته، ويقضي وقته وحيدا منشغلا بالرسم فقط.

‪‬ خضر ضبايا تعرض للضرب المبرح من السجانين حتى فقد ذاكرته(الجزيرة)
‪‬ خضر ضبايا تعرض للضرب المبرح من السجانين حتى فقد ذاكرته(الجزيرة)

وفي هذه الأثناء، تلقت العائلة تقريرا من إحدى المؤسسات الحقوقية يفيد بعزله مقيد اليدين والقدمين في قفص حديدي دون السماح لأحد بزيارته بدعوى ضربه أحد السجانين خلال محاولة فرض ارتداء الزي البرتقالي على الأسرى.

تقول شقيقته إن خضر كان يتمتع بصحة جيدة وبمعنويات عالية وحس فكاهي رغم إصابته، وواظب منذ اعتقاله على ممارسة الرياضة، لكنه فقد الذاكرة ولا يتجاوز وزنه الآن أربعين كيلوغراما.

ورفضت إدارة السجون السماح بإدخال طبيب خاص لمعاينة ضبايا وتحديد العلاج لمعاناته النفسية والجسدية بحجة رفض الأسير أية زيارة، مما فاقم من وضعه النفسي ومعاناته الجسدية من آثار إصابته.

كل هذا الفراغ
وبعد استشهاد اثنين من أبنائها، وفقدان اثنين آخرين في السجون، اختارت "أم محمد" -والدة خضر- هجرة البيت والسكن في غرفة مستأجرة مع ابنتها التي اعتقل الاحتلال زوجها وحكم عليه بالسجن 18 عاما.

تقول شقيقته جانيت "لم تعد أمي تحتمل كل هذا الفراغ في منزل كان مليئا بأربعة شباب، وصاروا صورا على الجدران".

وتنحدر عائلة ضبايا من قرية المنسي قضاء حيفا، والتي هُجّر سكانها في نكبة فلسطين عام 1948 ووصل عدد كبير منهم إلى مخيم جنين، وتعرضت العائلة لهدم منزلها في اجتياح عام 2002.

وتضيف جانيت "صرنا نعتبر "خضر" شهيدنا الثالث في البيت، لقد فقدناه كما فقدنا فادي ولؤي، لم يعد يتعرف علينا حتى عندما يخرج للزيارة".

وأدرجت وزارة شؤون الأسرى في السلطة الفلسطينية الأسير خضر ضبايا ضمن لائحة تضم 160 أسيرا مريضا بحالة سيئة وعدد كبير منهم بحاجة لعمليات جراحية مستعجلة.

المصدر : الجزيرة