مهاجرون أفارقة بموريتانيا: الموت أو أوروبا
محمد غلام-نواكشوط
لا يرى محمدو جارا (27 عاما)، القادم من موطنه مالي منذ أيام في موريتانيا إلا مكانا لالتقاط الأنفاس وجمع الزاد سبيلا للوصول إلى مبتغاه، ولو طال الزمن.
رمي الجثث
لا يمثل فشل رحلته السابقة 2008 مع 60 أفريقيا بمركب بحري صغير من مدينة نواذيبو شمال غربي موريتانيا إلى جزيرة لاس بالماس الإسبانية إلا ذكرى عابرة، ولا يبدى أي أسف ولا يرف له أي جفن على إلقاء اثنين من رفقاء رحلته توفيا في الطريق إلى البحر، "فهذه هي الحياة".
سدد جارا في سبيل رحلته تلك، التي رافقها فيها سنغاليون وماليون ونيجيريون وغامبيون، 300 ألف أوقية موريتانية (ألف دولار)، ونجا من الغرق في البحر، لكنه غرق في بحر لجي من الأحزان حين اعتقلته البحرية الإسبانية، ليرحّل لبلده مالي.
يأوي ليلا إلى منزل مستأجر بمقاطعة السبخة بنواكشوط مع مهاجرين سريين، ويظل نهاره مرابطا أمام الكنسية الوحيدة بموريتانيا الكائنة بمقاطعة تفرغ زينة، المكان المفضل للباحثين عن أعمال مؤقتة.
طرد وجذب
لا يضع تراوري أي اعتبار للموت غرقا في "سبيل العيش الرغيد مثلما جرى مع أصحابي الذين بنوا قصورا واشتروا السيارات"، ولا تمثل له الأزمة الاقتصادية بإسبانيا أي مشكل، "فهي على كل حال أفضل من مالي".
يوضح تراوري -وهو يُمرر خرقة مبللة على سطح منضدة صحون إسمنتية بمطبخ مخدومه في حي كراع النصراني بمدينة نواذيبو- أن مالي بيئة طاردة بينما إسبانيا جاذبة. ويشرح "أهلي فقراء أريد مساعدتهم، وأصدقائي يتصلون بي من إسبانيا ويقولون إن الحياة هناك رائعة".
لقاء بالصدفة
لم يكن اللقاء بتراوري مصدر عناء لنا، كما لا يمثل البحث عن الراغبين في الهجرة السرية بهذه المدينة القريبة نسبيا من جزر الكناري الإسبانية مصدر معاناة، فأعدادهم بالآلاف.
يعمل تراوري خادما بمنزل مضيفنا، وهو محام بارز، ورغم سعادة تراوري بالعمل مع سيده الذي بنى لنا له غرفة فسيحة ومؤثثة جيدا بفناء منزله الخلفي، لا يجد غضاضة في التصريح بأنه "في الطريق إلى أوروبا"، فما يشده إلى أوروبا أقوى من كل الروابط.
أكرا الموريتانية
لا يبدو بوبكر -وقد التقيناه بحي أكرا الذي أخذ التسمية من العاصمة الغانية لكثرة ما يقطنه من غانيين- مفتونا بحياة إسبانيا، ويقول "لا تغريني أوروبا بحياتها وطريقة عيشها، فأنا مسلم ملتزم أصلي وأصوم، ولكن أبحث عن لقمة العيش".
أرملة وبدون
أما السنغالي كريم ياتا باري، فقد دفع حياته ثمنا لتحقيق حلمه بالوصول لإسبانيا، فبعد محاولات ثلاث كتبت له فيها السلامة ودفع فيها كل ما يملك كانت الرابعة القاضية حين انطلق من نواذيبو في مركب رفقة 300 شخص في 5فبراير/شباط 2004 غرقوا جميعا.
حاولت زوجته المالية، فاتو جيجو، وهي خادمة منزلية كما كان هو، أن تثنيه مرارا -كما أخبرتنا- عن مغامرة ركوب البحر، لكنه غافلها ذات صباح أسود فأخذ مبلغ 300 ألف أوقية (ألف دولار) جمعاها شراكة ودفعها في رحلته الأخيرة، تاركا وراءه أرملة مثقلة بالهموم والفقر وولدا دون أوراق ثبوتية تركه وهو في شهر السابع.