السفر والتنقل حق فلسطيني مسلوب

الاحتلال يقيم مئات الحواجز الفجائية شهريا
undefined

عوض الرجوب-الخليل 

يمضي العمر بالمسن محمد عبد القادر قزاز (أبو أحمد) سريعا دون أن يتحقق حلمه القديم المتجدد بالعيش في كنف دولة فلسطينية حرة، مستقلة، ذات سيادة حقيقية لا يتحكم الاحتلال في منافذها ومطاراتها وموانئها.

اليوم وقد تجاوز الشيخ الفلسطيني -وهو من أطراف بلدة دورا جنوب الضفة الغربية- الثمانين من العمر، يقول إن تحقيق حلمه بات أبعد من ذي قبل، نظرا لإخفاق الثورة على مدى عقود أو سرقتها والقبول بسلطة فلسطينية فاقدة السيادة وذات صلاحيات محدودة.

ويقول قزاز إن سلب أبسط حقوقه حرمه من زيارة أقرب الناس إليه وهي شقيقته في الأردن، موضحا أنه لا يستطيع تحمل أعباء اجتياز المعابر التي أوجدها الاحتلال، وحالت دون حرية التنقل التي كان يستمتع بها أيام شبابه.

معبر وحيد
ويؤكد أبو أحمد أن سكان الضفة كانوا يتواصلون مع أقاربهم في الأردن قبل مجيء الاحتلال عام 1967 دون عوائق أو معابر أو جسور تستنزف الكثير من الوقت ولا يقوى عليها الطاعنون في السن، موضحا أنه سافر آخر مرة للأردن قبل 15 عاما لحضور جنازة شقيقته، أما اليوم فلا يستطيع تحمل أعباء السفر لرؤية شقيقته هناك.

ويعد المعبر مع الأردن حلقة الوصل الوحيدة بين سكان الضفة الغربية والخارج. وقبل نقطة العبور الأردنية (جسر الملك حسين) ينتقل المسافرون من استراحة أريحا حيث إجراءات السفر الخاصة بالسلطة الفلسطينية، إلى نقطة العبور الإسرائيلية بعد اجتياز مجموعة حواجز وإجراءات تفتيش مشددة.

ووفق معطيات الشرطة الفلسطينية فإن ما معدله عشرون ألف مسافر يتنقلون عبر معبر الكرامة أسبوعيا، فيما يتضاعف العدد في شهور الصيف.

غاية أمنيات أبو أحمد، وهو أب لـ16 ولدا وبنتا ونال نصيبه من الاعتقال في السجون الإسرائيلية وشارك في مراحل الثورة المختلفة منذ العهد البريطاني وحتى اليوم، أن يرى دولة مستقلة بها موانئ ومطارات ومعابر حرة تصل الفلسطينيين بالعالم "وهذا لا يتم دون زوال الاحتلال، وهذا ما يتطلب حروبا ودماء وليس مفاوضات وتنازلات".

بوابة حديدية بقرية الولجة غرب بيت لحم (الجزيرة)
بوابة حديدية بقرية الولجة غرب بيت لحم (الجزيرة)

لا رموز سيادة
وتداولت وسائل الإعلام مؤخرا ما قيل إنها أفكار بشأن الترتيبات الأمنية ما بعد توقيع اتفاق السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير، تعكس الموقف الإسرائيلي المتمسك برموز السيادة الفلسطينية وعلى رأسها الحدود والأثير والأجواء الفلسطينية.

ووفق منظمة بتسيلم الإسرائيلية فإن إسرائيل تفرض مجموعة تقييدات على حركة تنقل الفلسطينيين في الضفة الغربية، وذلك من خلال شبكة من الحواجز الثابتة والفجائية المتنقلة والمعيقات المحسوسة، إضافة إلى الشوارع التي يحظر فيها تنقل الفلسطينيين والبوابات على امتداد الجدار الفاصل.

وذكرت -في إحصائية لها عن شهر سبتمبر/أيلول الماضي- أن عدد الحواجز الثابتة المنصوبة في الضفة الغربية يصل إلى 99 حاجزا، من بينها 59 حاجزا داخليا منصوبا في عمق الضفة الغربية، بعيدا عن الخط الأخضر.

وإضافة إلى الجدار العازل، تشير المنظمة الإسرائيلية إلى أكثر من 445 حاجزا محسوسا (كتل ترابية، مكعبات، إسمنت، بوابات حديدية وقنوات) وتخصيص نحو 67 كيلومترا من شوارع الضفة للاستعمال الجزئي أو الحصري تقريبا للإسرائيليين، ونشر مئات الحواجز الفجائية المتنقلة شهريا.

‪جبارين: ما تقوم به إسرائيل مخالف لكل القوانين الدولية الضامنة لحرية التنقل‬ (الجزيرة نت)
‪جبارين: ما تقوم به إسرائيل مخالف لكل القوانين الدولية الضامنة لحرية التنقل‬ (الجزيرة نت)

مخالفة جسيمة
من جهته، يعتبر مدير مؤسسة الحق في رام لله شعوان جبارين، الذي منعته إسرائيل من السفر عدة مرات، أن ما يجري بحق الفلسطينيين "مخالف لكافة القوانين الدولية التي تضمن الحرية في التنقل"، موضحا أن الضفة الغربية كإقليم محتل تخضع لسيطرة فعلية من سلطات الاحتلال التي تهيمن على الحدود والمعابر.

وقال إن ما يجري بحق السكان المحميين (الخاضعين للاحتلال) يخالف اتفاقية جنيف والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تتحدث عن مغادرة وعودة سكان الإقليم المحتل بحرية.

وشدد على أن إسرائيل تمارس سياساتها في التضييق على الفلسطينيين وانتهاك حقهم في السفر لأسباب سياسية، فهي تمنع السياسيين والناشطين والمثقفين من السفر للتأثير في توجهاتهم، أو لأسباب اقتصادية بهدف التحكم في الاقتصاد الفلسطيني وعدم إعطائه هامشا من الحرية وإبقائه رهينة للاحتلال.

واعتبر في حديث للجزيرة نت أن ما يجري يرقى -أحيانا- لجريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، فيما يرقى وضع السكان في ظروف معيشية صعبة إلى مستوى جريمة حرب، وفق اتفاقية جنيف.

المصدر : الجزيرة